السبت 25 مايو 2024

الشيخ محمد زكى رزق أمين عام الدعوة بالأزهر الشريف: الأزهريون ردوا جبروت الطغاة

8-3-2017 | 13:58

حوار: أحمد جمعـة

"مفجر الثورات، ولم يخضع لحاكم مهما بلغ جبروته".. هكذا يرى الشيخ محمد زكى رزق، أمين عام الدعوة بالأزهر الشريف، الدور السياسى للأزهر منذ تاريخه الممتد، يؤكد دومًا أنه مهما تغيّرت السلطة الحاكمة ظل الأزهر الشريف منبرًا مستقلًا للوسطية والاعتدال.

ويوضّح "رزق" فى حواره لـ"المصوّر" أن شيوخ الأزهر وعلماءه لهم مواقف مُشرفة فى التصدى للحكام والفتاوى الجائرة، مستشهدًا فى ذلك بكفاح العز بن عبدالسلام ضد المماليك، وكذلك الشيخ محمد عليش والمواقف المجيدة وقت الخديوى والاحتلال الإنجليزي، وصولًا إلى معارضة الإمام المراغى من الملك فاروق، حتى رفض الشيخ جاد الحق على جاد الحق لمؤتمر "السكان والتنمية" وقراراته التى تناقض تعاليم الإسلام، واحترمت السلطة المصرية رأيه آنذاك.. وإلى نص الحوار.

فى البداية وبنظرة عامة.. كيف تُقيّم علاقة الأزهر بالسلطة على مدى تاريخه الممتد؟

الأزهر هو منحة الله للإنسانية، بل للعالم كله وللمسلمين خاصة، على أرضٍ مصرية، إلا أن رسالته ربانية عالمية تدعو إلى الله على بصيرة بالحكمة والموعظة الحسنة.

الأزهر هو قبلة الباحثين عن العلم الصحيح وعن الحقيقة المغيبة بين ظلمات الحياة، وتهوى إليه عقول الباحثين والوسطية السمحة فى مشارق الأرض ومغاربها. والأزهر هوّ حافظ تراث النبوة لغةً وشرعًا لأكثر من ألف عام وتربى حكام ووجهاء وقادة العالم الإسلامى على تعاليمه الصحيحة وعلى أيدى علمائه الربانيين ودعاته الصادقين، فما من موضع قدم عبر العالم إلا وتبرز دورًا للأزهر يسطيع هناك ببركة عالم من علمائه أو طالب علم تتلمذ بين أركانه وجدرانه، وهكذا فقد كان الأزهر الشريف بأعلامه الكبار غداة حق وصدق فى وجه أى سلطة أو سلطان.

هل قامت العلاقة بين الأزهر ومشايخه مع الحكام على "التبعية"؟

بالنسبة للأزهر ووقوفه فى وجوه الطغاة فى كل زمان ومكان فهذه حقائق سجلها التاريخ بأحرف من نور فى كل العهود بداية من انتهاء الدولة الأيوبية إلى تاريخنا الحديث، فكفاح الأزهريين أمام المماليك ورد جبروتهم ووقف عنفوانهم على يد العز بن عبدالسلام ومحى الدين الننوى وشيخ الإسلام زكريا الأنصاري، فقد كان هؤلاء قادة الشعوب ومصابيح نور وصفحات بطولات فى أسوأ عهود الظلم.

يأتى بعد ذلك إلى الحملة الفرنسية، فقد كان الأزهر وحده هو جبهة الثقافة المصرية، ومعنى ذلك أن علماءه ذوى التوجيه الهادف والزعامة بين الجمهور، وإن كانت الثورة العرابية بزعامة أحمد عرابى وإن كانت ثورة ١٩١٩ بزعامة سعد زغلول، فإن هاتين الثورتين قد جمعتا فى قيادتها المخلصة رجالا مصريين لا ينتمون إلى الأزهر ولكنهم يشاركون رجالهم، وعملهم على إنقاذ البلاد من براثن الطغاة.

نأتى إلى المواقف الرائعة لعلماء الأزهر، فأيام نابليون كيف كان علماء الأزهر قادة جهاد فى سبيل الله عز وجل يردون على البلاد هذا المستعمر الغشوم، ويوجهون الناس إلى الدفاع عن أوطانهم وبلادهم بكل ما أوتوا من قوة، فلم يكن الأزهر مشعل هداية فقط، أو مصباحًا للاستضاءة، بل كان مفجرًا للثورات، ولم يخضع يومًا لأى حاكم مهما كان جبروته، ومهما كانت سطوته، بل كان رجاله على الدوام كما يشهد لهم التاريخ، رجال الحق ورجال الصدق، على سبيل المثال الشيخ محمد عليش والمواقف المجيدة وقت الخديوى والاحتلال الإنجليزى والذين اتهموه بموالاة الثورة العرابية، وكذلك الشيخ محمد عبده وحركته المجيدة.

ما دلالات مناهضة الأزهر للحاكم وقراراته الخاطئة فى العصر الحديث؟

علماء الأزهر منذ تاريخه وهم يتصدون لأى مخالفة شرعية تخالف تعاليم الإسلام الحنيف، فمنذ عهد الشيخ عبدالحليم محمود وموقفه الرائدة عندما جعل استقالته فى بيته ولا يعتمد أى مخالفة شرعية، حتى عهد الشيخ جادالحق على جادالحق الذى رفض المؤتمر الدولى للسكان والتنمية الذى عقد فى القاهرة عام ١٩٩٤، فقد أُريد أن تصدر قرارات تناقض تعاليم الإسلام، واحترمت السلطة المصرية رأيه آنذاك.

إلى آخر هذا العهد وموقف الأزهر الشريف من الثورة المصرية فى ٢٥ يناير و٣٠ يونيو، ودعم الحركة الوطنية وحقوق الشعب، فقد انحاز بعلمائه ودعاته وشيخه أحمد الطيب -حفظه الله- إلى مطالب الشعب، بل كان مسددا لجميع فرقاء الثورة وجمعهم ودعاهم ووعظهم ونصحهم وجمع شملهم، ولم يخضع الأزهر فى أى عهد من عهوده إلى أى سلطان مهما كانت سطوته، بل كان المنارة الساطعة التى يهتدى بها الناس فى كل زمان ومكان. وليس هناك موقف للأزهر فى أى عهد مهما كان الإغراء أو التهديد يخالف شرع الله، دفاعًا عن الدين وزودًا عن الوطن، وتاريخه مقاومة وجهاد وتفجير للثورات فى كل عهود الظلم، والحامى لها والمصوّب لحركتها والداعى لها، حتى يحق الله الحق ويبطل الباطل.

هل بدأ الدور السياسى للأزهر يظهر جليًا منذ تأسيسه أم ارتبط بحدث معين تذكره لنا؟

هذا الدور من وقت إنشاء الأزهر إلى الآن، فنضال الأزهر عن حرية الوطن لا يختلف عن النضال عن حرية الفكر، لأن الاحتلال السياسى لا يجد متنفسه الفسيح إلا حين تكمم الأفواه وتُقصف الأقلام، وحينئذ يصبح الطغاة آمنين على أنفسهم يمارسون عدوانهم المنكر دون أن تزعجهم صيحات الاعتراض أو يجدوا من يهتف بدعوة الإسلام بمحاربة الفساد سياسيًا وفكريًا، وما كان للأزهر أن يستكين وقد قال القرآن الكريم "ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون".

نور الحرية السياسية والفكرية ينبعان من مشكاة واحدة، ولن ترى مناضلا سياسيًا صادق الوطنية إلا وهوّ نصير للحرية الفكرية، ولن تجد مدافعًا عن الرأى الحر إلا وهوّ عدو للاستبداد السياسى والطغيان الاستعماري، وقد يكون المناضل عن الناحيتين زعيمًا واحدًا يؤدى قسطًا سياسيًا بمواجهة المستبد، وقسطًا فكريًا فى نصرة الحقيقة، وهكذا كان الصفوة من علماء الأزهر يحاربون الفساد بشعبتيه دون أن يشعروا افتراقًا فى المنهج، أو تشعبًا فى الطريق، وهذه رسالة الأزهر منذ نشأته إلى الآن، وهى رسالة مباركة فيها صحوة علمية دينية، وفيها صحوة وطنية جهادية.

هل أثرت شخصية شيخ الأزهر وقوته على الدور السياسى للمشيخة؟

علماء الأزهر فى كل زمان ومكان هم ألسنة الشعب حين تهب العواصف وتمتد إلى أطماعه الطغاة، ولا يجد الشعب متنفسا يعبر فيه عن مشاعره إلا من خلال ساحة الأزهر، فهناك يجتمع الشعب ويبُلغ الشيوخ ما نزل بالناس من بلاء وعدوان ويتحمس العلماء لمواجهة الطغيان، ويطالبون بعودة الحاكم إلى رشده ويردون العدوان. هناك مواقف كثيرة ذكرتها، وهى تتكرر مع تجدد الأحداث، وما يقوم به الأزهر من توجيه سياسى لم يقتصر على القول، بل امتد إلى الفعل ونزل الشيوخ وتعرضوا إلى القتل والعزل، وكان ذلك كله مصدر فخر واعتزازًا للعلماء.

