الثلاثاء 23 ديسمبر 2025

تحقيقات

التنسيق المصري-التركي في 2025.. شراكة إقليمية تعيد رسم معادلات الاستقرار

  • 23-12-2025 | 15:29

الرئيس المصري ونظيره التركي

طباعة
  • محمود غانم

شهد عام 2025 تناميًا ملحوظًا في العلاقات المصرية–التركية، حيث تقاربت رؤى البلدين تجاه عدد من القضايا الإقليمية، واتسعت دائرة الاتصالات الدبلوماسية بينهما، في تأكيد متواصل على ضرورة تعزيز السلام والاستقرار في الشرق الأوسط.

ولا يُعزى هذا التنسيق فقط إلى رغبة القاهرة وأنقرة في تطوير العلاقات الثنائية، بقدر ما يعكس إدراكهما لدورهما كأكبر قوتين فاعلتين في المنطقة، وما يملكانه من مؤهلات تجعل حضورهما ضروريًا في معادلة حفظ الاستقرار الإقليمي.

وعلى الرغم من تزايد التعاون الاقتصادي والعسكري بين الجانبين، إلا أن ما يهم في هذا السياق هو تنامي التنسيق السياسي، وما نتج عنه من تقارب في المواقف، بما ينعكس على توازن القوى في الشرق الأوسط ودعم مسار الاستقرار في بيئة إقليمية شديدة التوتر.

ويأتي هذا التنامي في أعقاب قطيعة استمرت أكثر من عشرة أعوام بين القاهرة وأنقرة، قبل أن تُفتح الأبواب المغلقة بين البلدين في عام 2024، مع قيام رئيسي البلدين بزيارات تاريخية متبادلة أسفرت عن انطلاق مرحلة جديدة من التعاون متعدد الأبعاد، لا سيما على صعيد التنسيق السياسي.

وتواصل مصر وتركيا جهودهما لدفع العلاقات الثنائية نحو مستويات أوسع من التعاون، غير مكتفين بما تحقق حتى الآن، والذي وصفته وزارة الخارجية التركية بأنه في "أفضل مستوياته في التاريخ الحديث"، فيما أكدت وزارة الخارجية المصرية أن هذا الزخم يسهم في معالجة أزمات المنطقة.

واستنادًا إلى البيان المشترك الصادر في نوفمبر الماضي، وصلت مصر وتركيا إلى مستوى متقدم في التنسيق السياسي، ما يدل في الوقت ذاته على المستوى الرفيع الذي بلغتْه العلاقات الثنائية بين البلدين.

ففي البيان، أكدت مصر وتركيا توافق رؤاهما تجاه أبرز القضايا الإقليمية، مشددتين على ضرورة تعزيز الاستقرار والأمن في المنطقة، ومكافحة الإرهاب بكافة أشكاله، مع صون سيادة ووحدة الأراضي الوطنية للدول.

كما جدد الجانبان دعمهما لجهود المجتمع الدولي في إعادة الإعمار وتحسين ظروف المعيشة في غزة وسوريا، مع التأكيد على التخفيف من المعاناة الإنسانية للشعوب المتضررة.

وشددا على وحدة الأراضي الفلسطينية والسعي لتحقيق حل الدولتين على حدود 1967، مع دعم استقرار الصومال والسودان وليبيا وفق خارطة الطريق الدولية، بما يعكس التزامهما بالشرعية الدولية وحل النزاعات بالوسائل السلمية.

 

تحول نوعي

 

وفيما يتعلق بتنامي التنسيق السياسي المصري–التركي خلال عام 2025، أكد الدكتور محمد عبد الحميد الزهار، الباحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية، أن هذا التنسيق يعكس تحولًا نوعيًا في طبيعة العلاقات بين القاهرة وأنقرة، وانتقالها من مرحلة إدارة الخلافات إلى مرحلة بناء تفاهمات سياسية قائمة على المصالح المشتركة والتشاور المنتظم حول القضايا الإقليمية.

أما عن كيفية وصول البلدين إلى هذه الدرجة من التقارب بعد قطيعة استمرت نحو عشر سنوات، فأوضح الزهار، في حديثه لـ"دار الهلال"، أن ذلك جاء نتيجة تبني الطرفين نهجًا براغماتيًا واقعيًا يقوم على تغليب المصالح الاستراتيجية على الخلافات السابقة، إلى جانب الالتزام المتبادل باحترام سيادة الدول وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، فضلًا عن تأثير المتغيرات الإقليمية والدولية التي فرضت ضرورة إعادة ترتيب الأولويات.

