الأحد 21 ديسمبر 2025

تحقيقات

بين نيران الخارج وغليان الداخل.. «حزب الله» يواجه أخطر اختباراته في 2025

  • 20-12-2025 | 15:53

حزب الله في لبنان

طباعة
  • محمود غانم

دخل اتفاق وقف إطلاق النار بين الاحتلال الإسرائيلي و«حزب الله» اللبناني حيّز التنفيذ في 27 نوفمبر 2024، في مشهد عكس حينها أن الحزب ما زال يستند إلى بنية عسكرية صلبة، غير أن مرور أكثر من عام على سريان الاتفاق كشف واقعًا مغايرًا تمامًا، بدا فيه الحزب في وضع أكثر هشاشة، يلتقط فيه أنفاسه الأخيرة.

فعلى الرغم من خرق إسرائيل اتفاق وقف إطلاق النار بشكل متكرر، فإن المعطيات السياسية والميدانية الراهنة تشابكت لتفضي في النهاية إلى مسار يستهدف تجريد «حزب الله»، الذي شكّل لعقود غصّة في حلق إسرائيل، من ترسانته العسكرية.

سياسيًا، تتجه الحكومة اللبنانية، في تحرك لا يمكن فصله عن الضغوط الخارجية، نحو تنفيذ خطة حصر السلاح بيد الدولة، على أن يُنجز هذا المسار قبل نهاية العام الجاري.

أما ميدانيًا، فلا تزال إسرائيل تتمركز على خمس تلال داخل الأراضي اللبنانية، وتربط انسحابها منها بتجريد «حزب الله» من سلاحه، إلى جانب ما مثّله سقوط نظام بشار الأسد في سوريا من انتكاسة كبيرة لإمدادات الحزب العسكرية القادمة من الخارج.

ما قبل الرمق الأخير

منذ الثامن من أكتوبر 2023 وحتى 27 نوفمبر 2024، شهدت الحدود اللبنانية–الإسرائيلية جولة عنيفة من المواجهات بين «حزب الله» وإسرائيل، بدأت باشتباكات متقطعة قبل أن تنزلق، في سبتمبر 2024، إلى حرب واسعة النطاق خلّفت دمارًا كبيرًا، وصولًا إلى توغّل بري نفذته القوات الإسرائيلية داخل الأراضي اللبنانية في أكتوبر من العام نفسه.

وجاءت هذه المواجهات امتدادًا للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، إذ ربط «حزب الله» وقف عملياته العسكرية بإنهاء الحرب على القطاع.

غير أن الحزب وجد نفسه عاجزًا عن الاستمرار في هذا الربط، في ظل ضغوط داخلية متصاعدة طالبت بوقف الحرب التي استنزفت لبنان بشريًا واقتصاديًا.

ورغم التزام «حزب الله» باتفاق وقف إطلاق النار الذي دخل حيّز التنفيذ في نوفمبر 2024 بوساطة ورعاية أمريكية، وتوقفه فعليًا عن استهداف البلدات الإسرائيلية، واصلت إسرائيل خرق الاتفاق مئات المرات، مبررة ذلك بتنفيذ عمليات ضد عناصر للحزب أو مواقع تزعم تبعيتها له.

وتقول تل أبيب إن خروقاتها تستند إلى بنود الاتفاق التي نصّت على تفكيك المنشآت العسكرية غير الشرعية داخل لبنان، ومصادرة الأسلحة غير المرخصة، بدءًا من منطقة جنوب نهر الليطاني، وهو ما حظي بدعم أمريكي واضح تُرجم إلى ضغوط سياسية مباشرة على الحكومة اللبنانية لحصر السلاح بيد الدولة.

وتحت وطأة هذه الضغوط، أقدمت الحكومة اللبنانية على خطوات عملية، كان أبرزها قرار صدر في أغسطس الماضي يقضي بحصر السلاح — بما في ذلك سلاح الفصائل الفلسطينية و«حزب الله» — بيد الدولة، مع تكليف الجيش اللبناني بوضع آلية تنفيذية على أن تُستكمل قبل نهاية عام 2025.

وبدأ الجيش اللبناني بالفعل تنفيذ القرار عبر تسلّم كميات من الأسلحة من بعض الفصائل المسلحة، إلا أن المسار واجه تحديات كبيرة في ظل استمرار الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي اللبنانية.

وفي المقابل، شدد «حزب الله»، بصفته الطرف المسلح الأقوى في البلاد، على رفضه تسليم سلاحه طالما استمر الوجود العسكري الإسرائيلي داخل لبنان، حيث أبقت تل أبيب قواتها متمركزة على خمس تلال استراتيجية جنوب البلاد، في خرق واضح للاتفاق الذي نص على انسحاب كامل من المناطق التي توغلت فيها خلال الحرب.