إذا انتقلنا من الاتجاه السياسى إلى الجهد الفكري، فإننا نجد جهد الأزهر كان أشق وأصعب، لأن سيطرة الاستعمار قد مكنت بعض الغلاة من مهاجمة الأزهر وكتبه، وصدرت كتب تمس المقررات الإسلامية بأصولها السليمة بشمول الثقافة وتغلل النظر ومواكبة الحضارة وموازاة التطور الفكري، وكان لابد للأزهر من أن يطلع على هذه الكتب، لأن النبى –صلى الله عليه وسلم- قال: "يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين".

هل كان علماء الأزهر "فقهاء السلطان" فى أى مرحلة تاريخية؟

من يقول ذلك مخالف لما عليه خلق الله، وهذا اتهام زور وليس عليه دليل واحد، فدور الأزهر الدينى والوطنى والاجتماعى والإنسانى لا ينكره إلا جاحد ظلوم، وهذا ادعاء باطل وكل من يصعد هذا الاتهام يأتى بدليل أو مخالفة واحدة.

ولم تكن علاقة الأزهر بالحكام تقوم على التبعية، بل كانت علاقة احترام متبادل، وحُبًا للدين والوطن، ولم تكن فى يوم من الأيام علاقة رغبة أو رهبة، بل كانت علاقة نصح وتوجيه وإرشاد.

هل كان الأزهر ورجاله يقدمون الصك الشرعى لتبرير تصرفات الحاكم؟

مطلقًا، ودعنى أرد على ذلك بموقف واضح، هو موقف الإمام المراغى من الملك فاروق عندما أراد أن يجعل زوجته أميرة للمؤمنين، ورفض "المراغي" ذلك، وهناك مواقف على هذه الشاكلة فى كل زمان ودليل أنهم لم يقدموا أى صكوك لتبرير تصرفات الحكام، ولم يبرروا لظلم أو طغيان أو إلحاد أو كفر، لا عن رغبة أو رهبة، بل انطلاقا من قول الله "لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَه".

إذا عرجنا على تعامل الأزهر وشيخه مع حكام العهود الملكية.. كيف كانت العلاقة؟

الأزهر الشريف فى كل زمان ومكان لا يصد الظلم إلا علماؤه ولا يقف فى وجه الظلم إلا الأزهريون وعلى رأسهم الشيوخ، يبلغون رسالة الله ولا يخشون لومة لائم، ولم يسجل التاريخ أى سوأة لعلماء الأزهر فى عهد الملك أو شيخه، بل كانوا كل واحد منهم أمة ومثلا أعلى يحتذى به فى بذل العلم والوقوف أمام الظالمين والانحياز الكامل إلى مطالب الشعوب التى تنادى بالحرية واستقلال الواطن وطرد المحتل وتحرير البلاد من القبضة الحديدية للمغتصبين. وأدت المواقف الوطنية للإمام عبدالمجيد سليم إلى عزله، إثر معارضته لفساد الملك فاروق.

وماذا عن علاقة الأزهر بالرئيس جمال عبدالناصر؟

كل شيوخ الأزهر حافظوا على العهد كما ذكر الله عز وجل "مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ، فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ، وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا"، ولا أجد أبلغ ولا أفصح من كلام الله فى الزود عن شيوخ الأزهر الأجلاء.

مع تغير الزمان والمكان ولكن الفقيه لا يحيد عن الحق ولا الحقيقة، وكل فتوى صادرة عن شيخ من شيوخ الأزهر لها أصولها وأسانيدها الصحيحة، التى يستمد منها الفقيه حكمه.

على وجه التحديد، كثيرًا ما هُوجم شيخ الأزهر الراحل محمد سيد طنطاوى واتُهم بمجارة حكومة الرئيس السابق مبارك فى فتاويه.. كيف ترد على ذلك؟

هذا ما ظلمنا به الشيخ الجليل وظلم لحقه، فقد كان -رحمه الله- فى وقته نعم المشتغل والمجاهر بكلمة الحق وإن خالفت آراء الكثيرين، ولم تكن تصدر فتاويه بتوجيهات سياسية، ولم يكن الشيخ طنطاوى ولا غيره أداة لأى حاكم من الحكام، بل كان يتبع كلمة الحق ويفصح عن رأيه مهما كلفه ذلك.