وبشأن دور هذا التنسيق والتوافق في إحلال السلام بالمنطقة، شدد الزهار على أن التقارب المصري–التركي يمثل عنصر توازن إقليمي مهم من شأنه دعم مسارات الحلول السياسية للأزمات القائمة، خاصة في ملفات مثل ليبيا وأمن شرق المتوسط، وتقليص مساحات التوتر والاستقطاب بما يسهم في تعزيز فرص الاستقرار والسلام في الشرق الأوسط.

 

واقع فرضته التحديات

 

وفي الإطار نفسه، أكد الدكتور طارق البرديسي، خبير العلاقات الدولية، أن التنسيق السياسي بين مصر وتركيا في عام 2025 جاء نتيجة للتحديات الإقليمية الكبيرة والمستجدات المتلاحقة، حيث إن الصراعات الإقليمية، لا سيما ما يحصل من الجانب الإسرائيلي، فرضت ضرورة هذا التقارب بين القوتين الإقليميتين الكبيرتين.

وأضاف البرديسي، في حديثه لـ"دار الهلال"، أن التنسيق السياسي بين القاهرة وأنقرة أصبح أمرًا حتميًا لضمان الاستقرار الإقليمي، مؤكدًا أن العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين استمرت في ازدهارها حتى خلال سنوات الخلاف، وهو ما يعكس عمق الروابط التاريخية بين البلدين.

وأشار الدكتور البرديسي إلى أن التصريحات السابقة لوزارة الخارجية المصرية حول أهمية التنسيق المصري–التركي في إرساء السلام الإقليمي تأتي في محلها، موضحًا أن هذا التقارب لا يهدف فقط إلى حل النزاعات في مناطق مثل غزة وليبيا، بل يسهم أيضًا في إحباط أي أطماع توسعية محتملة على المستوى الإقليمي، ويعيد الحسابات لأي أطراف تفكر في مشاريع توسعية.

وأضاف أن التعاون بين البلدين امتد أيضًا إلى المجال العسكري من خلال تدريبات مشتركة، مما يعكس العمل على نزع فتيل الأزمات المستقبلية وقطع الطريق أمام أي محاولات توسعية تستهدف مصالح البلدين.

 

الدبلوماسية أداة لإدارة الأزمات

 

ومن جانبه، يضيف الدكتور محمد اليمني، خبير العلاقات الدولية، أن عام 2025 شهد تناميًا لافتًا في التنسيق السياسي بين مصر وتركيا، في ظل عودة العلاقات الثنائية إلى مسارها الطبيعي بعد سنوات من القطيعة، وهو ما انعكس بوضوح على طبيعة التباحث المشترك حول عدد من القضايا الإقليمية الشائكة، وفي مقدمتها ملفات غزة وليبيا وسوريا.

وأوضح اليمني، في حديثه لـ"دار الهلال"، أن الزيارات المتبادلة بين الرئيس عبد الفتاح السيسي ونظيره التركي رجب طيب أردوغان، منذ تطبيع العلاقات، أسهمت في إحداث قدر من التوازن والتقارب في الرؤى تجاه هذه الملفات، بما يخدم مساعي الاستقرار في منطقة تعاني توترات متراكمة.

وأشار خبير العلاقات الدولية إلى أن مصر تواصل أداء دور محوري في ملف قطاع غزة، باعتبارها وسيطًا رئيسيًا في جهود التهدئة ووقف إطلاق النار، إلى جانب تنسيقها المستمر مع الأطراف الدولية والإقليمية، وعلى رأسها الولايات المتحدة وقطر.

وأضاف أن الدور التركي برز بصورة أوضح خلال الفترة الأخيرة، سواء عبر المواقف السياسية الداعمة للقضية الفلسطينية أو من خلال المساعدات الإنسانية المقدمة للقطاع.

ولفت إلى أنه رغم التحفظات الإسرائيلية، لا سيما اعتراض رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على أي دور تركي في ترتيبات ما يُعرف بـ«قوة الاستقرار»، فإن القاهرة تواصل الضغط من أجل المضي قدمًا في المرحلة الثانية من التهدئة، بما يضمن تخفيف معاناة سكان غزة، مؤكدًا أن هذا المشهد يعكس وجود تقاطع مصري–تركي في دعم استقرار القطاع، وإن اختلفت أدوات التأثير لدى كل طرف.

