استعرض الدكتور عمر عبداللطيف عياش، نقيب أطباء لبنان «طرابلس»، أزمات القطاع الطبي في لبنان، والعراقيل الطبية التي يعاني منها الشمال وتأثير الأحداث الجارية في سوريا على القطاع الطبي في المناطق الحدودية.
وكشف الدكتور عمر عياش في حوار اختص به «الهلال اليوم» خلال زيارته الأخيرة للقاهرة، عن أسباب إنشاء نقابتين للأطباء في لبنان وفرصة تحقيق الاندماج على أرض الواقع، مع طرح رؤيته لتحسين أوضاع الأطباء المعيشية في طرابلس وسط الأزمات الاقتصادية المتردية.
وشدد على ضرورة إنشاء كلية للطب في شمال لبنان، الخالية من أي مؤسسات أكاديمية لتأهيل الأطباء منذ إعلان الاستقلال مما يؤثر سلبًا على وضع الطبيب هناك، ويسهم بنسبة كبيرة في هجرة الأطباء الأكاديميين بحثًا عن فرصة حقيقية وآمنة لهم، مؤكدًا أن المنظومة الصحية رغم الظروف الاقتصادية والأمنية، متطورة جدا ويتحكم فيها القطاع الخاص بنسبة 70%، ويتم إجراء أكبر العمليات في وقت قياسي جدا، لافتًا إلى أنه تم وضع خريطة لتحقيق الاستقلال للمستشفيات الحكومية من أجل تحقيق طفرة حقيقية بها، لافتًا إلى أن السياحة العلاجية والاستشفائية تستطيع إقامة اقتصاد قوي ولكن ذلك لن يكون بدون تحقيق الأمن والاستقرار.
وإلى نص الحوار...
في البداية، حدثنا عن كواليس إنشاء نقابتين للأطباء بلبنان؟
لبنان حصل على استقلاله عام 1943، وفي عام 1947 خرجت النقابتين بمرسوم من مجلس النواب المستقل بإنشاء نقابة في بيروت وأخرى في طرابلس باعتبارهم مدينتين أساسيتين بلبنان، فالقرار جاء إداريا مقسما بين بيروت وطرابلس بالمناطق المحيطة بها، من هذا المنطلق القانون ساوى بين النقابتين ولم يحدث هذا مع الأطباء فقط بل مع المحامين وأطباء الأسنان والمهندسين.
ماذا عن التعاون بين النقابتين؟
هناك تعاون دائم ومستمر بين النقابتين، ولكن باستقلالية تامة بينهما، ولكن برامجنا مشتركة ولجاننا ومؤتمراتنا أيضا مشتركة، ولجان التثقيف الطبي مستمرة ويجمعنا مجلس مشترك مسؤول عن علاقة تطوير اللجان.
هل هناك مبادرات أو اتفاقيات لدمج النقابتين؟
في الحقيقة الدمج يحتاج إلى قرار مجلس النواب، يستحدث القرار القديم، الذي صدر عام 1947، ولكن هناك طرح بشأن إنشاء اتحاد أكثر من فكرة الدمج، لأن ظروف الأطباء في منطقة طرابلس في الشمال قد تكون مختلفة، كون بيروت والمنطقة المحيطة منطقة مركزية من ناحية وجود كلية الطب والجامعات، أما المناطق البعيدة عن العاصمة فوضع الأطباء به خصوصية تتعلق بظروفهم المهنية الاقتصادية، ولكن نحن بحاجة ملحة إلى إنشاء اتحاد إدارة تنظيمًا توحد الجهود التنظيمية والإدارية دون أن يغير الصيغة الاستقلالية بين النقابتين.
لماذا دون المساس باستقلال النقابتين؟
في البلاد الأكبر من لبنان يكون أحيانا نقابة مركزية ولكن يكونوا مضطرين إلى إقامة فروع نشيطة في المحافظات البعيدة، فكذلك شمال لبنان يحتاج إلى نقابة ترعى ظروف أطبائه.
ما هي معوقات عملية الدمج؟
نحن نحتاج إلى قرار مجلس نواب، واقتراح قانون جديد، وهذا يتطلب وقتًا طويلا نحن بغنى عنه، لأننا نهدف إلى تحقيق التنمية المستدامة للمهن الطبية وتطويرها، لأن النقابة في لبنان ليست معنية بالأمور المطلبية للأطباء فقط بل يهمنا مهنة الطب وتطويرها ومراقبة أي خلل مع الحفاظ على كرامة الطبيب وعنفوانه.
ما هي أزمتكم الرئيسية في الشمال؟
الأزمة الرئيسية في الشمال، هي عدم وجود كلية طب تابعة لجامعة، حتى الجامعة الوطنية مراكز التدريب الطبية بها خارج الشمال، فكلية الطب تخفف عملية الوجود والبحث العلمي، فغياب الكلية يؤدي مع الوقت إلى هجرة الأطباء الأكاديميين إلى أماكن طموحاتهم التي تؤمنهم بشكل واضح.
إذ كيف يتم تدريب وتعليم الأطباء في طرابلس؟
طرابلس لا يوجد بها كلية طب مركزية، وتدريب الأطباء يتم بمستشفيات مجهزة جيدة انتهينا منها منذ 5 سنوات تقريبا، وعلى الطريق للانتهاء من تأسيس إحدى الجامعات لافتتاح كلية طب في طرابلس، لأن القانون بوزارة التعليم العالي لا يسمح بفتح كلية طب بمدينة ثانية في لبنان بل يحتاج الأمر لافتتاح جامعة كاملة، أما عن تعليم الأطباء فهناك في لبنان 7 جامعات بهم كليات طب، فضلا عن أن هناك أطباء تلقوا تعليمهم بكل بلاد العالم الطبية.
ماذا عن الأوضاع الاقتصادية للأطباء؟
منطقة الشمال مرت بظروف أمنية صعبة حتى بعد انتهاء الفترة العصيبة التي عاشتها لبنان في سبعينات القرن الماضي، والتي أثرت على الاستثمارات وتطوير المشافي وتراجع الخدمات الطبية، ولكن الاستقرار والهدوء يستتب بالشمال منذ خمسة سنوات.
فالمعارك الدائمة بمناطق الأحياء الشعبية في طرابلس استمرت لمدة طويلة بعد أن وصلت الأحداث السياسية إلى الشارع، وأثرت على مدى 10 سنوات على الاستقرار الأمني الذي أثر على كافة نواحي الحياة.
هل تعتمدون على السياحة العلاجية لتحسين الأوضاع الاقتصادية؟
السياحة العلاجية بلبنان متميزة كما هو الحال في مصر وعدة دول عربية، ونستطيع إقامة اقتصاد قوي وسياحة طبية استشفائية ولكن ذلك لن يكون بدون الأمن والاستقرار.
هل تأثرتم بالأحداث الجارية في سوريا؟
حقيقة تأثرنا كثيرًا بالأحداث في سوريا خاصة منطقة الشمال المحاذية للحدود السورية، وللأسف تمر دمشق بفترة صعبة، لأن المناطق الحدودية كانت تمثل لنا عنصر مهم إذ تأتي المرضى لتلقي العلاج بمستشفيات الشمال، ويعد ذلك عنصرا يتغذى عليه التطور الاستشفائي الاقتصادي، الذي حرمنا منه بعد الأحداث الأخيرة.
هل تأثر القطاع الطبي باستقالة سعد الحريري الأخيرة التي تراجع عنها؟
لبنان بلد صغير قائم على توازن معين ويعد هذا التوازن الحامي للبنان، بدعم الأشقاء العرب وطبقا للمنظومة الدولية، وعدم استقرار في إحدى السلطات الحاكمة والمنظمة، مثل مجلس الوزراء في لبنان هو الحاكم الفعلي وأي التباس في وجودة يؤثر في بلد مثل لبنان، ولكن الوحدة الوطنية الموجودة أحدثت تلاحم بين الجميع حتى يقفوا سدا منيعا أمام أي فتنة.
ماذا عن خطتكم لتطوير المجال الطبي في الشمال؟
تغطية النقص الطبي والأكاديمي الموجود بشمال لبنان مطمع ليس داخل لبنان فقط بل خارجه، ويأتي ذلك من خلال التعاون مع اتحاد الأطباء العرب الموجودين به منذ تأسيسه والنقابتين اللبنانيتين مؤسستان لاتحاد الأطباء العرب منذ عام 1962، ونبحث فرص التعاون الكبيرة بين الجانبين، لأن هناك ضرورة لثقل المهنة وسط التطور التكنولوجي فضلا عن البرامج الموجودة ومواكبة التخصصات غير الموجود قبل 15 عاما.
وهناك ضرورة ملحة لاعتماد أطباء مراقبة وتطويرهم حتى لا يكون موظفين وأخصائيين بل يكونوا محصنين بالعلم والمعرفة حتى لا نؤذي المرضى.
كيف يكون التعاون مع اتحاد الأطباء العرب؟
هناك فرصة حقيقية للتعاون المباشر عن طريق التواجد بمقر الاتحاد بالقاهرة أو عن طريق «التلي كونفرانس» وتبادل المعلومات بطرق حديثة، ما نستطيع تقديم مساعدات لزملائنا باتحاد الأطباء العرب.
ماذا عن الخدمة الطبية في لبنان؟
خدمة المستشفيات في لبنان قائمة على القطاع الخاص بخلاف الدول العربية، ومعظم المستشفيات التي تخدم أكتر من 70 % تتبع القطاع الخاص، فالخدمة جيدة جدا ففي أسبوعين تستطيع إجراء عملية قلب مفتوح ولا تنتظر ستة أو سبعة أشهر كما يحدث في الدول الأخرى.
ويوجد لدينا مشكلة أيضا في عدم القدرة على تلبية احتياجات المجتمع بسبب الأوضاع غير المستقرة التي تجعلنا في تحدي دائم مع تطوير منظومة الصحة في لبنان والنقابات الموجودة بالتركيبة الطبية الخاضعة لوزارة الصحة الوصية بالأشراف على النقابات.
هل يوجد خطة لتطوير المستشفيات الحكومية اللبنانية؟
نحاول مع النقابات والمستشفيات الموجودة بلبنان تطوير القطاع الصحي العام الحكومي الموجودة، والذي بدأ في التطوير منذ ستة سنوات، بعد أن منحت المستشفيات الحكومية الإدارة الذاتية التي ساعدت القطاع العام في الحصول على حقه كالقطاع الخاص، ويأتي ذلك ضمن خطة طموحة متوسطة المدى.