للنجمة هدي سلطان
هذه قصة لم يقرأها أحد ضمن ما كتب عني حتي اليوم وهأنذا أسردها اعترافا بفضل الرجل الذي ساعدني علي دخول عالم الفن.
كانت ليلة من ليالي رأس السنة وكنت قد جئت حديثا إلي القاهرة طامعة - وأعترف بهذا - في أن تتاح لي فرصة الغناء.. ذلك أني كنت قد اكتشفت موهبتي قبل ذلك بوقت، بل ومارست الغناء في مسقط رأسي طنطا، لكن علي نطاق ضيق يتمثل غالبا في الحفلات الخاصة.
جئت أسعي إلي أضواء القاهرة إذن ..ولكن يلاحقني وعيد الأسرة عن بكرتها وفي المقدمة شقيقي محمد فوزي.. أرجو ألا يغضبه هذا الكلام فهو لا يزال معروفا بغيرته الشديدة علي أختيه: أنا وهند علام.
دعتني صديقة إلي الحفلة التي تقيمها بالمناسبة المذكورة فلما ذهبت أخذتني إلي مخدعها وهناك وجدت ثوبا أسود رائعا طلبت منى ارتداءه وسألتها عن السبب فقالت إنها مفاجأة لطيبة أعدتها لي.. ولبست الثوب فتمت دهشتي حين وجدته يطابقني تمام المطابقة.. قالت لي أثر ذلك «انتظري ولا تلحقي بالمدعوين» وانتظرت قليلا ثم دعتني إلي مكان الاحتفال فلما نزلت إذا بالمفاجأة الثانية تتلقاني.. مجموعة من كبار الفنانين يتصدرهم فريد الأطرش.... ثم كانت المفاجأة الثالثة أن طلبت مني صديقتي الغناء!
أغني وأمام فريد الأطرش؟ لا .. لست مجنونة.. يفتح الله.. ولكن الصديقة مازالت بي تقنعني إنها فرصة العمر متي تماسكت ووقفت أمام الميكرفون واستطعت أن أغني!
غنيت كالمنومة تنويماً منغاطيسيا لم أدر ماذا قلت وماذا فعلت.. حتي أفقت علي التصفيق الحاد وحدقت في فريد فإذا بي أجده أشد الحاضرين تصفيقا..
وأخذتني صديقتي من يدي تقدمني إليه فهنأني بحرارة ثم سألني إن كنت استطيع مقابلته في مكتبه ... ليبحث معي أمر الغناء في فيلم من أفلامه!
صعقت لا أدري فرحا بهذا العرض الذي لم يخطر لي حتي في الأحلام .. أم خوفا مما سيفعله شقيقي تتلوه بقية أفراد الأسرة!
قلت إني لا استطيع أن أقطع بوعد وطلبت من فريد أن يمهلني وفهم فريد فأخذ من اليوم التالي يتصل بشقيقي فكان الذي توقعته وثار فوزي ثورة مضرية ورفض رفضا تاما أن يسمح لي بالغناء أو التمثيل أمام الكاميرا.
هذا الموقف ضايق فريد.. بل ضايق الكثيرين من أهل الفن ممن حضروا الحفلة لكن فريد استخدم بعد ذلك طريقة غريبة ليضطر فوزي إلي التنازل عن رأيه استخدم سلاح الرأي العام فألبه عليه فصار لا يصبح ولا يمسي إلا علي كلام المحيطين به عني ولعلها كانت النغمة الوحيدة التي ابتدعها فريد ليزلزل بها أعصاب إنسان لا ليسكره وينشه!
النهاية.. ذات يوم استدعاني فوزي وأعلنني برفع أحكامه العرفية وأخذ مني الشروط علي اشتغالي بالسينما ما أراد.
وتعاقدت علي أول فيلم لكن شاءت الظروف ألا يكون من أفلام فريد.. شاءت ظروفه هو نفسه أن يقطف غيره ثمرة جهده!
وأنا اليوم وفي كل مرة أري فيها الزميل الكبير فريد الأطرش أذكره بهذه القصة فيقول لي ضاحكاً: - مش قلت لك إننا حنكسب المعركة علشان السلاح اللي استعملته سلاح الدوشة والشوشرة ماينزلش الأرض-.
والذي لم أقله لفريد هو أن شقيقي محمد فوزي اليوم من أشد المتحمسين لصوتي وقد بلغ من إعجابه بي أنه أظهرني في فيلم من إنتاجه.. وإن كان قد أصر لسبب لا أعلمه علي ألا يظهر هو في هذا الفيلم ليه؟... لازم خايف من المنافسة.
العدد 162 - الكواكب 7 سبتمبر1954