الأحد 19 مايو 2024

في مئوية الزعيم ناصر.. كيف طوّع الفن سلاحًا تنمويًا «5- 5»

22-1-2018 | 00:45

رصدنا في حلقات أربع ماضية كيف ازدهى الفن مع ظهور الرئيس جمال عبد الناصر في ثورة يوليو، وكيف بدأ الفن رسالته في تنمية الجيش ودعم الثورة ومواكبة كل الأحداث السياسية في مصر، وأيضاً دور الرئيس جمال في تطويع الفن بشكل غير رسمي لخدمة البلاد وودعم الجيش، ونصل إلى ختام الحلقات بما نرصده اليوم وهي أحداث تلت آخر المواقف النبيلة للفن بعد أصبح كتائب معنوية ظهر نضالها في أحداث العدوان الثلاثي حتى انتصرت مصر .

ناصر يكرم  نجوم أسبوع التسليح
في عام 1956 لم يكافئ ناصر كتائب الفن على جهودها في دعم الجيش ورفع الروح المعنوية للشعب ، وقد رأى أن ذلك دور واجب على أبناء مصر وهم منهم ، حيث عبرت الأغاني عن جموع الشعب وحثته على النضال ، وقد ظهرت بسالة مدن القناة في الصدي للعدوان وعلى رأسهم المدينة الباسلة بورسعيد ، حتى رصدت السينما كفاح بورسعيد في فيلم بنفس الإسم عام 1957 .. لكن قبل هذا التاريخ في عام 1956 قام الرئيس جمال بتكريم نجوم الفن المشاركون في جمع الأموال للجيش من خلال أسبوع التسليح ، حيث أوفد مندوباً عنه وهو اللواء محمد إبراهيم رئيس هيئة أركان الجيش لمنح الفنانين ميداليات تذكارية وزعت عليهم في حفل شاي أقيم وحصلت تحية كاريوكا على المركز الثاني في حمع التبرعات بعد أم كلثوم ، ومن المكرمون صباح وشادية وإيمان وفاتن حمامة وعمر الشريف وحسين رياض ومحمد فوزي وشكوكو.

 

احتفالات الوحدة بين مصر وسوريا

مع بوادر الوحدة بين مصر وسوريا في مارس 1958 شدت أم كلثوم بأغيتين لتلك المناسبة ، وهما " يا ربى الفيحاء" و"بعد الصبر ما طال" وسارع عبد الوهاب بغناء أنشودة من نظم كامل الشناوي بعنوان " أغنية عربية" ومطلعها : كان وهماً وأماني وحلما ، وكانت أيضاً تصف فرحة الشعبين بوحدتهما ، وغنت فايدة كامل في تلك المناسبة أغنية "ع الوحدة ماشاء الله"، وأقيمت الإحتفالات في إقليم مصر وفي سوريا وأحياها نجوم الفن وقد أطلق على سوريا الإقليم الشمالي .. ومن أغاني الوحدة أيضاً غنى محمد عبد الوهاب " يا إلهي انتصرنا بقدرتك" و"الله ثالثنا" وعند عودة الرئيس جمال عبد الناصر من زيارته للإتحاد السوفيتي شدت أم كلثوم بأغنية "بطل السلام" .. وفي السينما ظهر فيلم "وطني وحبي" من تمثيل وإخراج حسين صدقي، وتحدث الفيلم عن المؤامرات التي تدبر للوحدة بين مصر وسوريا وتناول أيضاً قضية اللاجئين الفلسطينيين، وصورت أحداثه في غزة وسوريا.

الفن المصري يؤازر شعب العراق في ثورته
مع بداية انتفاضة الشعب العراقي في 14 يوليو 1958 بدأ الفن المصري في مؤازرة شعب العراق الشقيق في ثورته ، وقد بادرت أم كلثوم بأغنية "منصورة يا ثورة أحرار" من كلمات عبد الفتاح مصطفى وألحان السنباطي ثم أغنية "شعب العراق الحر ثار" وأغنية "بغداد يا قلعة الأسود"، وتلاها عبد الوهاب بأغنية " بطل الثورة" التي أشار في نهايتها بنجاح الثورة العراقية حيث قال : ونجاح الثورة الشعبية في الجمهورية العراقية نعمة م المولى وهدية لشعوب الأمة العربية ، إفدي حماكي يا بغداد واحنا معاكي يا بغداد .. وانت حبيبنا يا جمال .. وغنى عبد الغنى السيد في تلك المناسبة " بغداد يا بلد الرشيد" وغنت شادية "إنتقاضة العراق" وشدت فايدة كامل  بعدة أغنيات منها " على بغداد ودينا" والبركان العربي" وشارك العديد من نجوم الفن بأعمال فنية لنصرة الثورة العراقية .


