وقف عالم الآثار الألماني ديترتش رو، والابتسامة لم تفارق وجهه الذي لفحته الشمس بلونها الذهبي، يراقب عن كثب- والأتربة تغطي ملابسه- انتصاره العظيم بالكشف الأثري الجديد في منطقة المطرية.
حاول ديترتش رو، جاهدًا أن يحادث الجميع بكلمات مصرية تدل على طول معايشته لأهالي حي المطرية المزدحم شرقي القاهرة، قائلاً وهو يقف عند رأس الملك رمسيس الثاني، التي اكتشفها في باطن الأرض بمنطقة سوق الخميس في المطرية: "هنا خلق الكون". وبدأ في سرد تفاصيل عمله الأثري داخل المنطقة، معلنًا إيمانه كما آمن المصريون من قبله بقدسية تلك البقعة، قائلاً: "هنا عاش إله الشمس رع.. لذا كان كل حاكم وكل فرعون مؤمن يبني معبدًا هنا أولاً، يضع تمثالاً، أو مقصورة، لأن كل شيء يبدأ من هنا".
وقدم ديترتش رو، إلى مصر منذ أكثر من عشر سنوات، على رأس البعثة العلمية الألمانية ليعمل على اكتشاف بقايا مدينة "أون" هيليوبوليس القديمة.
"رو" يعتقد أن الملك لم يعش هنا، لكن إله الشمس عاش هنا، لذا فإن هيليوبوليس لم تكن مدينة ملكية أو مقرًا للحكم، لكنها كانت مدينة علمية مقدسة، وبالتالي يعتبر الاكتشافات التي أعلنت عنها البعثة ووزارة الآثار ذات أهمية غير مسبوقة، لأنها قدمت دلائل على أن المنطقة الأثرية قد تحوي مجموعة من المعابد ضعف حجم معابد الكرنك في الأقصر، وأن أجزاء منها تعرضت للتدمير خلال العصر الروماني – اليوناني، وتم نقل بعض أحجارها إلى الإسكندرية، وبعضها تم استخدامه في بناء القاهرة القديمة.
وأكد "رو" أن العمل مستمر للبحث عن بقايا التمثالين الملكيين، لاستكمال ترميمهما ليكونا في استقبال زوار المتحف المصري الكبير لدى افتتاحه في العام ٢٠١٨.
ومعلوم أن وزارة الآثار قد قامت بعملية انتشال تمثالين ملكيين من الأسرة الـ19، واللذان عثرت عليهما البعثة الأثرية المصرية الألمانية المشتركة العاملة بمنطقة سوق الخميس في المطرية، وقد تم العثور على التمثالين في أجزاء بمحيط بقايا معبد الملك رمسيس الثاني، الذي بناه في رحاب معابد الشمس بمدينة أون، وأن البعثة عثرت على الجزء العلوي من تمثال بالحجم الطبيعي للملك سيتي الثاني، مصنوع من الحجر الجيري، بطول حوالي 80 سم، ويتميز بجودة الملامح والتفاصيل، أما التمثال الثاني فمن المرجح أن يكون للملك رمسيس الثاني، وهو تمثال مكسور إلى أجزاء كبيرة الحجم من الكوارتزيت، ويبلغ طوله بالقاعدة حوالي ثمانية أمتار.
ومن قبل كانت البعثة المصرية الألمانية المشتركة العاملة بمنطقة آثار المطرية قد كشفت عن أجزاء من بعض الكتل الحجرية تخص إحدى المقاصير الأثرية للملك نختنبو الأول، من عصر الأسرة الثلاثين، وذلك أثناء أعمال الحفائر التي تجريها البعثة داخل المنطقة الخاصة بمعابد مدينة أون القديمة "عين شمس"، وكذلك الكشف عن أجزاء صغيرة من الحجر الجيري تخص عددًا من الأعمدة الأثرية القديمة بالمنطقة، بالإضافة إلى العثور على جزء من سقف يخص معبد الملك نختبو الأثري، تظهر فيه أشكال على هيئة نجوم، فضلاً عن جزء من تمثال للملك مرنبتاح، وأجزاء من جدران من الطوب اللبن يمثل السور الأثري الذي كان يحيط بمنطقة المعابد بمدينة أون قديمًا. والكتل الحجرية المكتشفة، التي تخص إحدى مقاصير الملك نختنبو الأول يتراوح أحجامها ما بين 75سم إلى 1.25 متر، وهي من البازلت ويظهر عليها نقوش تمثل أسماء أقاليم مصر آنذاك، كما تمثل بعض الأجزاء مناظر بالنحت الغائر تصور الإله حابي يحمل القرابين وخيرات النيل.