بقلم – عبد اللطيف حامد
استغربت بشدة هوجة «الممبار الصينى»، التى دارت رحاها مؤخرا لدرجة تقديم إحدى نائبات البرلمان بيانا عاجلا ضد وزير التموين اعتراضا على جودته، وقبلها وصلة من التريقة والآفات الحراقة من مشاهير التوك شو عن الممبار وسنينه، لكن الأولى محاسبة الحكومة عن الغزو الصينى وغيره للأسواق المحلية من الإبرة للصاروخ.
يا سادة نحن نستورد من الصين كل شيء، تخيلوا حتى الطراطير الورق، وكروت المعايدة الورق برضو تأتينا فى «كونترات» من بكين، وأخواتها، ومحلات «الاتنين ونص» شغالة نار، ندفع مليارات الدولارات، التى لا تدخل البلاد إلا بالتيلة، وشق الأنفس فى سلع، ومنتجات ما أنزل الله بها من سلطان فى قاموس الاستيراد، نفتح أبواب فرص العمل لملايين الصينيين والهنود وغيرهم، بينما شبابنا تقتله البطالة بالبطيء رغم أن الكثير منهم ينتظر نصف فرصة لعمل مشروع متناهى الصغر أو متوسط، لكن التمويل يقف حجر عثرة تتكسر عليها الأحلام، وهذا ليس مجرد كلام لمغازلة الشباب، بل لدى أمثلة تفوق الحصر للراغبين فى الإنتاج، لكن «العين بصيرة والإيد قصيرة».
الاعتراف بالمشكلة بداية الحل، كما يردد دائما أصحاب القرار دون أن يترجموا الأقوال إلى أفعال، بصريح العبارة، على السادة المسئولين الإقرار بأن لوائحهم، وقراراتهم الفوقية السبب الرئيسي فى ضرب المشروعات متناهية الصغر والصغيرة فى مقتل، ووأد كل محاولة لأصحاب الهمم والعزائم لركوب قطار تلك المشروعات على غرار تجارب دول شرق آسيا، التى تحولت إلى نمور فى سنوات قليلة بفضل تطوير التعليم ثم قطاع الصناعة، البدايات فى كل المجالات صعبة، تحتاج للمساندة، وتقليل المخاطر، وامتصاص الصدمات وما أكثرها، لأن عملية التصنيع والإنتاج ليست محسوبة تمامًا بالورق والقلم، حسن السوق ولا حسن البضاعة، دعم الصناع الصغار فريضة غائبة ندفع ثمنها على مدى سنوات طويلة مضت، ويبدو أننا سنواصل نفس المأساة لأخرى مقبلة.
أسواقنا متعطشة إلى كل السلع المستوردة أو المهربة، وحتى المنتجة «تحت بئر السلم» لأن دوامة الروتين، والإجراءات المكبلة تقف بالمرصاد لصغار المنتجين والصناع، بينما القروض تنهمر بالمليارات على «الهليبة» من أصحاب المشروعات الوهمية، ومافيا الأراضى، فلا يستطيع شاب أو مجموعة شباب الحصول على قرض ميسر لدعم مشروعهم الإنتاجى من «بطاريات الأرانب» مرورًا بتسمين المواشى ثم مصنع التمور، وحتى مكتب المقاولات، وسيدخلون فى مسلسل ممل الحلقات من اللف والدوران على المكاتب، وجمع الإمضاءات، وتجهيز الأوراق بحجة الضمانات، فتكون النهاية الدرامية السقوط فى خضم الإحباط والسخط على البلد، ومن يصمد منهم يجد موظفو المحليات والضرائب وهلم جر يطاردونهم للحصول على الإكراميات، والرشاوى بعيون غليظة لا تستحى من لومة لائم، ولا من مجهود وأموال ما زالت تنفق أملا فى العوض من الله، فيخرج أغلبهم بلا رجعة، ولا يفكر فى مشروعات، ولا دياوله.
ومنعا للردود «التيك آواى»، ورفع شعارات دعم الشباب، أطالب الحكومة والبنك المركزى بالإعلان عن خريطة إنفاق مبادرة الرئيس السيسى منذ يناير ٢٠١٦ لضخ ٢٠٠ مليار جنيه لدعم مشروعات الشباب بقيمة فائدة ٥ فى المائة، والعبد لله شبه متأكد أن هذه المبادرة لم يصل منها جنيه واحد لدعم المشروعات الشبابية متناهية الصغر، التى يقل حجم أعمالها عن مليون جنيه، وتستهدف دعم فئة الشباب الذين يمثلون ٦٥ فى المائة من المجتمع، البنوك لا تستفيد من القروض، التى تبدأ من جنيه وحتى مليون حنيه، يريدون تدبير عشرات الملايين لجنى أكبر فائدة حتى لو ضاع الأصل والفوائد بهروب سيادة المستثمر الكبير، أما زيادة التصنيع والإنتاج المحلى فليذهب إلى الجحيم رغم أنهم تغنوا بقرار الرئيس، وأكدت البنوك تترا المشاركة فى هذه المبادرة كنوع من الشو الإعلامى.
الخلاصة أننا ستظل مصرفًا للغث والثمين من السلع القادمة من الخارج بطرق شرعية أو ملتوية طالما النية غير صادقة فى وضع استراتيجية لخلق شبكة من المشروعات متناهية الصغر بطول البلاد وعرضها، ترفع معدل الإنتاج الوطنى، وتحسن مستوى معيشة أصحابها، ومن المؤكد توفر فرصًا للباحثين عنه بدلا فتح الباب عمال على بطال للاستيراد، ودعم اقتصاديات دول أخرى بعضها لا يريد لنا أن ننتج ليبقى الوضع على ما هو عليه, أفيقوا يرحمكم الله.. والله أعلم.