الأربعاء 15 مايو 2024

في ذكرى ميلاده .. أسرار رحلة محمد عبد الوهاب إلى بغداد

13-3-2017 | 19:55

تحلُّ، اليوم الاثنين 13 مارس، ذكرى ميلاد عبقري الطرب موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب، صاحب الفضل الأكبر في تطوير الغناء العربي بعد أستاذه سيد درويش.

وفي ذكرى ميلاده ننشر عدة مقالات بها جوانب تسعد جمهور الطرب الأصيل ومحبي فن موسيقار الأجيال.. ونستعرض في أول مقال رحلة محمد عبد الوهاب الوحيدة إلى العراق بعد أن سبقته أم كلثوم وحققت نجاحًا كبيرًا في زيارتها للعراق.

تلقى محمد عبد الوهاب دعوة من دائرة التشريفات بالقصر الملكي العراقي عام 1932 لزيارة العراق لإحياء حفلات ببغداد لمدة شهر كامل، وقد نصحه صديقه أمير الشعراء أحمد شوقي بألا يذهب خوفًا عليه من مشاق الطريق حيث كانت الرحلة عن طريق البر، وأن حالة عبد الوهاب الصحية لا تتحمل مشاق الرحلة، ولكنه أصرَّ على تلبية الدعوة آملاً في تحقيق نجاح عربي مثل أم كلثوم، وعند إصراره ألَّف له أمير الشعراء قصيدة خاصة به وقد غناها عبد الوهاب وهي "يا شراعًا وراء دجلة".

 

وصل عبد الوهاب إلى بغداد حيث المسرح الذي أقيم له خصيصًا في حديقة المعرض الزراعي الصناعي، وأنشد عبد الوهاب في ليلة الافتتاح قصيدة أمير الشعراء بحضور ملك العراق فيصل الأول، ولاقت حفلاته إقبالاً شديدًا من جمهور العراق.. وحرص عبد الوهاب في أيام رحلته على أن يلتقي بمطربي العراق ليتبادل معهم المقامات الموسيقية ويعرف المزيد من فنون الطرب العراقي والخليجي، والتقى عبد الوهاب مع الفنان صالح الكويتي البارع في عزف الكمان مع تلحين الأغاني العراقية والكويتية، وامتدت سهراتهم طوال أيام تواجد عبد الوهاب في العراق، وأخذ عبد الوهاب من صالح "مقام اللامي" ليستخدمه في ألحانه، وأخذ صالح من عبد الوهاب "مقام الزنجران" الذي لم يكن معروفًا في العراق ليستخدمه صالح في ألحانه فيما بعد، وتعرف عبد الوهاب على فنون الموسيقى والطرب الكويتي من صالح لأنه نشأ وبدأ رحلته الفنية في الكويت.

وفي ختام حفلاته قرر عبد الوهاب أن يمضي أسبوعًا لزيادة إطلاعه على الإنتاج الموسيقى العراقي وقد دُعي إلى القصر الملكي؛ لإحياء حفل خاص بحضور ملك العراق فيصل الأول والعائلة المالكة وكبار رجال الدولة.. وبعد أن أدى عبد الوهاب وصلته الأولى صافح الملك الذي أثنى على صوته وأشاد بفنه، وجلس عبد الوهاب وإذا بشاب يتوجه إليه لتحيته والحديث معه، ورحب الشاب بعبد الوهاب وقال له: "أسعدتنا الليلة أستاذ عبد الوهاب، نتمنى أن تمتد إقامتكم في بغداد وأن تسعدنا بحفلات أخرى".. ورد عليه عبد الوهاب بأنه اختتم حفلاته بالأمس، لكن الأصدقاء العراقيين أغروه بقضاء أسبوعًا آخر، رغم حرارة الجو عندهم.. وحاول عبد الوهاب التعرف على شخصية الشاب، لكنه لم يستجب وقد بادره بسؤال: لكنك يا أستاذ لم تقل لي كيف وجدت بغداد؟ .. فقال عبد الوهاب له: والله مادمت سألتني فسأجيب عليك بصراحة، بغداد جميلة وبها خيرات كثيرة وأهلها ناس طيبون، ولكن لا أفهم هنا لماذا يوجد بعض الأشخاص الأنانيون الذين يتركون الشوارع مكسرة، وبدلاً من استغلال مياه دجلة الحلوة في غرس الأشجار لتقلل حرارة الجو وتقاوم الرياح يهتمون فقط بأنفسهم ببناء القصور والترف.. بذمتك مش ده حرام، بالذمة مش إنت معايا؟ بصراحة تصرفاتهم زفت بزفت.. سكت الشاب وقبل أن يرد جاءه صوت أحد رجال القصر قائلاً: مولاي الأمير، جلالة الملك يريدكم.. اندهش عبد الوهاب وقد انصرف الشاب فأمسك عبد الوهاب بيد رجل القصر وسأله عن الشاب الذي كان يحدثه، فقال له الرجل: إنه مولاي ولي العهد.. فقال عبد الوهاب: يا نهار أسود!

شعر عبد الوهاب بأنه أخطأ وقد حكى لرجل القصر ما حدث، فنصحه الرجل بسرعة المغادرة في نفس الليلة، وجهز لعبد الوهاب سيارة تقله هو وفرقته الموسيقية إلى سوريا رغم خطورة السفر ليلاً بدون حراسة، وقد عانى عبد الوهاب في رحلته إلى سوريا بعدما حدث.. وفي إحدى المقابلات التليفزيونية مع موسيقار الأجيال سُئل عن رحلته إلى بغداد، وقال إنها كانت رحلة غريبة، وفي قصة حياته الإذاعية قال عبد الوهاب بنفسه إنه سعد بكل مطب وقع فيه حتى يشعر بقيمة النجاح فيما بعد.