تأتي الجولة الشرق أوسطية
الحالية لمايك بنس نائب الرئيس الأمريكي وسط شكوك عميقة لدى العرب عموما والفلسطينيين
بشكل خاص في دور الولايات المتحدة كوسيط حقيقي ومقبول في عملية السلام في الشرق الأوسط،
لاسيما في ضوء القرار الأخير للرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة
لإسرائيل وغيره من المواقف الأمريكية المنحازة بوضوح لإسرائيل.
ويعد " بنس"
أرفع مسؤول أمريكي يزور المنطقة عقب قرار ترامب الذي خلف موجة من الغضب الشعبي والرسمي
على الصعيدين العربي والإسلامي لم يهدأ غبارها حتى الآن.
وكان مقررًا أن يقوم نائب
الرئيس الأمريكي بجولته الحالية في منتصف شهر ديسمبر الماضي إلا أنها تأجلت إلى منتصف
الشهر الحالي بسبب موجة الغضب الواسع الذي خلفه قرار ترامب بشأن القدس حيث أعلنت العديد
من الأطراف آنذاك مقاطعتها لزيارته ورفضها لقاءه احتجاجًا على هذا القرار، وكان من
بين هذه الجهات شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب والبابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية
وبطريرك الكرازة المرقسية وأيضا الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي اعتبر أن الولايات
المتحدة لم تعد وسيطا مقبولا في العملية السياسية بين الفلسطينيين وإسرائيل.
وقد استهل " بنس
" جولته في المنطقة يوم السبت الماضي بزيارة قصيرة إلى مصر التقي خلالها الرئيس
عبدالفتاح السيسي ثم انتقل إلى الأردن حيث أجرى مباحثات مع العاهل الأردني الملك عبدالله
الثاني قبل أن يتوجه مساء أمس الأحد إلى إسرائيل وهي محطته الأخيرة ضمن هذه الجولة
التي تعد الأولى له منذ توليه مهام منصبه قبل نحو عام.
وقد تركزت مباحثات
"بنس" في القاهرة وعمان بشكل خاص على جهود حل القضية الفلسطينية وسبل التوصل
لتسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين والخلاف بشأن الموقف الأمريكي من وضع مدينة القدس
المحتلة.
وتهدف هذه الجولة كما يرى
مراقبون لتهدئة الشكوك المتزايدة حيال السياسة الأمريكية تجاه الصراع العربي الإسرائيلي
وطمأنة حلفاء الولايات المتحدة في العالم العربي بشأن مصداقية واشنطن وموقفها من القضايا
العربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية والتأكيد على الالتزام الأمريكي بدعم جهود عملية
السلام في المنطقة ولكن دون التراجع عن القرار الخاص بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل
والذي وصفه بنس نفسه بأنه "قرار تاريخي".
فقد أكد بنس عقب مباحثاته
مع الرئيس السيسي أن الولايات المتحدة تدعم حل الدولتين للفلسطينيين والإسرائيليين
وفق ما يتفق عليه الطرفان، قائلا : إن واشنطن ستظل ملتزمة بالحفاظ على الوضع الراهن
للأماكن المقدسة في القدس .
وكرر المسؤول الأمريكي
الموقف نفسه خلال مباحثاته في عمان مع العاهل الأردني، حيث قال : إن الرئيس ترامب صادق
في مساعيه لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بطريقة عادلة ونحن عازمون على إطلاق عملية
السلام، كما أننا لم نتخذ موقفاً حول الحدود والوضع النهائي، فهذه أمور خاضعة للمفاوضات".
ويرى مراقبون أن تصريحات
وتطمينات "بنس" التي حملها خلال جولته إلى الجانب العربي بشأن الموقف الأمريكي
من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، لم تفلح، على ما يبدو في جسر الفجوة في المواقف بين
الولايات المتحدة وحلفائها العرب، كما أنها أبقت الخلافات على حالها خصوصا بشأن وضع
مدينة القدس وما تشكله من رمزية كبرى في هذا الصراع بالنسبة للعالم العربي والإسلامي.
فلم تتضمن تصريحات بنس
أي تراجع عن القرار الأمريكي الخاص بالقدس والذي شكل انقلابا على ثوابت السياسة الأمريكية
على مدى عقود طويلة بشأن وضع المدينة باعتباره من الملفات التي تتم تسويتها عبر المفاوضات
النهائية بل على العكس من ذلك أكدت تصريحات نائب الرئيس الأمريكي تمسك واشنطن بهذا
القرار في حين حذّر العاهل الأردني من مخاطر أي قرار أمريكي في شأن القدس يأتي خارج
إطار تسوية شاملة للنزاع مشددا على أن القدس هي مفتاح السلام في المنطقة.
وفيما بدا إقرارا باستمرار
الخلاف بشأن الاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة لإسرائيل، قال بنس : "إنه والعاهل
الأردني اتفقا على ألا يتفقا".
وهذا الموقف إذا أضيف إلى
مواقف أمريكية أخرى من شأنه أن يعمق من الشكوك القائمة فعلا لدى الجانب الفلسطيني المعني
الأول بهذا القرار في جدوى المراهنة على الولايات المتحدة كوسيط نزيه في أية مفاوضات
سلام مع إسرائيل، فالقرار الأمريكي بشأن القدس رغم أنه كان الأخطر على مستقبل القضية
الفلسطينية إلا أنه لم يكن الموقف الوحيد المعادي للشعب الفلسطيني وحقوقه حيث سبقه
وتلاه العديد من الممارسات والخطوات التي اتخذتها الإدارة الأمريكية الحالية والتي
استهدفت ممارسة مزيد من الضغوط على السلطة الفلسطينية لصالح إسرائيل.
وكانت أولى هذه الخطوات
التلويح بإغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن ورفض الخارجية الأمريكية تجديد
التصريح الخاص بعمل المكتب في شهر نوفمبر الماضي، كما هددت واشنطن القيادة الفلسطينية
بأنها ستتخذ إجراءات عقابية أخرى ضد السلطة الفلسطينية ومن بينها وقف كافة المساعدات
المالية التي تقدمها للجانب الفلسطيني في حال لجأت إلى المحكمة الجنائية الدولية لمقاضاة
إسرائيل على نشاطها الاستيطاني في الضفة الغربية والقدس المحتلة.
آخر هذه القرارات الأمريكية
ضد الشعب الفلسطيني والذي جاء قبيل وصول بنس للمنطقة مباشرة كان قرار واشنطن بتجميد
مساعدات بقيمة 65 مليون دولار مخصصة لتمويل مشروعات وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل
اللاجئين الفلسطينيين(أونروا) الأمر الذي يهدد عمليات تأمين الغذاء والتعليم والعلاج
لآلاف اللاجئين الفلسطينيين.
وبينما يقاطع الفلسطينيون
نائب الرئيس الأمريكي خلال جولته الحالية، فقد استقبل بحفاوة لافتة من قبل المسؤولين
الإسرائيليين ووصفه رئيس الوزراء الإسرائيلي بأنه "صديق عظيم وحقيقي لدولة إسرائيل".
هذا السياق السياسي الذي
جاءت فيه جولة "بنس" وما رافقها من تصريحات ومواقف يعيد طرح السؤال مجددا
عن جدية الإدارة الأمريكية الراهنة في القيام بدور الوسيط المحايد في حل الصراع الفلسطيني
الإسرائيلي أو الرهان على قدرتها بالفعل على المساعدة في التوصل لتسوية عادلة لهذا
الصراع الذي سيبقى أحد أهم أسباب عدم الاستقرار والتوتر في المنطقة.