تقرير: إيمان النجار
منذ ٥٠ يوما تقريبًا، اتخذت حكومة المهندس شريف إسماعيل قرارا برفع أسعار الدواء، وبررت الأمر وقتها، بأن القرار لا يتعدى كونه خطوة أخيرة كان من الواجب اتخاذها فى طريق القضاء على أزمة «نواقص الأدوية»، غير أن نظرة متأنية للقطاع الدوائى فى مصر، تكشف - بما لا يدع مجالا للشك- أن الأزمة لا تزال مستمرة، وهو أمر أكدته الأرقام التى رصدت بدورها أن الأصناف التى توفرت منذ صدور القرار لم تتعد ٣٥ صنفا، وفى المقابل دخلت أصناف أخرى دائرة النواقص.
نواقص الأدوية طالت مختلف الأصناف ،لكنها ازدادت فى أصناف بعينها وفى مقدمتها حقن الـ»أنتى ار اتش «، التى تعطى لبعض السيدات بعد الولادة لحماية الجنين التالى لأسباب طبية تتعلق بفصيلة دم الأم و الأب ، وهناك أيضا حقن «هيومن ألبومين « لمرضى الكبد.
وبجانب الأدوية السابقة، فقد لحقت «لعنة النواقص» بأدوية الأورام، حيث شهدت الفترة الماضية صعوبة توفير الأدوية منها هولكسان حقن،هيرسبتين وأفستين وفارماروبسين، ولمرضى القلب معاناة أخرى فى الوصول إلى أسبرين ١٠٠، ولا تزال حبوب منع الحمل تشكل صعوبة بالنسبة للسيدات منها جنيرا وميكرولت وياسمين، وأدوية لمرضى الروماتويد، وفاكتور ٨ و٩ لمرضى الهيموفيليا – النزيف المتكرر- وعدم توفره يعرض المرضى للمضاعفات والوفاة، أيضا أورسوفالك شراب للأطفال الذين يعانون من مشاكل فى الكبد وليس له بديل، وكذلك بعض أدوية التخدير لتلجأ بعض المستشفيات فى الحالات البسيطة للتخدير الكلى للطفل رغم خطورة ذلك، هذه مجرد أمثلة لمسلسل النواقص المستمر.
من جهتها كشفت مصادر بإدارة الصيدلة بوزارة الصحة أن النواقص تقل بنسبة بسيطة على غير المتوقع، مرجعة السبب فى ذلك إلى التخبط الذى حدث خلال الشهر الأول بعد صدور القرار حيث صدر قرار بعدم السماح بطمس - الشطب أو الكشط - للسعر القديم ثم صدر قرار بالسماح به،ثم تم التراجع فى القرار بعد الطمس، وهو ما دفع عدد من الشركات لإيقاف الإنتاج لحين الوصول لقرار نهائى، خاصة أن شركات محدودة لديها ماكينات طبع السعر والتشغيلة أثناء الإنتاج. وبالتالى ليس لديها مشكلة توافر العبوات، فى حين أن غالبية الشركات لديها مخزون عبوات مطبوع عليها الشعر القديم، وتلك الشركات أصبحت أمام أمرين إما طرح ما انتجته خلال الشهرين الماضيين بالسعر القديم، وهذا ما ستفعله بعض الشركات أو الانتظار لحين طبع عبوات جديدة، كل هذه الأمور لعبت دورا فى تأخر طرح الأدوية فى الأسواق، وفى المقابل بدأت حركة بين الشركات فى الاستيراد وبدأنا نرصد دخول شحنات للأدوية مثل «أنتى أر أتش «والألبومين البشرى وبعض أدوية التخدير التى يتحسن وضعها نسبيا.
فى ذات السياق، قال د. كريم كرم، المتحدث الرسمى للشركة المصرية لتجارة الأدوية: قرار رفع أسعار الأدوية الذى شمل نحو ٣٠١٠ أصناف كان هدفه توفير نواقص الأدوية، ومع ذلك حتى الآن ما توفر لا يتعدى ٣٥ صنفا، وهذا تحرك بطىء ورد الفعل ليس قدر حجم وخطورة المشكلة، فنواقص الأدوية تشكل أزمة لمرضى الأورام والكبد والروماتويد والقلب والتخدير والهيموفيليا وأدوية مشتقات الدم وحبوب منع الحمل، أيضا المحاليل لم تنته أزمتها لكنها تتفاوت من مكان لآخر، ومعاناة المرضى ليس لها علاقة بأسباب التأخير فالمريض ما يريده هو توافر الدواء وهذا حقه، فعلى سبيل المثال بالنسبة للشركات المحلية التى تريد طبع عبوات جديدة كأحد أسباب التأخير عندما تطلب من شركات الطباعة وعددهم أربع فقط. لديهم طلبات طباعة حتى مايو المقبل، وهذه مشكلة تواجه الشركات المحلية أو أن تطرح المنتجات بالسعر القديم، واستمرار أزمة النواقص بالتأكيد يصاحبه سوق سوداء ويظهر الصنف بأسعار مضاعفة ،فحقنة «أنتى أر أتش « وسعرها ٧٢٠ جنيها تعدى سعرها فى السوق السوداء١٥٠٠ جنيه وأحيانا ٢٠٠٠ جنيه، ونفس الوضع لحقن الألبومين وحقن فيتامين ،وقبلها كانت المحاليل».
