الأحد 5 مايو 2024

كرم جبر: الثورة الرقمية قطار سوف يدهس الصحافة ويحذر: "الاختفاء" أو "الانزواء" هو المصير

تحقيقات9-3-2018 | 21:07

كدرويش في محرابه يعشقها .. يخشى عليها من تصاريف القدر .. يقرأ لها الطالع خوفا على مستقبلها .. يستهنضها بالإشارة إلى منافذ الخروج من أزمتها،  إنه حكيم الصحفيين إن جاز التعبير الكاتب الصحفي كرم جبر رئيس الهيئة الوطنية الذي يحذر الصحافة الورقية من أن تبقى تلعب دور حارس القبور على حد وصفه.


فقدغرد منذ قليل رئيس الهيئة الوطنية للصحافة على صفحته  بموقع التواصل الاجتماعي فيس بوك كاتبا مقالا عن الصراع الرقمي الذي نعيشه ومستقبل الصحافة الورقية وبلغ من فرط إدراكه صعوبة المعركة بين مؤسسات وكيانات الكترونية وصفها بالقطار الذي يدهس الصحافة.. لكن هل يكره رئيس الهيئة الوطنية الصحافة الرقمية أو يعاديها ؟ بالطبع لا لكنه يستصرخ القائمين على الورقية منها بأن انتبهوا ، طوروا أدواتكم، استخدموا أسلحتكم من الأافكار والإبداع لتكسروا الفجوة الزمنية الرهيبة بينكم وبين آليات تداول الخبر في زماننا.


وأضاف جبر في مقال أشبه بدقة عميقة على ناقوس خطر أنه سيأتي اليوم الذي ينقطع فيه الحبل السري بين الصحافة الورقية والدولة ودعمها وكأنه ينبه إلى ساعة الحقيقة ولحظة الواقع المؤلم الذي ستؤؤل إليه الصحافة الورقية إن لم تسارع وتقفز خطوات وراء خطوات حتى لا يكون المصير حينها "الانزواء" أو "الاختفاء على حد وصفه.


كلمات مؤلمة لكنها كلمات المحب المخلص ، كلمات حكيم يستشرف الخطر ويحذر منه فيخلص القول ويبرئ الذمة حتى ينتقل هذا الإحساس بالخطر إلى قواعد المهنة فتستشعره وتحوله إلى طاقة إبداعية تعجز القدرة الالكترونية الهائلة عن مجاراتها أو على الأقل يكون الفارق خطوة أو اثنتين لا سنين ضوئية.


..وإلى نص المقال: 



الثورة الرابعة أو "الرقمية" قطار بالغ السرعة، وإذا لم تنتبه له الصحافة من الآن، فلن تلحق به أو سوف يدهسها، فليس في استطاعة أحد أن يوقفه أو يهدأ من سرعته، وإذا ظلت الصحافة الورقية تلعب دور حارس القبور، على ما تظن أنه المستقبل، فلن يخرج مصيرها عن أحد أمرين.. إما الانزواء أو الاختفاء.


الثورة الرقمية "الرابعة" هي الأكثر سرعة من الثورات الثلاثة السابقة التي غيرت مجرى البشرية، فالأولى ثورة "الآلات"، استبدلت العضلات البشرية "العمال" بالأذرع الحديدية "الآلات"، ولكنها لم تمتد إلى العقول والمحتوى والأفكار.. والثورة الثانية "الكهرباء"، أنارت ظلمات الأماكن أكثر من محتويات الأفكار.. والثورة الثالثة "الحاسبات الإلكترونية"، فكانت مؤثرة في توسيع طاقات العقول البشرية في مختلف المجالات، حتى جاءت الرابعة "الرقمية" لتقتحم عقر دار المعرفة، التي هي أهم أذرع الصحافة، وتخطتها إلى إدارة المعرفة وتطبيق المعرفة.


ماذا سوف نفعل في المستقبل القريب جداً ؟ إنها الصحافة، الصناعة الضخمة التي تضم آلاف العاملين والأصول والمباني والمعدات والمطابع.. ولكن ليس في وسعها أن تتحمل لسنوات لن تطول نزيف الخسائر الذي لا يتوقف، وسوف ينقطع في يوم ما "الحبل السري" الذي ينقل لها عصارة الحياة من الدول والحكومات.. والأهم هو مواجهة آثار تهميش كثير من الفئات وخروجهم من سوق العمل، وتزايد المخاطر الأمنية نتيجة زيادة معدلات البطالة، وتقويض العلاقات الإنسانية أكثر مما نراه الآن.


لا أزعم أن تحت يدي روشتة جاهزة.. ولكن مجموعة من الأفكار والرؤى التي تحتاج نقاشاً واسعاً، يمزج بين الدراسات النظرية والخبرات العملية، قبل أن يدهمنا القطار، الذي يطلق صافرته الآن، وحتى لا يصبح الإنسان الذي يصنع الثورة عبداً لها، ويفعل مثل الذي يحضر العفريت ولا يعرف كيف يصرفه.


وما دام الإنسان هو سيد الثورة وصانعها، فتهيئته لتوابعها وآثارها ضرورة لا مفر منها، وفي حالة الصحافة الورقية التي تعنينا، فلن تنطلق طاقات الإبداع ولن ينفك أسر الخيال، إلا بالتدريب والتأهيل، ليس بطريقة ملء الفراغ، والحصول على شهادات ورقية لا تساوي قيمة الحبر الذي كتبت به، وإنما بالبرامج العلمية الجادة والمتخصصة، كيف يحدث ذلك ؟ "الشرح يطول".


الأمر الثاني: كيف يمكن للجريدة الورقية البائسة أن تنافس وسائط النشر الإلكترونية المذهلة؟.. الفيديوهات والصور المتحركة والألوان المذهلة وتويتر وفيس بوك والتفاعل بين السوشيال ميديا وزائريها والصحافة المسموعة وغيرها من التطورات المذهلة التي تفاجئنا كل يوم.. وهل يمكن أن تقتحم الجرائد مجالات الطباعة ثلاثية الأبعاد لإنقاذ ما يمكن إنقاذه؟ "الشرح يطول".


في صالح الصحافة الورقية طاقات الإبداع والخيال واللغة الجميلة والفكر الصالح، وكلها ملكات بشرية لا تمتلكها الآلات ولا الثورات الرقمية، وتحتاج تفعيلها إلى أقصى درجة، للاحتفاظ بميزة "إبداع العقول" وليس "هرولة" التنقل بين المواقع.. لكن كيف يحدث ذلك والأجيال الجديدة التي تستحوذ أكثر من نصف المجتمع، أصبحت لهم لغة خاصة مستوحاة من السوشيال ميديا والعولمة والثقافات الأجنبية؟


إننا في حاجة لأفكار وحلول إبداعية، من داخل الصندوق وليس خارجه، لأنني أشعر أن عبارة "خارج الصندوق" مقدمة لأفكار هزيلة، وأن نتفاءل بأن الثورة الرابعة يمكن أن تحمل فرصاً واعدة لتواكب التحدي الكبير، وأن نعلن حالة التأهب القصوى لقطار جامح لا نستطيع أن نوقفه أو نتحكم في سرعته.


في أوربا والدول المتقدمة يصنعون الثورات العلمية، ويدرسون كيفية التصدي لسلبياتها وآثارها.. وفي الشرق والدول الطيبة يستوردون الثورة الرقمية، لتوظيفها في الألعاب الإلكترونية وغرف الدردشة، ومن لا يهيئ نفسه للمستقبل، عليه أن يقتنع بالبكاء على أطلال الماضي.