الأربعاء 27 نوفمبر 2024

ألا فى الفتنة سقطوا

  • 8-3-2017 | 13:53

طباعة

بقلم –  ثروت الخرباوى

 تأخرنا كثيرا عن مواجهة من عبث بأمن الوطن، وتعدى على ثوابت الأمة، وسخر من عقيدتها، وعكَّر نهر الحب الذى كان يجرى بين فرعى الأمة، وعبس فى وجه المصريين الذين يتدينون لله بالمسيحية، وتعدى على حقوقهم، وحاول أن يحفر فى قلوب العامة من المسلمين المصريين كراهية لأقباطنا استمدها من فهم مشوه للإسلام حتى أصبحنا نعيش على شفا حقل من النفط قابل للاشتعال فى كل حين.

نعم تأخرنا ولكن ينبغى أن نبدأ، فالأفكار الشيطانية تتطاير فوق الرؤوس، تقطف عقول الشباب الغر الذى لا يعرف شيئا، وشياطين التطرف والكراهية لا تكف عن العمل، ولذلك لم يعد يجدينا أن نجلس فى إفطارات رمضان، أوفى الأعياد القبطية لكى نتبادل الكلمات الطيبة ونستعيد ذكريات أيام مضت ثم ننصرف إلى حال سبيلنا ونترك بعضنا يشعل النار فى تاريخٍ ومحبةٍ ومودةٍ، بل فى شعب بأكمله.

الآن يجب أن نواجه دهاقنة الفتنة ونفضح جهلهم وضيق أفقهم وبلادة تفكيرهم، ثم علينا أن نحاكم تطرفهم ونطردهم من مشاعرنا، فلا هؤلاء من علماء المسلمين صدقا، ولا هم يعرفون عن الإسلام وفقهه وسماحته شيئا، أولئك لم يتقنوا إلا التشدد والتنطع، ولم يجيدوا إلا التعصب والتطرف، وليس السلام فى قاموسهم، ولا الحب فى قلوبهم، ومن نكد الدنيا على الأجيال الحالية أن لم تجد من تتلقى منه إلا شيوخ التطرف ياسر برهامى ومحمد حسين يعقوب وأبو إسحاق الحوينى وأمثالهم، وكلهم لم يتلق علما أو فقها، ولم يقرأ إلا ما وقع تحت يديه من كتب الوهابية، وابن تيمية، فظنوا أن هذا هو العلم، فظلوا لا يعرفون فقها ولا عقلا، أكبر ما أتقنوه هو الحفظ والصم دون وعى ولا دراية، ولذلك سقطوا فى الفتنة وأوقعونا فيها (ألا فى الفتنة سقطوا) !!.

أول هؤلاء هو الدكتور ياسر برهامى عميد السلفيين بالإسكندرية، وهو بطبيعة الحال ليس دكتورا فى أى علم من علوم الشريعة ولكنه دكتور أطفال حيث حصل على ماجستير طب الأطفال من كلية الطب جامعة الإسكندرية، أما علوم الشريعة فقد أخذها بالهواية منذ أن كان طالبا فى الطب، وكان ذلك فى فترة السبعينيات، وويلٌ لنا مما قذفته فى وجوهنا فترة السبعينيات، قذفت فى وجوهنا الإخوان بعد أن كانوا قد تواروا، والسلفيين بعد أن كانوا هباءً منثورا، ويبدو أن عالم السياسة هو الذى حكم وتحكم، وقرر أن يضع ديوك التطرف الديني، فى مواجهة ديوك التطرف السياسي، فكان صراع الديوك، وفى مجتمع يقدس التدين، ويضع علماء الدين فى مكانة رفيعة كان يجب أن ينتصر ديوك التطرف الديني، ورغم أن الديك لا يبيض إلا أنه باض فى بلادنا وأخرج أفراخا عششت وتكاثرت، كان منهم برهامى وصحبه، وحينما كان هذا البرهامى طالبا حضر أحد المعسكرات الإسلامية التى كان الإخوان يعدونها لاصطياد وتجنيد الشباب الغر الساذج، فطلب منه الحاضرون قراءة أحد كتب ابن تيمية على أفراد المعسكر، فكان أن قرأ، ثم أعجبته الحالة حينما رأى نظرات الإعجاب السطحية فى عيون الجاهلين من زملائه، ورأى أن طريقه الذى يجب أن يسير عليه هو ليس طريق الإخوان الحركي، ولكنه الطريق المعاون لهم، والذى يعبد لهم الأرض ويحرث لهم الزرع، وهو طريق الدروس الدينية، فبه سيصبح إماما كباقى الأئمة، فداوم على حضور دروس العلم فى المساجد حتى يصبح شيخا مثل أستاذه محمد إسماعيل المقدم الذى سبقه بأعوام فى هذا المضمار، وكذلك كشيخه أحمد فريد، وكلهم كانوا من طلبة طب الإسكندرية، وكلهم ساهم فى تأسيس ما يسمى بالدعوة السلفية بالإسكندرية، إلا أن برهامى أصبح أشهرهم وإن كان أقلهم مرتبة، المهم أن برهامى من خلال الدروس التى كان يحضرها لمشايخه وضع قدما فى طريق المشيخة، ثم كتب كتابا متطرفا متشددا وضع فيه كل ما يمكن جمعه من مسخٍ وتشويهٍ للإسلام، وكأنه أراد به أن يختطف الإسلام من اعتداله وسماحته وسلامه، إلى منطقة أخرى سوداء مظلمة لا سماحة فيها ولا حب ولا سلام، هذا الكتاب هو «المنَّة شرح اعتقاد أهل السنة» وقد أصبح هذا الكتاب قِبلة للسلفيين لدرجة أنهم قالوا: «من لم يقرأ المنَّة ليس منا»! ووصل إعجاب برهامى بكتابه هذا أنه فى زواجه الثانى طلب من زوجته قبل أن يعقد عليها أن تحفظ هذا الكتاب وتكتب له ملخصا عنه حتى يقبل الزواج بها ففعلت، وعندما شك فى أنها قد تكون نقلت من الكتاب طلب منها أن تُسمّعه له! ففعلت، فتزوجها وأصبحت أم أولاده محمد والحسين ومريم، ولا يظن أحد أننى آتى بهذا الكلام من عندى ولكنه بعض ما قاله هو وكتبه عن نفسه! وذات يوم أصبح ياسر برهامى نائب رئيس الدعوة السلفية بالإسكندرية وقطبها الثانى بعد شيخه إسماعيل المقدم، وإن كان قد استطاع أن يضع شيخه «المقدم» فى الفترة الأخيرة فى مرتبة شكلية، لمجرد الحفاظ على التاريخ فقط، واستأثر هو بإدارة الدعوة السلفية بالإسكندرية بعد أن أطاح ببعض منافسيه.

ولكن ما هى المدرسة الفكرية لهذا الرجل؟ هو لم يكره فى حياته قدر كراهيته للمرأة والأقباط، هم عنده فى مرحلة متدنية، ليست المرأة هى الإنسانة التى خاطبها الله سبحانه وتعالى فى مجمل خطابه للناس والمسلمين والمؤمنين، ولكنها كائن ينبغى أن يختفى من الوجود وألا يظهر على الناس على الإطلاق، وحينما دخل إلى تجربة الزواج الثانى اشترط على الفتاة التى تقدم لها أن تنقطع عن التعليم وكانت قد أنهت دراستها الإعدادية، وحينما رزقه الله ببنت لم يلحقها بمدرسة ولكنه حبسها فى البيت وقام عن طريق معلمات من النساء بتعليمها القراءة والكتابة وحفظ القرآن وبعض الأحاديث، فالمرأة كما يقول لم تخلق للعلم! ومن أقواله الشهيرة فى الحض على منع المرأة من التعلم كالرجل:«الولاية والعلم للذكر دون الأنثى، فأين النساء العالمات لو قلنا بالجواز ونحن لا نقول به؟».

ويرى برهامى أن لا ولاية للمرأة، ولا يجوز ترشيحها فى البرلمان، وإن تم ترشيحها فإن هذا حرام لأن عضوية المرأة فى البرلمان فيها ولاية لأن البرلمان من الممكن أن يعزل الوزارة، ثم قال فى بعض مؤتمراته:«إننا اضطررنا لترشيح المرأة فى البرلمان حتى لا نترك الساحة لغيرنا، وهذا من الضرورات التى تبيح المحظورات».

