السبت 18 مايو 2024

عندما عارض«أنطونى إيدن» التقسيم

2-2-2018 | 01:34

سناء السعيد




كشفت إحدى الوثائق السرية لوزارة الخارجية البريطانية أن مشروع تقسيم فلسطين، الذى أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة فى ٢٩ من نوفمبر١٩٤٧ هو فى الأساس من تخطيط بريطانيا، وإن تظاهر البريطانيون بغير ذلك.. اتضح أن الحكومة البريطانية شكلت حتى قبل انتهاء الحرب العالمية الثانية لجنة وزارية لبحث قضية فلسطين، والتى أوصت بتقسيم البلاد إلى دولتين عربية ويهودية رغم معارضة “أنطونى إيدن” وزير خارجية بريطانيا وقتئذ.. وجاء فى الوثيقة أنه فى ٢٦ سبتمبر ١٩٤٤ عقدت هذهاللجنة اجتماعا برئاسة وزير الداخلية هربرت موريسون وعضوية كل من أنطونى إيدن وزير الخارجية، وإيمرى وزير الدولة لشؤون الهند وبورما.




وجاء فى الوثيقة البريطانية: لقد شرعت اللجنة فى الاستماع إلى وجهات نظر أعضائها فى إمكانية تقسيم فلسطين، ودرست مذكرة تلقتها من وزير الخارجية إيدن أطلق عليها» الدعوى ضد التقسيم».. وفيها بين أسباب رفضه حل قضية فلسطين على أساس التقسيم وقال: (إن التقرير، الذى وضعته اللجنة وأوصت فيه الحكومة بالموافقة على تقسيم فلسطين، قد أغفل ردود الفعل العربية المتوقعة، مما قد يلحق ضررًا بجهود الحلفاء الحربى، خاصة أن الحرب لم تنته بعد).. ويبدو أن إيدن كان يتوهم أن أمريكا ستساند العرب بسبب حاجتها لنفطهم، فقد قال: (إن أهمية المنطقة العربية بالنسبة للولايات المتحدة ستزداد كثيرا بعد الحرب، فأمريكا اليوم تمنعها قضية انتخابات الرئاسة من اتخاذ أية مبادرة تأييد للعرب، أما فى المستقبل فإن الأمر سيختلف.. فربما ساندتهم بواقع تطلعها إلى نفط المنطقة ومصالحها الكثيرة الأخرى فيها).. وأضاف (مما يدعم وجهة نظرى بخصوص عدم صلاحية مشروع تقسيم فلسطين أن مشروع سوريا الكبرى الذى اعتبر جزءا مكملا لخطة التقسيم، وهو المشروع الذى تبناه اللورد “موين”، قد فشل الآن.. ولذلك فإنى أشك بأن يكون التقسيم وسيلة مناسبة لحل قضية فلسطين بشكل نهائى).



وحذر إيدن فى مذكراته من أن اضطرابات وقلاقل ستقع فى المنطقة فى حالة إقرار مشروع التقسيم.. ولكنه استدرك قائلا: (وعلى أى حال ومهما كان الحل الذى سنتبناه، فإن من الضرورى حمل الولايات المتحدة على مساندة بريطانيا فيه).. وقد أيدت اللجنة فكرته الأخيرة هذه وتحدث “ايمرى” وزير الدولة لشؤون الهند وبورما فقال:( إننى أيضا أرى أن يأخذ الحل النهائى للمشكلة مصلحة العرب بعين الاعتبار، وأن معظم السفراء البريطانيين يفضلون عدم الأخذ بالتقسيم لما قد يسببه من قلاقل واضطرابات، ولكن على الرغم من كل العوامل المضادة التى لا يمكن التغاضى عنها، فأنا أعتقد أن العرب واليهود سينغمسون فى مشاكلهم المحلية إثر إعلان قرار التقسيم بحيث لن يجرؤ أى منهم على الانخراط فى حروب محلية).



وأشار إيمرى إلى إمكانية مطالبة اليهود بالتوسع لاستيعاب المهاجرين اليهود الجدد وقال:(على اليهود أنفسهم تحمل مسؤولية اتخاذ أى قرار نهائى إزاء سياسة الهجرة. ولكن الخطر الحقيقى فى نظرى هو احتمال تحول العرب واليهود إلى التطرف إذا لم نتوصل إلى قرار عاجل لحل المشكلة الفلسطينية، ولذلك أتطلع إلى قرار حاسم يشرع فى تنفيذه فور انتهاء الحرب).. وتبعه “أوليفر ستانلى» وزير المستعمرات فقال:(إن وجهة النظر التى طرحها وزير الخارجية تلتقى فى التنفيذ مع سياسة الكتاب الأبيض، ولم أكن لأتردد فى الأخذ بوجهة النظر هذه إذا ما ثبت لى بالدليل القاطع وجود حكومة ناجحة تنفذ هذه السياسة، ولكن الشعور السائد هو استحالة ذلك.. وهذا يقودنا إلى البحث عن سياسة بديلة كالتقسيم أو الحكم المشترك.. وأنا شخصيا أفضل تقسيم فلسطين اعتمادا على الأسباب الواردة فى تقرير اللجنة.. أما بالنسبة لما اقترحته الولايات المتحدة وهو فرض الوصاية الدائمة على فلسطين، فأنا لا أتوقع أن يكون ذلك مقبولا لدى العرب).



وبعد الاستماع إلى هذه الآراء عرضت اللجنة بعض النقاط للمناقشة على ضوء مشروع التقسيم وهى:



تأثير المشروع على يهود أوربا: عرضت وجهة نظر مؤداها أن إنشاء دولة يهودية فى فلسطين قد يكون عاملا على مزيد من الضغط على اليهود فى أوربا لحملهم على الهجرة، وهذا سيؤدى إلى تدفق المهاجرين اليهود بأعداد متزايدة على الدولة اليهودية، مما سيحمل هذه الدولة على التوسع.. ومن ناحية أخرى فإن إنشاء دولة يهودية فى فلسطين سيجعل اليهود مكروهين فى كل العالم العربى.



ردود الفعل المبدئية للمشروع: قال أوليفر ستانلى إن مستشاريه فى وزارة المستعمرات شعروا بأن التقسيم مفيد كحل لقضية فلسطين. بينما قال إيدن إنه يقدر فاعلية المناقشة، ولكنه لا يزال مقتنعا بوجهة نظره المعارضة للتقسيم.



ردود الفعل فى أمريكا: أعرب وزير الدولة لشؤون الهند وبورما عن اعتقاده بأن مشروع التقسيم سيلقى ترحيبا عاما فى الولايات المتحدة، ولا سيما المشروع الخاص بتدويل القدس، الذى سيصادف هوى فى نفوس المتدينين وعلى رأسهم الكاثوليك.



وبعد مزيد من المناقشة قال هربرت موريسون رئيس اللجنة: (إن التقسيم أهون الشرين وله فائدتان أساسيتان هما: أن بريطانيا ستفض يدها من مشكلة فلسطين، وسيعفى البرلمان البريطانى من البت فى المشكلة المتفرعة عنها، والخاصة بمعدل الهجرة اليهودية إلى فلسطين).....

    الاكثر قراءة