عبد الوهاب وأم كلثوم يبشران ببناء السد
كما شارك الفن المصري في دعم مصر جيشاً وشعباً، اتجهت مؤازرته للدول العربية أيضاً سواءً لليمن في ثورته أو العراق في إنتفاضته أو الجزائر من أجل استقلاله .. ولم يتخل الفن عن دوره الرئيسي في مواكبة المناسبات التنموية في مصر، حيث ظهر التنسيق غير المعلن بين الرئيس جمال عبد الناصر وأم كلثوم ومحمد عبد الوهاب، فقد غنى عبد الوهاب أغنية "ساعة الجد" وتدور حول إقامة السد العالي وأيضاً حفل لأم كلثوم في 26 نوفمبر 1959 بقاعة الإحتفالات بجامعة القاهرة ، وبحضور الرئيس جمال، حيث غنت أم كلثوم قصيدة "قصة السد" في هذا الحفل، وهذا بالفعل ما يثير التعجب، فالرئيس جمال عبد الناصر لم يعلن ولم يضع حجر الإساس لبناء السد إلا في 9 يناير1960 ، وهذا يؤكد أن أم كلثوم وعبد الوهاب كانا الأقرب إلى دائرة صنع القرار، وقد علما بنية الرئيس في إنشاء السد فكانا أول المبشرين ببناء السد العالي.


نجوم الفن في أفراح السد العالي

في أسوان أعلن الرئيس جمال بداية العمل في بناء السد العالي يوم السبت 9 يناير 1960 وبعد أيام حضر إلى مصر ملك المغرب محمد الخامس ، واستعان الرئيس جمال بأم كلثوم لتحية ضيف مصر، من خلال حفل أقيم بنادي الضباط في 14 يناير 1960، ثم انطلقت قوافل نجوم الفن في مصر لتحيي حفل أضواء المدينة بأسوان عند السد العالي، في 17 يناير 1960 بحضور الرئيس جمال عبد الناصر، وقد غنى عبد الحليم حافظ "حكاية شعب" وغنت نجاة الصغيرة " ولد العم يا جمال" وغنت شادية وفريد الأطرش وصباح ومحمد عبد المطلب وهدى سلطان وغيرهم من نجوم الغناء ، وشارك نجوم التمثيل أيضاً بتقديم الفقرات مع مشاركة نجوم فرقة ساعة لقلبك وفرقة أحمد فؤاد حسن الموسيقية.

ومن الطريف أن سافر حليم وفريد الأطرش بطائرة حربية ، وسافر نجوم الفن بالقطار في رحلة استغرقت 18 ساعة ، حدثت فيها كثير من الطرائف في القطار، حيث شعر بعض نجوم الفن بالجوع فطلبوا من أحمد فؤاد حسن أن يبحث لهم عن طعام ، فطاف القطار ليجد لفة بجانب عبد الفتاح خيري ، وأخذها ليجد بها ما يشبع جوع زملائه ، وكانت تحوي بعض الحمام المشوي وساندويتشات الكبدة .. وفي العاشرة والربع بدأ الحفل ليصبح أروع ليلة في تاريخ أسوان، بما قدمه نجوم الفن من فقرات ، وما لا يعلمه الكثير أن الفنانة الكبيرة أمينة محمد استقلت مركباً من القاهرة لأسوان بعد أن اقترضت 17 جنيهاً من إبنة أختها أمينة رزق واصحبت إبنتها الصغيرة لتكون في خدمة عمال ومهندسي السد وتقدم لهم الوجبات الساخنة التي تطهوها بنفسها مع الشاي والقهوة بأسعار رمزية.

 

أوبريت الوطن الأكبر
في 17 يونيه 1960 تم بناء ديكور في استوديو مصر كي يتم تصوير أوبريت الوطن الأكبر الذي شارك فيه نجوم الفن في مصر لى رأسهم محمد عبد الوهاب وعبد الحليم حافظ وشادية وصباح ونجاة الصغيرة، ووظف المخرج عز الدين ذو الفقار الألوان لتناسب أحداث النشيد وصمم شادي عبد السلام الديكور الذي يرمز لبناء السد ووحدة مصر وسوريا، وبعد التصوير سافر المخرج ومعه عبد الحليم حافظ والمونتير ألبير نجيب إلى لندن لتحميض وطبع الإوبريت في 29 يونيه وتم تجهيزه وعرضه بالتليفزيون المصري.