وفيما يتعلق بالملف الليبي، أوضح الدكتور اليمني أن تطبيع العلاقات بين القاهرة وأنقرة خلق توقعات بحدوث انفراجة سريعة، إلا أن الواقع لا يزال معقدًا في ظل تداخل المصالح وتعدد مراكز النفوذ.

ورجّح أن تشهد المرحلة المقبلة، خاصة خلال العام القادم، إما تقدمًا ملموسًا نحو الاستقرار وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية، وهو ما يتطلع إليه الشعب الليبي، أو استمرار حالة الجمود السياسي القائمة.

وحول الوضع في سوريا، أكد اليمني أن تركيا تُعد لاعبًا رئيسيًا على الأرض، حيث إن لها دورًا محوريًا في التحولات التي شهدها المشهد السوري، كما تدعم السلطة القائمة هناك سياسيًا وأمنيًا، وهو ما يضعها في حالة توتر مع إسرائيل التي ترفض أي تمدد لنفوذ إقليمي منافس داخل الساحة السورية.

وأشار إلى أن تراجع أدوار بعض القوى، مثل إيران، لا يعني نهاية التعقيد، إذ لا تزال الولايات المتحدة وروسيا وتركيا أطرافًا فاعلة، ما يجعل التوصل إلى تسوية شاملة أمرًا بالغ الصعوبة في المدى القريب.

وأكد خبير العلاقات الدولية أن قنوات الاتصال المفتوحة بين القاهرة وأنقرة، إلى جانب شبكة العلاقات التي تربط البلدين بقوى دولية وإقليمية أخرى، أسهمت في إدارة الخلافات وتخفيف حدة التوتر في أكثر من ملف.

وأشار إلى أن المواقف التركية الأخيرة تجاه إسرائيل عكست تقاطعًا نسبيًا مع الموقف المصري الداعي إلى وقف التصعيد وحماية المدنيين.

وشدد اليمني على أن توحيد الرؤى بين مصر وتركيا، لا سيما في الملف الليبي، قد يفتح الباب أمام استقرار حقيقي في المنطقة، فيما يظل التنسيق بشأن سوريا وغزة عاملًا مهمًا للحد من الانزلاق نحو مزيد من الفوضى.

ورأى أن القطيعة المصرية–التركية في السابق ألقت بظلالها السلبية على عدد من ملفات الشرق الأوسط، بينما أسهمت عودة العلاقات في تفعيل الدبلوماسية كأداة رئيسية لإدارة الأزمات بدلًا من منطق الصدام، موضحًا أن السياسة تقوم على المصالح المتغيرة لا على الخصومات الدائمة.

وفي السياق نفسه، أضاف أن تنامي التعاون الاقتصادي بين البلدين، إلى جانب التفاهمات السياسية والأمنية، يجعل من التنسيق المصري–التركي عاملًا مؤثرًا في إعادة تشكيل التوازنات الإقليمية، خاصة في ملفات غزة وليبيا وسوريا وشرق المتوسط، بما يعزز فرص الاستقرار في المنطقة.

 

ما الدافع وراء هذا الزخم؟

وفي إجابة على ذلك، قال السفير رؤوف سعد، مساعد وزير الخارجية الأسبق، إن العلاقات المصرية–التركية تُعد من النماذج التاريخية التي تستحق الدراسة والتعمق، نظرًا لطبيعتها المركبة وامتدادها عبر سنوات طويلة، حيث إن هذه العلاقات تحكمها خلفية تاريخية عميقة وروابط وثيقة، بما ينفي وجود حواجز ثقافية حقيقية بين البلدين، بل يؤكد وجود تقدير متبادل، حتى على الصعيد الأكاديمي.

وأوضح رؤوف، في حديث لـ"دار الهلال"، أن طبيعة العلاقات بين مصر وتركيا تنطلق من كونهما جزءًا من إطار إقليمي معقد، لافتًا إلى أن تركيا تشترك مع غالبية الدول العربية في مكون ثقافي وديني مهم، يتمثل في أن الإسلام هو الدين الرسمي للدولة، وهو ما يعزز من فرص التفاهم والتقارب.