مع تولى جماعة الإخوان.. لماذا شعر البعض أن هناك فتورًا فى علاقة الإمام الأكبر أحمد الطيب ومشايخ الأزهر بالرئيس المعزول مرسى وجماعته؟

الأزهر لا يعرف أى توجه سياسى أو حزبى وهو فوق السياسة والأحزاب، ودائما ما يدعو إلى رأب الصدع وتوحيد الصف، والعمل على انتشال الوطن من محنته، والوقوف صفا واحدا على قلب رجل واحد لينهض الوطن وتستمر التنمية.

لم يجد الشعب بكل أحزابه وطوائفه باختلاف التوجهات فى هذه الآونة والمحنة التى ابتليت بها مصر فى هذا العصر العصيب، "حضنًا دافئًا يستوعبه" وملاذًا أمنًا يستقر برأيه إلا الأزهر الشريف، وما تخلى الأزهر عن دوره المنوط به دينيًا كان أو وطنيًا فهو يعمل بدعاته وعلمائه على مدى الزمن كله على نشر صحيح الدين ومواجهة الفكر التحللى والإرهابي، تفنيدًا وتحصينًا للمجتمعات من هذه الشرور والآثام، والتفسخ الأخلاقى لا يقل خطرًا عن الفكر الإرهابى الذى يستبيح الإنسان والوطن كله.

"الأزهر هوّ مفجر الثورات" بحد تعبيرك.. فلماذا يُتهم بالتخاذل عن دعم ثورة ٢٥ يناير فى بدايتها؟

انحاز الأزهر بشيخه الجليل وكل علمائه ودعاته وأساتذة الجامعة إلى مطالب الشعب بمواجهة الفساد والظلم والعدوان سواء فى ثورتى ٢٥ يناير أو ٣٠ يونيو، وهو مع متطلبات الشعب الشرعية يباركها ويؤيدها ويساعد على تحقيقها بكل ما أوتى من إمكانيات.

أنصار جماعة الإخوان الإرهابية دائمًا ما يقذفون الأزهر بسهام "الارتماء" فى أحضان السلطة خاصة فى عهد الرئيس عبدالفتاح السيسي.. ما ردك؟

أبدًا، وهذا كذب وزور وبهتان وليس معهم دليل واحد على صدق ما يتهمون به الأزهر وشيخه الجليل، وما يبوحون به كذب وافتراء.

الأزهر دائمًا مع الارتقاء بأمر الوطن، ويدعوا إلى الله على بصيرة بالحكمة والموعظة الحسنة، حتى ولو كان العطاء لا يسع متطلبات الشعوب فى هذا الوقت العصيب إلا أن الأزهر بكل ما آوتى من إمكانيات تجد له نورًا يسطع فى الداخل والخارج موجهًا ومرشدًا ومصححًا ومبلغًا وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا ولم ينحز ضد الحق، وتاريخه حافل بالبطولات.

والأزهر بشيخه ووكيله وجميع العاملين به لا يرضون عن أى عطاءً يقدمونه لمصر أو للشعوب الإسلامية، وإنما ينشدون الكمال ويجاهدون على قدر إمكانياتهم المتاحة ليبلغون درجة يشعرون من خلالها أنهم أهل لما أئتمنو عليه وسيرى الناس نهضة وصحوة أزهرية مباركة وخطابًا دينيًا متجددًا يسع المكان والزمان والإنسان خيرًا وبركة، حتى يرث الله الأرض ومن عليها، بل أدعو كل المؤسسات والوزرات أن يساندوا الأزهر الشريف بكل ما أوتوا من إمكانيات لينهض برسالته وليقم بدعوته خير قيام بدلا من مهاجمة علمائه من لا دين لهم.

لماذا تأخرت تلبية دعوة الرئيس السيسى فى تجديد الخطاب الديني؟

الأزهر فيه الآن حركة علمية دؤوبة على كل المستويات وصولا إلى الخطاب الدينى المطلوب والمرغوب والذى يواكب الزمان والمكان والإنسان موائمة تهيأ له القيام بكل المهام وعبادة الله الواحد القهار بلغة معبرة ومؤثرة تعيد للإنسان ثقته بالإسلام ودعوته العالمية الربانية وبأنه وحده القادر قيادة ركب الحضارة الإنسانية إلى سعادة الدنيا وفلاح الآخرة. ونعمل الآن على تجديد الخطاب الدينى بآلياته وبأسلوبه المعبر والمؤثر استجابة لأمر الله ورسول الله، ثم تلبية لمطالب الشعب.