وأمام هذا المشهد المعقّد، تجد الحكومة اللبنانية نفسها في موقف بالغ الحساسية، بين إصرارها المعلن على المضي قدمًا في ملف نزع السلاح واستمرار الانتهاكات الإسرائيلية من جهة، وتشدد موقف «حزب الله» من جهة أخرى، خاصة بعد تحذير الحزب من أن أي محاولة لنزع سلاحه بالقوة قد تفتح الباب أمام اضطرابات داخلية وحرب أهلية جديدة.

وبحلول نهاية الشهر الجاري، يُفترض أن يكون الجيش اللبناني قد نفّذ خطة حصر السلاح تنفيذًا لقرار الحكومة، غير أن هذا القرار لا يزال حبرًا على ورق فيما يخص سلاح «حزب الله».

وفي الوقت الذي تشدد فيه «تل أبيب» على ضرورة التزام لبنان بالموعد الذي حددته الحكومة لنزع سلاح «الحزب»، ملوّحة بالتدخل إذا لم يتم ذلك، تواصل طهران دورها الداعم لهذا الفصيل الرافض لتجريده من السلاح، بما يؤكد أن أبعاد هذه القضية تتجاوز بكثير الإطار المحلي.

مسار نزع السلاح

وفي ظل تمسّك الحكومة بمسار نزع السلاح، وتزايد التحذيرات من كلفة التعثّر أو الفشل، أو حتى من تبعات المضي قدمًا في هذا الخيار، طُرحت أسئلة هذا الملف الشائك على عدد من الخبراء والمحللين لاستشراف السيناريوهات المحتملة وما قد يترتب عليها من تداعيات.

وفي هذا الإطار، يؤكد الدكتور أحمد يونس، الباحث الأكاديمي والسياسي اللبناني، أن طرح مسألة نزع سلاح «حزب الله» يأتي في ظل مناخ إقليمي متوتر وضغوط دولية متصاعدة، حيث لم يعد هذا الملف شأنًا لبنانيًا داخليًا بقدر ما أصبح جزءًا من معادلة أمنية أوسع تتقاطع فيها المصالح الإسرائيلية والأمريكية والأوروبية مع حسابات الداخل اللبناني.

ويوضح يونس، في حديثه لـ«دار الهلال»، أن النقاش لم يعد يدور حول مبدأ السلاح فقط، بل حول كيفية إدارة هذا الملف من دون الانزلاق إلى مواجهة شاملة أو تفجير التوازن الهش داخل لبنان.

واقعيًا، يرى السياسي اللبناني أن من الصعب تصور نزع كامل وفوري لسلاح «حزب الله»، لأن الحزب ليس مجرد تنظيم مسلح، بل قوة سياسية وعسكرية متجذرة في بنية الدولة والمجتمع، وأن أي محاولة لفرض هذا المسار بالقوة ستؤدي إلى صدام داخلي واسع، وهو ما تدركه القوى الدولية جيدًا، ولذلك يبرز خيار المعالجة التدريجية، أي تقليص دور السلاح ووظيفته العسكرية، لا إلغاؤه دفعة واحدة.

ويشير إلى أن من هنا يُطرح سيناريو الاكتفاء بنزع السلاح جنوب الليطاني كحل وسط، يهدف إلى إبعاد الاحتكاك المباشر عن الحدود وتوفير حد أدنى من الطمأنينة لإسرائيل، مقابل تثبيت وقف النار وتعزيز دور الجيش اللبناني.

وفي تقديره، فإن نزع سلاح «حزب الله» لن يتم بقرار أحادي أو بضربة عسكرية سريعة، بل عبر تسوية سياسية إقليمية معقدة.

غير أنه يوضح أن الحرب تبقى احتمالًا قائمًا، لكنها ليست الخيار المفضل لأي طرف، فيما يبقى السيناريو الأرجح هو تسوية مرحلية تبدأ من الجنوب بانتظار تغيرات أكبر في موازين القوى الإقليمية.

وذلك ما يراه عبد الله نعمة، المحلل السياسي اللبناني وخبير العلاقات الدولية، حيث يوضح أن السيناريوهات المطروحة مع اقتراب انتهاء مهلة نزع السلاح تظل مرتبطة مباشرة بمسار تنفيذ المرحلة الأولى، والمتمثلة في سحب سلاح «حزب الله» من جنوب نهر الليطاني.

