مائة عام تمر اليوم على مولد قيثارة الغناء الفنانة ليلى مراد، تلك الهبة
الإلهية والصوت الملائكي الذي أسعد العرب سنوات طويلة ومازال، حيث واكب مولدها في مثل
هذا اليوم من عام 1918 بداية النهضة في مصر في مجالات عديدة، وهذا ما يؤكده الكاتب
الصحفي أشرف غريب في كتابه "الوثائق الخاصة لـ ليلى مراد".
جاء ميلاد ليلى مراد في تلك الحقبة كالوردة التي تفتحت في ربيع مصر، فعلى
المستوى السياسي كان الإعداد لثورة 1919، واقتصادياً ظهرت نخبة على رأسهم طلعت حرب
لصنع كيان اقتصادي مصري، وعلى المستوى الفني كانت النهضة في حركتي المسرح والموسيقى
على يد الشيخ سلامة حجازي ومن بعده منيرة المهدية مع بزوغ نجم الشيخ سيد درويش الذي
حرر الموسيقى والأنغام من العثمانية إلى الشرقية.
أوجدت تلك التطورات المتسارعة المناخ المناسب والمساحة الكافية للمطرب
والملحن زكي مراد والد ليلى كي يبدع دون حساسية تجاه ديانته اليهودية، حيث تتلمذ على
يد سيد درويش وداود حسني وبدأ في إرساء التطور الذي أوجده أساتذته، ولم تخل شقته من
السهرات الموسيقية التي يدعم فيها المواهب الفنية، وكان ذلك المناخ الذي نشأت فيه ليلى
مراد، وقد تشبعت منه طيلة فترة الطفولة حتى الشباب.
بدأت ليلى مراد تجوب قرى ونجوع مصر مع والدها لإحياء الليالي والأفراح،
وقد ساعدها ذلك على نضوج صوتها إلى أن اكتشفها مدحت عاصم ومنحها فرصة للغناء في الإذاعة
عند افتتاحها عام 1934 وكانت قد بلغت السادسة عشرة من عمرها، وحققت لها الإذاعة قدر
كبير من الانتشار.
كانت النقلة الكبرى في حياة ليلى مراد عندما استعانت بها الفنانة بهيجة
حافظ للغناء في السينما،عندما أضافت شريط صوتي لفيلم "الضحايا"، وكانت قد
أنتجت الفيلم صامتاً مع بداية السينما عام 1932، وأعجبتها فكرة تحويل الفيلم إلى ناطق
أسوة بفيلم كشكش بك، وقد تعمدت بهيجة أن تتفوق فأضافت ثلاثة أغان للفيلم منها أغنية
لـ ليلى مراد وهي "يوم الصفا"وعرض الفيلم في 3 يناير 1935.
جاءت لـ ليلى مراد فرصة الظهور في السينما عندما رشحها الموسيقار محمد
عبد الوهاب صديق والدها لتشاركه بطولة فيلم "يحيا الحب"، وكان ذلك الفيلم
هو الثالث لعبد الوهاب، ووجدت ليلى أن مصيرها الفني سيكون مثل بطلتي عبد الوهاب السابقتين
وهما سميرة خلوصي ونجاة علي، حيث لم تظهرا في أي عمل فني بعد ذلك، مما أوجد الارتباك
عند ليلى طوال تصوير فيلم "يحيا الحب" .
لمس مخرج الفيلم محمد كريم في ليلى مراد الجمال الذي يقتله الخجل والقلق،
وهو ما يؤثر في قدرتها على التمثيل، ولولا مساعدة عبد الوهاب ودعمه لها ما تمكنت ليلى
من إتمام الفيلم، فقد رأت القسوة في المخرج محمد كريم الذي يصر على إعادة تصوير المشهد
الواحد تسع مرات متتالية، مما أفقدها توازنها وجعلها تصاب خمس مرات بالإغماء أثناء
تصوير المشاهد، لذا عزمت ليلى على عدم تكملة الفيلم لولا أن بادر عبد الوهاب وطيب خاطرها
عدة مرات.
وحقق الفيلم نجاحاً باهراً عندما عرض يوم 24 يناير 1938، وانطلقت بعد
هذا التاريخ لتقوم ببطولة 26 فيلماً ولتصبح أفلامها من روائع وكلاسيكيات السينما المصرية
ومنها "ليلة ممطرة" و"حبيب الروح" و"شاطئ الغرام" و"سيدة
القطار" و"بنت الأكابر" و"غزل البنات".