«د.كريم»، أكمل بقوله: لحين انفراج الأزمة لابد من تعامل الأطباء بالاسم العلمى أو ثقافة البديل، ولابد من تكثيف الرقابة والتفتيش من المنبع من الشركات المنتجة، ثم التوزيع، ثم الصيدليات ،والبدء فى تطوير الشركات الحكومية وعددها ١١ شركة والاستفادة منه بحيث إن فى حال توقف شركة عن إنتاج صنف معين بحجة خسارتها، يتم التواصل مع الشركة الموردة والحصول على توكيل تصنيع المنتج فى الشركات القابضة وتكلفة توفير خط إنتاج لصنف معين ستكون أقل بكثير من تكلفة الاستيراد ومن أزمة عدم توفره «.
فى حين قال د. أسامة رستم، نائب رئيس غرفة صناعة الأدوية باتحاد الصناعات: مضى أكثر من شهر ونصف على قرار رفع أسعار الأدوية وبدأت بعض الأدوية تطرح فى الصيدليات منها أدوية محلية وأخرى مستوردة، وهذا لا يعنى عدم وجود أزمة، فالأزمة لا تزال موجودة، لكن ما حدث أن بعض الشركات التى كان لديها أرصدة خامات استطاعت الإنتاج وخلال عشرة أو ١٥ يوما طرحت منتجها فى السوق، لكن الشركات التى لم يكن لديها خامات وتحتاج الاستيراد فهذا يتوقف على طرق الشحن وفترة الشحن التى تستغرق من شهر ونصف إلى شهرين والشركة الموردة، وهل لديها مخزون أم سوف تنتج؟..فيوجد موردون يتم حجز الطلبيات قبلها بعام وهنا فى حالة عدم الحجز وهذا ما يحدث مع بعض الشركات يعتمدون على ردود المورد فيما يتعلق بتوفير الطلبية وفى أى فترة ،وهذا بالتأكيد سيكون له تأثير سلبى بتأخر توافر الأدوية فى السوق.
«د.أسامة»، واصل حديثه قائلا: نتوقع بنهاية مارس المقبل انفراج الأزمة، فلو أن بعض الشركات بعد تحريك السعر فى أول يناير بدأت تطلب الخامات أو تضع طلبيات للأدوية المستوردة فالمسألة تستغرق من شهرين إلى شهرين ونصف لذا نتوقع انفراجة كاملة لموضوع النواقص بما فيها مشتقات الدم التى تسبب مشكلة أكبر لأنها ليس لها بدائل مثل «أنتى أر أتش» والألبومين، الأمر يختلف من صنف لآخر حسب الشركة الموردة لها هل لديها مخزون سوف تورد منها أم من الإنتاج الجديد لها، وهذا ينعكس على تأخر ظهور الدواء فى السوق المصري، وهذا السبب هو المتعلق بالنسبة للأدوية المستوردة، وبالنسبة للأدوية المستوردة الوزارة سمحت بالطمس حتى ١٠ مارس المقبل، وبالنسبة للأدوية المحلية بعض الشركات موضوع توفير مواد تعبئة جديدة سوف يؤخر طرح أدويتها، وهذا السبب يختلف من شركة لأخرى فبعض الشركات لديها مخزون عال، ومن الممكن أن شركات الطباعة لا تستطيع تلبية كل هذه الطلبات ولكنها سوف تفرق أيام، ونحاول كغرفة تشجيع الشركات على توفير نواقص الأدوية من خلال تسهيل وتسريع الإجراءات، فمثلا لو دواء مستورد عن طريق البحر يتم بالطائرة وغيرها من الإجراءات وإعطاء أولوية أكبر للأدوية الحرجة حتى يشعر المواطن بانفراج الأزمة، وهذا ما كنا نطالب به بالتحرك والحل قبل حدوث الأزمة فكلما كان التعامل أسرع كلما كان تأثيره أفضل فى تجنب الأزمة .