وبحسب ما يقوله نعمة، في حديثه لـ«دار الهلال»، فإن الجيش اللبناني سيقدّم تقريره إلى الحكومة في نهاية الشهر حول ما أُنجز في هذا الإطار، على أن تُستكمل العملية لاحقًا شمال الليطاني وباقي الأراضي اللبنانية، وهو مسار حظي بموافقة أمريكية.

ويؤكد نعمة أن موقف «حزب الله» المعلن معروف برفضه التخلي عن سلاحه، إلا أن الواقع الميداني يختلف عن التصريحات الإعلامية، حيث إن الملف بات يُدار ضمن تفاهمات وضغوط إقليمية ودولية واسعة، بهدف تجنيب لبنان أي ضربة عسكرية إسرائيلية، وفتح المجال أمام تعزيز دور الجيش اللبناني كقوة وطنية جامعة.

بينما يرى علاء السعيد، خبير الشأن الإيراني والمتابع لملف «حزب الله»، في حديثه لـ«دار الهلال»، أن الضغط اليوم لنزع سلاح الحزب ليس شعارًا، بل مسارًا متدرجًا يتقاطع فيه المحلي بالدولي، وأن السيناريوهات المحتملة ثلاثة، لكلٍّ منها كلفته.

ويؤكد السعيد أن «حزب الله» في العام الجاري يقف أمام مرآة قاسية لا تجامل، ليس لأن الخطاب تغيّر، بل لأن الوقائع انقلبت؛ فالسلاح الذي صُنِع ليكون أداة نفوذ إقليمي بات عبئًا سياسيًا داخليًا، ومسألة تفاوض دولي، وسؤالًا وجوديًا مطروحًا بلا مواربة.

ويوضح أن أول هذه السيناريوهات هو «التحول المُدار»، بحيث يتم قبول صيغة تفكيك تدريجي للسلاح الثقيل مقابل إعادة التموضع السياسي بما يحفظ للحزب حضورًا مدنيًا وينهي وظيفته العسكرية العابرة للدولة.

أما ثانيها، وفق السعيد، فهو «المراوحة الخطِرة»، أي إبقاء السلاح مع خفض الاستخدام، ما يعني استنزافًا بطيئًا، وعزلة أعمق، وتآكلًا داخليًا تحت ضغط الاقتصاد والرأي العام.

بينما السيناريو الثالث هو «القطيعة الصدامية»، برفض المسار برمّته والدخول في مواجهة مفتوحة بنتائج غير محسوبة في لحظة إقليمية لا تكافئ المغامرين، حسب قوله.

ويشدّد على أن حصاد 2025 لا يشبه مواسم التعبئة القديمة؛ فالحزب الذي بُني على فائض القوة يواجه اليوم فائض الأسئلة، وسؤال السلاح لم يعد تفصيلًا تقنيًا، بل عنوانًا لمرحلة كاملة: إما انتقال محسوب من منطق «الميليشيا» إلى منطق السياسة، أو استمرار في مسار يضيق هامشه يومًا بعد يوم، وفي هذه اللحظة لا تنقذ الشعارات ما لا تسنده الوقائع.

قطع الطريق

على مدى سنوات، شكّلت سوريا بوابة رئيسية لعبور المواد اللوجستية والعسكرية التي يتلقاها «حزب الله» في لبنان من طهران، غير أن هذا المشهد تبدّل جذريًا مع سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024، إذ بادرت القيادة السورية الجديدة إلى اتخاذ إجراءات مشددة لوقف التهريب عبر الحدود.

وخلال العام الجاري، أعلن الجانب السوري في أكثر من مرة ضبط شحنات أسلحة كانت في طريقها إلى الأراضي اللبنانية، ما يعكس أن بوابة الإمداد التي اعتمد عليها «حزب الله» لسنوات طويلة باتت تواجه انتكاسات متتالية، الأمر الذي يزيد من أعبائه، ويُضعف في الوقت نفسه ترسانته العسكرية التي تضررت أساسًا بفعل المواجهة الأخيرة مع إسرائيل.

وفي المقابل، تواصل طهران علانية تأكيدها دعم «حزب الله» ورفض نزع سلاحه، باعتباره أحد أهم ركائز ما تسميه «جبهة المقاومة» في مواجهة الصهيونية.

وفي غضون ذلك، يوضح علاء السعيد أن سقوط نظام بشار الأسد في نهاية عام 2024 لم يكن حدثًا محليًا معزولًا، بل زلزالًا لوجستيًا أصاب الحزب في عمقه، إذ كانت سوريا لسنوات الممر الآمن للأسلحة النوعية، ومستودع العبور، وغرفة العمليات الخلفية التي تصل طهران ببيروت.