وأشار السفير رؤوف سعد إلى أن مصر وتركيا ترتبطان جغرافيًا وجيوسياسيًا بالخارج، لا سيما بأوروبا، وبشكل خاص بالاتحاد الأوروبي، موضحًا أن مصر ترتبط باتفاقية مشاركة مع الاتحاد الأوروبي باعتبارها إحدى دول شرق المتوسط، بينما تسعى تركيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، استنادًا إلى وجود جزء من أراضيها داخل القارة الأوروبية.

وأضاف أن العلاقة مع أوروبا، بغض النظر عن شكلها القانوني، تفرض على البلدين مصالح وتحديات مشتركة، خاصة في ظل ارتباطهما الجغرافي والجيوسياسي بإفريقيا.

وأكد أن البحر الأبيض المتوسط يمثل أحد أهم محاور الارتباط بين مصر وتركيا، إذ يمنح العلاقة طابعًا تبادليًا شاملًا، سواء فيما يتعلق بالتحديات أو الأزمات أو حتى فرص التعاون والإنجازات، معتبرًا أن هذا البعد يُعد أحد الركائز الأساسية التي تجمع بين الدولتين.

وتطرق مساعد وزير الخارجية الأسبق إلى أسباب التوتر التي شابت العلاقات خلال السنوات الماضية، موضحًا أن الخلافات السياسية تمحورت بالأساس حول كيفية التعامل مع التيارات الإسلامية المتطرفة، وأن استضافة تركيا لعناصر من جماعة الإخوان المسلمين شكّلت أزمة حقيقية بالنسبة لمصر، كان لا بد من التعامل معها بحزم، ولكن دون الانزلاق إلى صدام مباشر.

وأضاف أن الروابط الاقتصادية والتجارية بين القاهرة وأنقرة ظلت قوية ومهمة، بل ومتطورة، مشيرًا إلى أن هذه العلاقات لم تتأثر بشكل جوهري بتوتر العلاقات السياسية، وهو ما سمح باستمرار قدر من التعاون الروتيني الذي خدم مصالح البلدين.

وأكد السفير رؤوف سعد أن السياسة الخارجية المصرية، بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، اتسمت بقدر كبير من الصبر والحكمة، وكانت محكومة دائمًا بمعيار المصالح الوطنية المصرية، موضحًا أن الرئيس السيسي لم يأتِ فقط لإنقاذ الدولة، بل لإعادة بنائها وترسيخ مؤسساتها، وهو ما انعكس بوضوح على نهج السياسة الخارجية.

وأوضح أن المتابع لقرارات السياسة الخارجية المصرية يلحظ أن مصر كانت دائمًا هي الضابط والمعيار والهدف الأساسي، وأن الحفاظ على الدولة والبناء الداخلي كانا في صدارة الأولويات، وهو ما جنّب القاهرة الوقوع في ردود فعل انفعالية أو شعبوية أو صدامية.

وأشار إلى أن هذا النهج القائم على الحكمة العميقة وحسن إدارة التوازنات المختلفة أسهم في تهيئة المناخ لعودة العلاقات إلى مسارها الطبيعي، وصولًا إلى حالة من التصالح واستعادة التفاهم بين البلدين.

وفي هذا السياق، أكد أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يُعد سياسيًا محنكًا، وقد أدرك بعد سنوات من الحسابات والتجارب أنه يتعامل مع قيادة مصرية غير تقليدية، تتمتع بالصمود والقوة والقدرة، وفي الوقت ذاته تحرص على إبقاء الباب مفتوحًا أمام الحوار ومراجعة المواقف.

واعتبر السفير رؤوف سعد أن أزمة غزة شكّلت نقطة تحول فارقة، ليس فقط في نظرة تركيا، بل في إدراك المجتمع الدولي لدور مصر، حيث برزت القاهرة كقوة إقليمية قادرة على إدارة الأزمات بحكمة، تجمع بين الصلابة السياسية والصبر والذكاء الاستراتيجي، وتترك لأفعالها وقراراتها أن تتحدث عنها.

وخلص مساعد وزير الخارجية الأسبق إلى أن أنقرة أدركت في نهاية المطاف أن كلفة الصدام مع مصر أكبر بكثير من أي مكاسب محتملة، وأن العلاقات الإيجابية مع القاهرة، سياسيًا واقتصاديًا، سواء على المستوى الثنائي أو في إطار دعم جهود السلام والاستقرار في الشرق الأوسط، تمثل خيارًا استراتيجيًا لا غنى عنه.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة