تقرير: سارة حامد
مأساة إنسانية يعيشها الأقباط الأرثوذكس بقرية الشايب التابعة لمحافظة الأقصر، فهم لا يجدون مقابر لموتاهم بسبب رفض الكنيسة إصدار تصاريح بناء أخرى جديدة لإجبار الأهالى على التنازل عن مدافنهم القديمة، التى تقع فى وسط شوارع الدير، فيضطرون للدفن بالإيجار على مدى العام الماضى.
ويحكى عن الأزمة عم نبيل «حانوتى المقابر» قائلا: «المدفن شاغر، مفيش أماكن فاضية» جملة أضطر لترديدها للأسر التى تريد دفن أحد موتاها من مسيحى دير قرية الشايب، فيقومون بإجراء اتصالات بالأهل والأصدقاء والأقارب والمعارف لاستجداء مكان خاو فى مقابرهم لدفن المتوفى، ومنهم من يحالفه الحظ فيجد مكانا فى مقابر الصدقة بمدافن الدير، ومنهم من يضطره الوضع لدفن متوفاه فى مقابر الأقباط الأرثوذكس فى محافظة ومدينة الأقصر، التى تبعد حوالى ٧ كيلومترات عن مقابر الشايب.
وتضم مدافن الأقصر عددا محدودا من عائلات مسيحية تتمتع بمستوى اجتماعى مرتفع، وهو ما يصعب معه استقبال متوفين الأسر الفقيرة للدفن معهم أو إيجاد مكان خال بينهم، و»الكنيسة هى السبب» هكذا يقول «عم نبيل»، وتلك الأزمة ترجع إلى عام مضى حيث رفضت الكنيسة إصدار تصاريح بناء مقابر جديدة داخل دير الشايب المخصص لدفن المسيحيين فى محافظة الأقصر، وذلك لإقناع عدد من الأهالى التنازل عن مقابرهم القديمة الواقعة فى منتصف شوارع مقابر الدير واستبدالها بـ ٤٤ مدفنا جديدا فى ذات المنطقة، إلا أن الأهالى رفضوا ذلك الاقتراح المقدم من الأنبا سلوانس أسقف دير الشايب.
المقابر القديمة تحوى رفات أبائهم وأجدادهم وذويهم وهو ما لا يمكن التفريط فيه، وهدمه واستبداله بالمدافن الجديد، فما كان من أسقف الدير إلا تجميد المقابر الجديدة، ورفض بيعهم لمواطنين أقباط أو استخراج تصاريح بناء للمقابر إلا بعد موافقة أولئك.
«الأزمات تخلق حلولا وإن كانت مؤقتة»، هذا ما يراه «عم نبيل» الذى طرأت عليه فكرة «الدفن بالقطعة فى مدفن بالإيجار» يمتلكه هو واثنان من أصدقائه، والتى لاقت قبولا لدى أهالى المتوفين الذين سيقبلون أى حلول مقابل الإسراع فى تكفيل ذويهم.
مدفن من طابقين يمتلكه عم نبيل الحانوتى ورفاقه، يتحدث عنه: «بنيناه فى أيام الرخص بـ٢٠٠٠ جنيه، وحين حدثت الأزمة قبل عام، قررنا أن نستغله مقابل الحصول على ١٠٠ أو ٢٠٠ ج ثمن كل تغسيل ودفن المتوفى داخل القبر لكن بشرط ألا يكتب اسم المتوفى على لوحة خارج المقبرة حتى لا يطالبنا الأهالى بحقهم فى المدفن فى السنوات القادمة».
٨ أشخاص عدد الذين قام «عم نبيل» بدفنهم بالقطعة فى مقبرته بالإيجار، كان آخرهم سائحة ألمانية توفت فى مصر فى يونيو الماضى، فلم تجد صديقتها مكانًا لدفنها فيه إلا «مقابر عم نبيل»، الذى وافق على دفنها مقابل الحصول على ٩٠٠ جنيه موزعة بينه وبين صديقيه، إلا أن بعد شهور من دفنها فوجئ الحانوتى بطلبها لتدوين اسم صديقتها على لوحة بالخارج، وهو ما يعارض المبدأ الذى سار عليه الرجل منذ أن بدأ فكرته.
يقول «ألحت السيدة الألمانية كثيرا فى هذا الطلب، وأشركت العديد من الوسطاء لتنفيذ طلبها، فرضخت لتنفيذه مقابل كتابة إقرار باللغتين الإنجليزية والألمانية بعدم أحقيتها فى ملكية القبر وأنه مجرد قبر للإيجار».
لوحة تحمل اسم صديقتها المدفونة بالقبر وتاريخ وفاتها، ففرحت السيدة الألمانية بذلك مرددة: إنها تحب مصر كثيرًا، لم تكن تلك الفكرة وليدة اللحظة أو بهدف تحصيل المال بحسب «عم نبيل»، الذى يقول باكيا: «منذ ثلاثة أعوام توفيت زوجتى بمرض الأورام وضمور فى المخ، ولم أستطع إنقاذها، ولم تنقطع يوما عن خدمة الكنيسة والصلاة الدائمة داخلها، وكانت قريبة من ربها، فلم أجد شيئا أقدمه لها سوى أن أدفن المحتاجين وغير القادرين فى الطابق العلوى بذات المقبرة، التى دفنت فيها زوجتى، سواء مقابل أموال زهيدة أو دون مقابل».
يقول عم نبيل متأثرًا ،»جاءنى منذ أيام رجل يبكى بحثا عن مدفن يسع أمه، فأجريت اتصالات عديد لأوفر لها مكانا فى أى مقبرة إلا أنى لم أجد فأخبرته أنه يترك الجثمان لسيدنا الأنبا سلوانس بعد الصلاة عليها فى الكنيسة ليعلم حجم الأزمة، ويبدأ فى بيع الـ٤٤ مقبرة الجديدة الخالية من الموتى للأهالى المحتاجين لها، والتى اضطرنا لإزالة باب القبر الخارجى ليسع مكانه جثمان أو اثنين لحين حل الأزمة، التى يمكن تخفيفها بتوفير مدفن واحد يسع مابين ١٦ إلى ٢٠ صندوقا».
«المقابر لها نظام يحكم الدفن بها» بتلك الكلمات يجيب الأنبا سلوانس، رئيس دير الشايب، على أزمة مقابر الشايب التى باتت بلا أماكن خالية لدفن الموتى، مؤكدا أن المقابر إذا تركت بلا رقيب عليها سيشرع كل من رغب فى البناء أو التوسيع فى مدافنه، وستتحول إلى غابة بلا رقيب بوصفه أن «الناس بطبعها طماعة» لذا كان ينبغى أن تُتخذ نقطة نظام لإعادة هيكلة مقابر الشايب المواجهة لدير الأنبا باخوميوس «الشايب»، التى اعتبرها نيافته خارج سيطرته، وألقى تبعيتها على الأنبا يوساب، أسقف عام الأقصر، متمنيا أن تنسب له فى القريب العاجل.