غير أنه، بانهيار هذا الغطاء، وفق السعيد، تعطّلت خطوط الإمداد البرية، وتحولت القنوات السرية إلى مسارات محفوفة بالمخاطر والكلفة، ما انعكس تراجعًا ملموسًا في وتيرة ونوعية الدعم العسكري، وتأخيرًا في التعويض والتحديث، وارتباكًا في منظومة القيادة والسيطرة العابرة للحدود.

وفي المقابل، يكشف خبير الشؤون الإيرانية أن طهران، رغم الانقطاع السوري، لم تُغلق الباب بالكامل؛ إذ لا تزال إيران تقدم دعمًا انتقائيًا محسوبًا عسكريًا وسياسيًا وماليًا.

عسكريًا، دعم محدود ونوعي وغير منتظم، يركّز على الخبرات والتدريب وبعض التقنيات التي يمكن نقلها دون عبور كثيف أو بصمة كبيرة.

ماليًا، تحويلات مضبوطة السقف تهدف إلى إبقاء الهيكل قائمًا لا إلى توسيعه، مع إعادة ترتيب الأولويات داخل الحزب نفسه.

سياسيًا، مظلة خطابية ودبلوماسية أقل صخبًا وأكثر حذرًا، تعكس رغبة طهران في تجنب التصعيد المباشر وتفادي تحويل الحزب إلى نقطة اشتعال تُستنزف بها ملفاتها الأوسع.

إسرائيل تترقب

حسب إعلام عبري، فإن جيش الاحتلال وضع خطة خلال الأسابيع الأخيرة لشن هجوم واسع ضد مواقع تابعة لـ«حزب الله» حال عدم تنفيذ الحكومة والجيش في لبنان تعهدهما بتفكيك سلاح الحزب قبل نهاية عام 2025.

وتدرك إسرائيل أن أي حرب شاملة مع «حزب الله» ستكون مكلفة للغاية، سواء على المستوى العسكري أو الاقتصادي أو الاجتماعي، في حين أن الجبهة الداخلية العبرية لم تعد قادرة على تحمل حرب طويلة الأمد، وفق ما يقوله الدكتور أحمد يونس.

وحسب يونس، فإن تل أبيب تميل إلى استخدام الحرب كأداة ضغط سياسية ونفسية، لا كخيار أولي، بهدف فرض تسوية بشروط أفضل، وذلك رغم التصعيد والتهديد.

لكن في المقابل، يضيف أنه إذا وصلت إسرائيل إلى قناعة بأن كل المسارات الدبلوماسية فشلت، وأن «حزب الله» يعزز قدراته العسكرية ويثبت معادلة ردع طويلة الأمد، فقد تلجأ إلى عملية عسكرية واسعة، ليس بهدف نزع السلاح بالكامل، بل لإعادة فرض قواعد اشتباك جديدة بالقوة.

هذه الحرب، وفق الأكاديمي والسياسي، إن حصلت، ستكون محدودة زمنيًا لكنها عنيفة، وتسعى إلى إضعاف قدرات «حزب الله» ودفع لبنان والمنطقة إلى طاولة تسوية قسرية.

كذلك يؤكد الخبير السياسي عبد الله نعمة أن إسرائيل ربطت تدخلها العسكري بفشل مسار نزع السلاح، لا سيما في جنوب الليطاني.

لكنه يشير في المقابل إلى أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لن يسمح بأي عدوان إسرائيلي طالما أن الجيش اللبناني يواصل تنفيذ خطة سحب السلاح، مع توقع إعلان نهاية الشهر عن سحب نسبة كبيرة من السلاح في هذه المنطقة.

أما في حال اندلاع مواجهة عسكرية، فلا يتحدث نعمة عن قدرة إسرائيل على تدمير «حزب الله» بشكل كامل، بل يركز على أن الهدف اللبناني هو منع الوصول إلى هذا السيناريو أصلًا، عبر إرساء هدنة عام 1949، وانسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة، وإعادة ترسيم الحدود، واستعادة الأسرى، وهو ما يجنب البلاد مسارًا تفاوضيًا تسعى إسرائيل إلى فرضه «تحت النار» فيما يخص مسألة سلاح «حزب الله».

يخلص مما سبق أن مسألة نزع سلاح «حزب الله» لا تلوح في الأفق القريب، على الرغم من الضغوط الداخلية والخارجية المتزايدة، غير أنها ستبقى مطروحة على جدول الأعمال بوصفها خيارًا مؤجلًا للتنفيذ.

أخبار الساعة