ولكن مشكلته الكبرى هى فى الأقباط، وله فى ذلك كم من الفتاوى المتطرفة التى تضعه فى خانة الحماقة والتعصب والتطرف، وتجعله واحدا من الذين ازدروا الإسلام، ومن عجب أنه لم يحاكم قط على تلك التهمة مع أنه أولى بها من غيره، أما كل أسانيده التى ينطلق منها فى هذا الشأن فهى عبارة عن أحاديث ضعيفة، أو موضوعة، ومسخ لفهم بعض آيات القرآن التى يقرأها بعيدا عن أسباب نزولها وارتباطها بواقع آخر، وقد استمد فهمه الممسوخ المشوه هذا من ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب، وناصر الدين الألبانى أحد رموز السلفية فى العصر الحديث، وعمر عبد الرحمن شيخ جماعات التكفير فى عصرنا، لذلك كان من نتاج هذه المسوخ أن وقر فى اعتقاد برهامى أن المسيحيين ليسوا أهل كتاب، ولكنهم كفار ومشركون! ولم يستطع الواحد منهم أن يفهم آيات القرآن على وجهها الصحيح، فجعلوا منها قنابل مفخخة بدلا من أن تكون أغصان سلام ورحمة، يقول الله تعالى عن اليهود والنصارى إنهم أهل كتاب، ويزايد برهامى وصحبه على الله سبحانه وتعالى ويقولون: لا يارب إنهم مشركون!! ويجعلون من أنفسهم رجال الحساب الذين سيقفون يوم القيامة لحساب من اختلف معهم، فيقولون:هذا فى النار، وذاك فى قعر جهنم، ويزكون أنفسهم والله نهى عن تزكية النفس وقال:«هو أعلم بمن اتقى».

ولننظر إلى فتاوى برهامى عن الأقباط سنجد كما من البذاءات الفكرية مثل: «الواجب توضيح وتوعية المسلمين حول كفرهم وعدوانهم ومكرهم، للحذر منهم، وحصول البراء منهم مع اتباع قاعدة من أراد الكفر لنفسه فليدفع الجزية عن يد وهو صاغر، ولا يعلو بكفره وطغيانه على الناس» 
وننحدر من قمة التطرف إلى أدنى درجات الوعى الإنسانى حينما أفتى بمثل ما أفتى به شيخهم جميعا محمد عبد الله الخطيب مفتى الإخوان، فقال برهامى وهو يسير على منهج الخطيب بأنه «لا يجوز بناء الكنائس، لأنه من إظهار الكفر والإعلان به والدعوة إليه» وكان أعلى درجات رفضه للمواطن المسيحى وحقوقه كمواطن حينما قال عن قانون بناء دور العبادة الموحد: «أرفض المقارنة بين حق المسلمين فى بناء المساجد وحق الأقباط فى بناء الكنائس لأننا بذلك نسوى بين الدعوة إلى التوحيد والدعوة إلى الشرك؟».

أما حصار الأقباط اجتماعيا فهو أفرض الفرائض وأولى الأولويات، فلا يجوز زيارتهم ولا إهداؤهم هدايا فى أى مناسبة، ولا قبول الهدايا منهم، ولا حضور أفراحهم فى الكنائس، ولا تهنئتهم بأعيادهم، أما الترحم على الأموات منهم فهو بمثابة الشرك، أى أنك إذا فعلت ذلك فإنك تكون قد أصبحت مشركا بالله، وبصفة عامة يجب أن يكون الأقباط فى زاوية خلفية من المجتمع لا حقوق لهم، ويحرم علينا أن قبلنا أن يترشحوا فى البرلمان، أو أن نعطى لهم أى قدر من الولاية لأنهم حينئذ سيرأسون مسلمين، ولا يجوز أن تكون لهم ولاية على المسلمين.!

يا الله! ما هذا الكم الرهيب من الكراهية؟! ما هى طبيعة تلك القلوب التى ترى أن الإسلام يجب أن يعادى كل الأديان والعقائد والتوجهات السياسية والاقتصادية، وكيف استطاع هذا الكلام الغث أن يسيطر على عقول، ويُضِل عقولا، ويمسخ قلوبا، وكيف قبل أحد أن يضيف كل تلك السخافات إلى الإسلام؟ إلا إذا كان فى حقيقته أحد أعداء الإسلام!.

