السبت 20 ديسمبر 2025

عرب وعالم

"فورين بوليسي": فشل انقلاب بنين يكشف تصدعات متزايدة في منطقة غرب أفريقيا

  • 20-12-2025 | 11:23

بنين

طباعة
  • دار الهلال

لم يكن فشل محاولة الانقلاب التي قادها جنود في دولة بنين بغرب أفريقيا، قبل أيام، للإطاحة بالرئيس باتريس تالون، مجرد خبر عابر. فقد تجاوزت تداعيات الحدث حدود الشأن الداخلي، لتسلط الضوء على الجيوسياسية المعقدة للإقليم بأكمله، وإبراز خطوط تصدع تتعمق في منطقة باتت أكثر هشاشة واضطرابا.

وترى مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية أن حكومة تالون نجت بصعوبة بالغة بفضل عوامل، من أبرزها: التدخل المباشر لقوات من دول المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، حيث قادت نيجيريا، الجار العملاق لبنين من الشرق وأكبر دول أفريقيا من حيث عدد السكان، هذا التدخل، إذ أرسلت وحدات من سلاحها الجوي لقصف مواقع المتمردين ودعم القوات الموالية للحكومة.

وأشارت المجلة إلى أنه في خلفية المشهد، كانت فرنسا حاضرة أيضا. فباريس، التي أرغمت مؤخرا على انسحاب طويل من عدة مستعمرات سابقة في غرب أفريقيا، قدمت دعما لوجستيا واستخباراتيا للقوات الموالية للحكومة من قاعدة لها في ساحل العاج.

ولفتت المجلة إلى أن تدخل فرنسا ونيجيريا تسبب في إثارة انقسام الرأي العام في غرب أفريقيا، وإطلاق موجة من الاتهامات. فقد تجاهل كثيرون حقيقة أن حكومة بنين منتخبة، وأن تالون كان يستعد لمغادرة السلطة طوعا بعد ولايتين، حيث ذهب بعض النقد للإشارة إلى أن تدخل نيجيريا، في دولة صغيرة لا تحظى عادة باهتمام النيجيريين، لا بد أن يخفي دافعا آخر. كما تم وضع فرنسا في موقع "محرك الدمى" من خلف الستار، حيث زعم منتقدون أن توقيع نيجيريا اتفاقا لتبادل البيانات الضريبية مع باريس كان ثمنه -في رأي المجلة- التدخل في بنين.

ونوهت "فورين بوليسي" إلى أنه بدلا من دعم دولة بنين التي تعد إحدى الديمقراطيات القليلة المتبقية في الإقليم، ركز المنتقدون على تضييق تالون المتدرج لمساحة المعارضة السياسية خلال حكمه، متغاضين في الوقت نفسه عن غياب أي التزام من الانقلابيين المجهولين بالديمقراطية أو حقوق الإنسان.

وبينت المجلة الأمريكية أن حدة الانقسامات في منطقة غرب أفريفيا تجلت عندما أوقفت بوركينا فاسو، الجارة الشمالية الغربية لبنين، مؤقتا، طائرة نقل عسكرية نيجيرية هبطت اضطراريا على أراضيها.

وترى المجلة أن دلالة هذا الإجراء لا يمكن تفسيره بمعزل عن حقيقة أن بوركينا فاسو واحدة من ثلاث دول في الساحل – إلى جانب مالي والنيجر – تشكل تحالف دول الساحل (AES)، الذي يتصدر الجهود الرامية إلى تقليص النفوذ الفرنسي.

وقد طالبت الدول الثلاث مؤخرا بسحب القوات الفرنسية من أراضيها، رغم أنها تقع في قلب الهجمات التي تشنها جماعات إسلامية مسلحة، كما شهدت جميعها انقلابات ناجحة خلال السنوات الخمس الماضية.

وأشارت "فورين بوليسي" إلى أنه برغم كونها دولا حبيسة ومن بين الأفقر عالميا، فقد انسحبت بوركينا فاسو ومالي والنيجر من مجموعة إيكواس في يناير الماضي (في دلالة واضحة على حجم الانقسامات في منطقة غرب أفريفيا)، مؤكدة (الدول الثلاث) أن تكتلها الجديد سيكون أكثر فاعلية في الدفاع والتنمية من الترتيبات السابقة، سواء مع فرنسا أو ضمن الإطار الأوسع لغرب أفريقيا.

وبخلاف فرنسا التي تواجه سيلا من الانتقادات لدورها تاريخيا في المنطقة، ترى المجلة أن نيجيريا، لديها دوافع كافية لتفسير تحركها السريع في بنين؛ إذ تعاني نيجيريا نفسها من طيف معقد من التمردات الإسلامية وعصابات العنف المحلي، فضلا عن ضغوط خارجية، من بينها اتهامات أمريكية غير دقيقة بوقوع إبادة ضد المسيحيين.

علاوة على ذلك، فإن تدخل نيجيريا في بنين، يأتي -وفقا لمراقبين- انطلاقا من عدم رغبتها في رؤية جار مباشر يسقط في قبضة انقلاب عسكري كان سيشكل تهديدا مباشرا، وقد يعمق تمرداتها الداخلية ويتركها محاطة بدول تحكمها الجيوش.

وختاما، اعتبرت المجلة أن تدخل نيجيريا في بنين لن يغير مسارها بمعزل عن عوامل أخرى، لكنه يذكر بأن امتلاك سياسة أمن قومي جادة، قائمة على التعاون العميق مع الجيران، خطوة لا غنى عنها لتأمين واستقرار المحيط الإقليمي. وإذا كانت نيجيريا قد خطت خطوة صغيرة في هذا الاتجاه، فقد تكون الفائدة أوسع، وتمتد إلى القارة بأسرها، خاصة وأن "اختزال" المراقبين الغربيين السياسة الأفريقية في سرديات القبيلة و"الرجل القوي"، هي بعيدة تماما عن الواقع الأكثر تعقيدا، لاسيما وأن السياسة في أفريقيا لم تعد مختلفة جوهريا عن غيرها من بعض الديمقراطيات الغربية.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة