أكدت الدكتورة إلهام رفعت، خبير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وعضو الشبكة الدولية للتخلص من الملوثات، أن التلوث البلاستيكي لم يعد مجرد مظاهر بيئية مشوهة تتمثل في مخلفات متناثرة أو شواطئ ملوثة، بل تحوّل إلى أحد أخطر التحديات الصامتة التي تهدد الصحة العامة والبيئة في آنٍ واحد، موضحة أن جوهر الأزمة لا يكمن في البلاستيك المرئي فقط، وإنما في المواد الكيميائية المصاحبة له والجزيئات البلاستيكية الدقيقة التي تتسلل دون إنذار إلى الغذاء والمياه والهواء، لتؤثر تدريجيًا في الأنظمة الحيوية داخل أجسامنا، وعلى رأسها الجهاز الهرموني.
وأشارت الدكتورة إلهام رفعت - في تصريح لوكالة أنباء الشرق الأوسط اليوم الجمعة، إلى أن الأدلة العلمية المتراكمة تؤكد أن المرأة والطفل يمثلان الفئتين الأكثر تأثرًا بهذا النوع من التلوث، ليس فقط بسبب طبيعة التعرض، وإنما نتيجة الخصوصية البيولوجية والهرمونية التي تجعل آثار هذه المواد أكثر عمقًا واستدامة، وقد تمتد آثارها عبر الأجيال.
وأوضحت أن الخطورة الأساسية للبلاستيك تكمن في احتوائه على مجموعة من المواد الكيميائية المعروفة باسم المواد المثبطة للغدد الصماء، وهي مركبات قادرة على التدخل في عمل الهرمونات الطبيعية داخل الجسم، إما بمحاكاتها أو تعطيل وظائفها، ما يؤدي إلى اختلال دقيق في منظومة هرمونية تتحكم في النمو، والتمثيل الغذائي، والصحة الإنجابية، والتطور العصبي.
ونوهت رفعت؛ بأن من أبرز هذه المركبات مادة البيسفينول أ (BPA) التي تحاكي هرمون الإستروجين، إلى جانب الفثالات التي تؤثر على تنظيم الهرمونات الجنسية لدى الجنسين، مؤكدة أن الخطورة لا تكمن في التعرض الحاد لهذه المواد، بل في التعرض المزمن لجرعات صغيرة ومتكررة، وهو ما يجعل آثارها تراكمية وبطيئة الظهور، لكنها شديدة التأثير.
وبينت أن المرأة تتعرض لمستويات أعلى من هذه المواد عبر مسارات متداخلة، داخل المنزل من خلال مستحضرات التجميل والعناية الشخصية، واستخدام العبوات البلاستيكية في تخزين الطعام أو تسخينه، ومنتجات التنظيف المنزلية، فضلًا عن غبار المنازل المحمّل بجزيئات بلاستيكية دقيقة ناتجة عن المفروشات والسجاد. كما تزداد المخاطر في بيئة العمل ببعض القطاعات، مثل القطاع الصحي والصناعات المرتبطة بالبلاستيك ومستحضرات التجميل.
وأكدت أن هذا التعرض المركب ينعكس في صور صحية متعددة، تشمل اضطرابات الخصوبة، ومضاعفات الحمل، وتأثيرات محتملة على النمو العصبي للجنين، وزيادة مخاطر الإصابة بسرطانات مرتبطة بالهرمونات، فضلًا عن انتقال هذه الملوثات إلى الأطفال عبر المشيمة أو حليب الأم.
ولفتت إلى أن الأطفال يتعرضون لهذه المواد خلال مراحل النمو الأكثر حساسية، ما قد يؤثر على تطورهم العصبي والسلوكي، ويزيد من مخاطر الإصابة بالأمراض المزمنة في مراحل لاحقة من العمر، في حين يقع الشباب في قلب المشكلة بحكم أنماط الاستهلاك الحديثة، الأمر الذي يجعل التوعية المبكرة ضرورة لحماية صحتهم ومستقبلهم.
وأوضحت أن آثار التلوث البلاستيكي لا تقتصر على صحة الإنسان فقط، بل تمتد إلى البيئات البحرية والساحلية، حيث تتراكم المواد الكيميائية المرتبطة بالبلاستيك في الأسماك والكائنات البحرية والشعاب المرجانية، مهددة التنوع البيولوجي، والثروة السمكية، والسياحة البيئية، والأمن الغذائي، لا سيما في البحرين الأحمر والمتوسط.
وشددت الدكتورة إلهام رفعت، على أنه رغم كون المرأة من أكثر الفئات تضررًا، فإنها تمثل في الوقت ذاته حجر الزاوية في مواجهة هذا الخطر، مؤكدة أن تمكين المرأة بالمعرفة والبدائل الآمنة لا يحمي صحتها فقط، بل ينعكس مباشرة على صحة الأسرة والمجتمع، ويسهم في تغيير أنماط الاستهلاك وتعزيز السلوك البيئي المسؤول.
وأكدت أن مواجهة التلوث البلاستيكي والمواد الكيميائية المرتبطة به تتطلب نهجًا متكاملًا تشارك فيه الأسرة، والمجتمع المدني، والدولة، من خلال تغيير أنماط الاستهلاك اليومية، وتكثيف التوعية، وتطبيق السياسات والتشريعات البيئية، ودعم البدائل الآمنة والاقتصاد الدائري، مشددة على أن المرأة هي الأكثر تأثرًا، لكنها أيضًا الأقدر على قيادة التغيير.
جاء ذلك في إطار الأنشطة التنفيذية لحملة التوعية «مجتمعات خالية من السموم – المرأة والمواد الكيميائية المثبطة للغدد الصماء»، التي تُنفذ بالتعاون بين مؤسسة الرواد للمشروعات والتنمية والشبكة الدولية للقضاء على الملوثات (IPEN).