كان هذا عن الأول أما الثانى فهو «الشيخ محمد حسين يعقوب «حاصل على دبلوم معلمين من المدرسة المتوسطة، ولم يضبط متلبسا بإكمال تعليمه ليحصل مثلا على شهادة عليا، ثم ماجستير ثم دكتوراه، ولكنه اكتفى بالدبلوم، وكفى بها شهادة، ثم سافر للعمل فى المملكة العربية السعودية ككاتب حسابات وساع بين الإدارات فى مستشفى متوسط الحال، وهناك فى بلاد نجد والحجاز استمع للشيخ بن باز فأعجبه، ثم داوم أثناء إجازاته على دروس العلم لبعض مشايخ الحرم، وسمع آنذاك عن واحد يعظمونه اسمه ناصر الدين الألباني، يقولون عنه إنه أحد أكبر علماء الحديث، إلا أنه لم يستطع أن يراه لأن الألبانى كان من أهل سورية، وكانت زياراته للسعودية بين الحين والحين، وبعد بضع سنوات عجاف عاد الشاب البسيط قليل العلم فى كل شيء محمد حسين يعقوب إلى مصر، فسأل عن شيوخ الدعوة السلفية فى مصر، فقيل له إن إمامهم هو الشيخ أسامة عبد العظيم، فأخذ يحضر دروسه، ويحاول بقدر الإمكان أن يقترب منه وأن يتعرف عليه، وأخذ يعقوب بعدها يكنى نفسه بين طلاب أسامة عبد العظيم بأبى علاء، ثم أصبح أبو علاء صاحب حلقة علم وكأنها حلقة سمك، تحتوى على كل أنواع التطرف، يلقى دروسه باللهجة العامية البسيطة، ويضع فى دروسه كما من الهذر والاستظراف ليجذب البسطاء الجهلاء، وبدأت شهرته أولا عندما أخذ يطبع شرائط كاسيت لدروسه، ولأنها كانت تحتوى على كم من النكات فقد انتشرت بين سائقى الميكروباص انتشارا غريبا، وتكاثرت الشرائط الكاسيتية تكاثرا رهيبا، وأصبحت تغل لصاحبها الملايين، وتداعب مشاعر السطحيين بتلك اللغة العامية الدارجة التى لا يستخدمها إلا الحرفيون وسائقو الميكروباص، يصطنع فيها الاستظراف ويحشد فيها كما من الشتائم على من يشاء من عباد الله، شرائطه لا تبذر إلا التشدد والتنطع، ولكأنما جاء الدين لكى يُضيِّق على الناس ويكتم أنفاسهم، وكأنه لم يكتف بالتشدد والتضييق على عباد الله فأخذ يحض على الفتنة ويُحرِّض على كراهية الأقباط بكلام لا يساوى قلامة ظفر عالم حقيقي، ولكنه من خلال شهرته هذه استطاع أن يجتذب شركات السياحة الدينية، فأخذوا يتعاقدون معه للإشراف على رحلات الحج والعمرة، ومن رحلته مع الحرفيين إلى أصحاب المستويات الرفيعة انطلق يؤثر، فنكاته التى تضعه فى مصاف أى منولوجست تركت أثرا ما فى نفوس أغنياء القوم الذين جاءوا لعمرة أو لحج.

ومثله مثل باقى السلفيين، المرأة هى الشيطان، والأقباط هم أهل الكفر والشرك، لا أهل الكتاب والرسالة السماوية، يقول نفس سخافات برهامى الفكرية، ويحشد الكراهية فى القلوب ضد أبناء الوطن، وهو ذلك الرجل المتطرف الذى قال بعد استفتاء مارس ٢٠١١ « إن هذا الاستفتاء استفتاء على الإسلام» و«من سيقول نعم يكون قد قال نعم للإسلام، ومن قال لا سيكون قد قال لا للإسلام» و«لقد انتصرنا فى غزوة الصناديق» و«من يرفض نتجية الاستفتاء فعليه بالهجرة فالباب يفوَّت جمل» وسبحان الله، فوَّت الباب جمل الإخوان والسلفيين فهرب معظمهم بعد ثورة الشعب عليهم، وكما تدين تدان.

وهذا هو ثالثة الأثافى الشيخ حجازى محمد يوسف الذى يكنى نفسه بـ «أبو إسحاق الحويني» الذى نشأ فى محافظة كفر الشيخ فى قرية حوين مسقط رأسه، ثم نزح منها إلى القاهرة ليلتحق بكلية الألسن قسم اللغة الإسبانية، وأثناء دراسته عمل فى أحد حوانيت البقالة بمدينة نصر، وكان من تصاريف القدر أن حضر خطبة جمعة للشيخ عبد الحميد كشك وأصبح متيما به، وبعد خروجه من المسجد اشترى كتيبا لعالم الحديث الشيخ ناصر الدين الألبانى فحفظ الكتاب وأخذ يتردد على دروس العلم بالمساجد، ثم تخرج الحوينى من كليته وهو لا يعرف إلا اللغة الإسبانية، ولم يحدث أن أبحر فى علوم الفقه أو علوم القرآن الكريم، وظل يدور بين المساجد ليحضر الدروس التى يلقيها المشايخ بين صلاتى المغرب والعشاء، إلى أن سافر لإسبانيا فى منحة دراسية ليحصل على الماجستير، ولبث فيها عاما إلى أن قال هو: «وجدت رجلا إسبانيا عاديا وكنت أسأله عن مسجد قريب فرأيته ينظر لى باشمئزاز ثم بصق على الأرض، ومن ساعتها قررت أن أعود لمصر وأسلك طريق العلم الديني».

ولأن طريق العلم الذى اختاره هو علم الحديث لذلك شغف بشيخهم جميعا ناصر الدين الألباني، حيث كانوا يقولون عنه إنه أعلم أهل الأرض!! وكأن جهة ما أجرت امتحانا على مستوى الأرض فدخله الألبانى فأصبح هو الأعلم، ولم يدر أحدهم أن الله قال «وفوق كل ذى علم عليم» وتمنى حجازى محمد أن يصل إلى مرتبة:«أعلم أهل الأرض» وعاش فى هذا الوهم، ووجد أنه يجب أن يكون خليفة للألباني، فكنى نفسه بأبى إسحاق الحويني، نسبة إلى قريته حوين، ثم زعم ذات يوم أنه تقابل مع الألبانى وتلقى علم الحديث منه، وأن الألبانى زكاه وقال إنه خليفته، وعندما سأل بعضهم الألبانى عن هذا الأمر ومدى صحته قال الألبانى فى تسجيل صوتي:«كثيرون يدعون ذلك ولكنى لا أعرفه» ! ولكنه أخذ يروِّج هذه الفرية، فانتشرت بين البسطاء وصدقوا أنه خليفة الألباني، وكيف لا يصدقونه وقد أطلق لحيته ولبس الجلباب، ووضع الغطرة على رأسه كمشايخ الوهابية.

وشيئا فشيئا أصبح الحوينى صاحب دروس علم، له شهرته، وله أتباعه، مركزه الرئيسى فى كفر الشيخ، إلا أنه يفد إلى القاهرة فى بعض مساجدها كمسجد العزيز بالله فى منطقة الزيتون، وهو كالآخرين، من جيل السبعينيات، دخل إلى الإخوان أولا ثم وجد أن طريقهم غير طريقه، ونظر لنفسه فرأى فيها الريادة والقيادة، فى حين أنه فى الإخوان سيكون تابعا لا متبوعا، يقبل يد المرشد، ولن يقبل أحد يده، وبين غمضة عين وانتباهتها أصبح الحوينى أحد زعماء السلفيين وقطبهم الأكبر، يشيرون إليه بالبنان، ويحجون إلى جلساته، ويقتنون شرائطه، ويشترون كتبه، وكأنه بحر العلم، رغم لغته العامية الركيكة، وسطحيته البائنة، وفهمه المغلوط لما لا يجوز الغلط فى فهمه، ولكى يستكمل عدة العلم الوهمى كتب بعض كتب يحقق فيها بعض كتب الحديث القديمة، إلا أنه ليس من أهل الفقه حتى يلقى فى وجوهنا بالعديد من فتاويه التى تجعل الدنيا ظلاما والدين تشددا وإرهاقا، والإسلام فى خصومة دائمة، وكان من سخافاته المشهورة ذلك الدرس الذى يتم تناقله على اليوتيوب والذى قال فيه:«لكى ينصلح اقتصادنا لازم نرجع للغزو والفتوحات تاني، يقوم الواحد فينا يرجع ومعاه ييجى عشر روس، حبة منهم حريم وحبه رجال وحبه أطفال، وناخدهم بأه ونطلع على سوق اسمه سوق النخاسة ونبيعهم ونكسب منهم كتير»! أما السخافات التى أخرجها على أنه دين، فهى من كثرتها فوق الحصر، توفيق الحكيم كافر، هدى شعراوى هى عنده ابنة على شعراوى وليست زوجته، وهى عنده عميلة محاربة للإسلام سافرت إلى فرنسا لتتلقى من الكفار تعليمات لنشر السفور فى مصر، والأقباط هم أعداء الإسلام وخصومه ويجب أن نقاطعهم اجتماعيا، ولا نوليهم الوظائف، ونضيق عليهم الطريق، ونكرههم وننشر تلك الكراهية ما استطعنا.

هؤلاء الثلاثة مجرد مثال، والساحة تحتوى على غيرهم، ولكنهم الأشهر، فقد أصبحوا من نجوم الفضائيات، معهم تصاريح الخطابة من الأوقاف، يزورون شيخ الأزهر فيستقبلهم ويحسن وفادتهم، وفى زمن الإخوان يلتقون بمحمد مرسى فيجتمع معهم على الطعام بعد أن مدوا السماط على الأرض، ودخل منهم ياسر برهامى فى لجنة الدستور الإخوانى الصادر عام ٢٠١٢ فعبث فى الدستور كما شاء له العبث، ومن بعد ثورة يونيو ركبوا على جناح الثورة، ثم انفردوا بالمساجد يتحدثون فيها عن حرمة بناء الكنائس وغيرها من فتاوى الشر.

ليس من شك أن خطورة هؤلاء تكمن فى قدرتهم على اجتذاب جماهير البسطاء وتلقينهم أفكارا وهابية لا تتناسب مع المصريين وطبيعتهم وهى فى الأصل ذروة سنام التطرف، وقد رأيت بأم رأسى كيف أن هؤلاء رغم سطحيتهم إلا أنهم يمتلكون قدرة التأثير على نفسيات الجماهير البسيطة، وقد عكفت لفترة على تتبع ما يقولون، فسمعت لهم بعض أشرطة الكاسيت التى تحتوى على دروس أو خطب لمحمد حسين يعقوب والحوينى وياسر برهامي، فاستوقفتنى بذور الفتنة التى يغرسونها فى تربة الوطن، وكان من تلك الدروس ما كتبته فى صدر هذه المقالة عن فتاوى برهامي، والأسخف منه تجده فى أحد شرائط أبى إسحاق الحوينى حينما سأله سائل: هل يجوز أن ألقى السلام على المسيحى فقال الحويني:

((إذا قابلت النصرانى فلا تحيه بتحية الإسلام قل له أى تحية، صباح الخير أو صباح الفُل وإذا وقع فى مشكلة لا مانع أن أقدم له يد المساعدة، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (دخل رجل الجنة فى كلب سقاه). يا أخى! نزِّل هذا منزلة ذاك))!!.

هذا ما يقوله الشيخ لحوارييه وهذا ما يسمعه البسطاء منه، عامل المسيحى كما تعامل الكلب! هل هذا إسلام؟ ! وهل هذا الهراء ينتمى لدين الفطرة النقية السليمة؟ !.

نفس الفتوى بتهكم مختلف خرجت من محمد حسين يعقوب ومثلها بل وأكثر خرج من ياسر برهامى وهلم جرا، والثلاثة أيضا أفتوا بعدم جواز الترحم على الأموات من المسيحيين وكأنهم يقسمون رحمة ربك، سبحانه حين قال «أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم فى الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضًا سخريًا ورحمة ربك خير مما يجمعون».

وكنت قد قرأت للحوينى فتوى أجاز فيها الزواج من أهل الكتاب مسيحيين أو يهودا فأرسلت إليه أسأله: وهل يجوز يا شيخ أن يلقى الزوج المسلم السلام على زوجته الكتابية، خاصة وأن الله جعل الزواج مودة ورحمة؟ وهل يجوز له أن يلقى السلام على أهل زوجته أم أنه لا يجوز له إلا أن يبادرهم بـ «صباح الخير يا خواجة» فقال الشيخ فى أحد دروسه: «لا يجوز أن تكون للمسلم مودة بينه وبين زوجته الكتابية، له فقط أن يقضى وطره منها دون أن يظهر لها أى عاطفة» وزاد برهامى فى درس له بأن قال:» المودة ممنوعة، ولما يحب يقضى رغبته منها مش لازم يكون فيه مشاعر، هو الواحد لما بيغتصب واحدة بيكون بيحبها، اغتصبها يا أخي»!.

وكنت قد قرأت بحثا معمقا للشيخ فيصل مولوى رد فيه على من يُحرِّم السلام على أهل الكتاب مستندين إلى حديث للرسول عليه الصلاة والسلام دون فهم أو إدراك لفقه الحديث ــ وهو الأمر الذى حذر منه الشيخ الغزالى فى كتابه «السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث» فأجاز مولوى السلام مستندا فى ذلك إلى أسانيد عديدة فى القرآن والسنة ومنها قول الله عز وجل «سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي»، وقوله تعالى: «وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أو رُدُّوهَا إن اللّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا».

وقوله تعالى «يا أيّها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتًا غير بيوتكم حتّى تستأنسوا وتسلّموا على أهلها» ولفظ بيوت وأهلها هنا جاء على العموم، والمقام هنا لا يتسع لاستعراض كل بحث الشيخ فيصل مولوى بحججه وأسانيده، ولكن الأمر فوق هذا وذاك يتعلق بالفطرة الإنسانية، والخلق القويم، والرحمة التى أنزل الله الإسلام من أجلها، ألم يقل الله فى كتابه للرسول صلى الله عليه وسلم:»وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين» فكيف لا نتراحم مع الناس كل الناس ونحن أصحاب دين الرحمة؟! أما هؤلاء الذين يدعون العلم ويقولون إن الأحاديث الشريفة قيدت الأمر العام الذى فى القرآن، والخاص يقيد العام، هؤلاء نقول لهم إن الخاص الذى يقيد العام يجب أن يكون من نفس المرتبة، فإذا كان العام فى القرآن فيجب أن يكون الخاص الذى يقيده فى القرآن أيضا، لأن الحديث من ناحية أقل فى المرتبة من القرآن، وثانيا لأن هذه الأحاديث ظنية الثبوت لأنها أحاديث آحاد والقرآن قطعى الثبوت، والظنى لا يقيد القطعى.

أما عن تحريم شيوخ الفتنة الترحم على أموات أهل الكتاب فأين يذهبون من قول الله سبحانه وتعالى «ورحمتى وسعت كل شيء» وكلنا بمختلف عقائدنا شيء! وأين هم من قوله تعالى «كتب ربكم على نفسه الرحمة» وإذا أسلم رجلٌ وظل أبواه على دينهما الكتابى أفلا يجوز له أن يترحم عليهما مصداقا لقوله تعالى «واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربيانى صغيرا»؟ وأين يذهبون من رحمة الله التى أسبغها على أبى طالب عم الرسول صلى الله عليه وسلم فجعله أخف الناس عذابا فى النار؟ وأين يذهب شيوخ الفتنة من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم «الراحمون يرحمهم الرحمن» وحديث «إنما يرحم الله من عباده الرحماء» والأحاديث هنا على عموم اللفظ مهما كان دين الرحماء وفقا لما ذهب إليه الفقهاء.

 هذا قليل من كثير إلا أن البادى من واقع حالنا ومن أمية هؤلاء المشايخ الذين يجلسون للإفتاء فيثيرون صخبا وضجيجا دون أن نرى طحنا، البادى أننا نحتاج إلى ثورة فقهية تسعى إلى التجديد لا التبديد، نحتاج من يلقن هؤلاء المشايخ أنهم مازالوا عالة على العلم، وأنهم يسيرون بأفكارهم على حرف، لا يتقبلون اختلاف الرأي، وكيفية التعايش مع الآخر وقبوله، رغم أن الإسلام لم يأت بنصوص جامدة عصية على المرونة، ولكنه نزل ليصلح للبدوى فى الصحراء فى القرن الأول الهجري، وللأوربى والأمريكى فى القرن الحادى والعشرين وإلى أن تقوم الساعة، نزل الإسلام لكى يفهمه الأفريقى فى غاباته، والريفى فى حقله، والمدنى فى مدينته، وطبعًا من المستحيل أن ينتظم الجميع فى فهم واحد، ورغم أننا كنا نتمنى أن تكون هناك أفهام فى عقول هؤلاء لنختلف معها، ولكننا وجدنا أنفسنا أمام من لا يفهمون ومن لا يحبون أن يفهم الناس.

 

    الاكثر قراءة