 

باسم مين يا خارجين عن الشعب قمتم؟

انتهت الوحدة بين مصر وسوريا عقب انقلاب عسكري في سوريا في 28 سبتمبر 1961، وأعلنت سوريا انفصالها عن مصر بينما احتفظت مصر بإسم الجمهورية العربية المتحدة حتى عام 1970، وتلى أنفصال مصر عن سوريا خمس انقلابات عسكرية سورية في غضون عشرين شهراً ، وقد واكب الفن حدث الإنفصال حيث سجلت الإذاعة قرابة الـ 80 أغنية تعبر عن استياء مصر من حادث الانفصال.


وغنت أم كلثوم أغنية " باسم مين" من كلمات أحمد شفيق كامل وألحان السنباطي الذي استغرق ست ساعات في تلحينها بعد سماع خطاب الرئيس جمال عن أسباب الأنفصال، وكانت تلك الإغنية هي الأجراً حيث خاطبت من قام بالإنقلاب السوري قائلة : باسم مين يا خارجين ع الشعب قمتم .. باسم اسرائيل والاستعمار وباسم المأجورين .. ولا باسم الشعب والشعب البطل منكم برئ؟

 

أعياد الثورة ومناسبات أخرى
أقام نجوم الفن والغناء العديد من الحفلات في أعياد الثورة بحضور الرئيس جمال عبد الناصر ومنها حفل غنت فيه أم كلثوم " بالمحبة والأخوة" عام 1962 ، وغنت "على باب مصر في عيد الثورة 1964 وفي نفس العام غنت " ياصوت بلدنا" في احتفال الإذاعة بعيدها الثلاثين، وكان عبد الوهاب قد غنى "نشيد فلسطين" في حفل أضواء المدينة بالأسكندرية في ذكرى ميلاد إذاعة صوت العرب عام 1961، ولا ننسى رصد أوبريت "صوت الجماهير الذي شدى فيه عبد الوهاب ونجاة الصغيرة وشادية وفايدة كامل وعبد الحليم حافظ وفايزة أحمد عام 1963.


وبمناسبة تحويل مجرى النيل شدت أم كلثوم بأغنية " حولنا مجرى النيل" ومع إعادة أنتخاب الرئيس جمال غنت في مارس 1965 "يا سلام على الأمة" .. وفي 23 يوليو غنت " يا حبا الكبير" ، وفي عام 1966 غنت " الفجر الجديد" وقدم عبد الوهاب أغنية "ثورة الشباب" بمطلعها " كل أخي عربي أخي .. ومع نكبة عام 1967 عندما أعلن الرئيس جمال عبد الناصر تنحيه عن الحكم بادرت أم كلثوم لتواكب الحدث بأغنية " قم واسمعها من أعماقي" ثم أغنية "إنا فدائيون" ومطلعها : سقط النقاب عن الوجوه الغادرة، قم أغنية "حق بلادك".


وفي عام 1969 غنى محمد عبد الوهاب " أصبح عندي الآن بندقية" وذلك عند استعادة الجيش المصري قدراته وعملياته في حرب الإستنزاف وقد غنت أم كلثوم نفس الأغنية أيضاً ، ثم غنت قصيدة مصر" أجل إن ذا يوماً لمن يفتدي مصر".

رحيل ناصر
في 28 سبتمبر عام 1970 رحل الزعيم جمال عبد الناصر عن دنيانا ، وبعد ثلاثة أيام ومن أذاعة القاهرة .. بكت أم كلثوم ورثت الرئيس جمال عبد الناصر برسالة بعثتها إليه من خلال أغنية "عندي خطاب عاجل إليك" ، ليأفل نجم الطرب والغناء بعد هذا التاريخ ، وكأن الفنون ازدرهت مع ظهور ناصر وتوارى الإبداع من بعده .

قدمنا حلقات خمس رصدنا فيها جاهدين أبرز الأحداث الوطنية التي شارك فيها نجوم الفن، وربطنا بين ازدهار الفن بتشجيع الرئيس جمال، ومن المؤكد أن هناك بعض الأحداث والمناسبات لم يتم رصدها ، وسوف نلقي الضوء عليها في ذكراها لاحقاً ومنها حفلات المجهود الحربي داخل مصر وخارجها ببوابة الهلال اليوم .