دعوة أطلقها الرئيس السيسى قبل الانتخابات الرئاسية باندماج الأحزاب السياسية.. والمتأمل فى هذه الدعوة يجد أنها تتعلق بجودة الممارسة السياسية ودعم المنافسة على السلطة من خلال أحزاب قوية وفاعلة طبقاً للمادة الخامسة من الدستور التى تنص على التعددية الحزبية وتبادل السلطة. دعوة الرئيس أو إشارته باندماج ١٠٤ حزب تلقفتها قادة الأحزاب والائتلافات وتجرى مشاورات بشأنها الآن استعداداً لانتخابات المحليات والبرلمان المقبلتين وأيضاً لانضباط الحياة الحزبية فى مصر.
وأيضاً يحرص الرئيس على وجود أحزاب معارضة قوية وطنية لإيمانه أنها جزء من الحكم فى مصر لأن وجود مثل هذه الأحزاب هى أقصر الطرق إلى الديمقراطية المبنية على منافسة شريفة ومعارضة موضوعية بعيدة عن المزايدة أو العمل لصالح أجندات ممولة من الخارج.
الحقيقة أن مصر تحتاج إلى أحزاب معارضة وطنية قائمة على أفكار ومبادئ وبرامج وتعريف ولا تحتاج إلى أحزاب سلطة تنتهج نهج الحكومة وتصفق لها فى كل قراراتها ولا تهتم بالمشاركة وبناء الدولة على أساس مكتمل ، صحيح نحتاج إلى أحزاب سلطة يمكن لها أن تضع برامج وسياسات تلبى حاجة المواطنين وتحل مشاكله وهى التى تفكر للحكومة وليس العكس. الأحزاب التى يرغبها المصريين هى أحزاب لديها القدرة للوصول إلى الأغلبية بقناعات القواعد الشعبية نفسها و تلتف حولها لأن الشعب سأم النخب الفاشلةالتى ظهرت فى السنوات القليلة الماضية، لأننا نعرف أن أحزاب المعارضة الوطنية هى جزأ مكمل للحكم ولا يمكن الاستغناء عنها فى أى دولة تريد الوصول إلى الممارسة الديمقراطية السليمة.
والأحزاب القوية صاحبة السياسات والبرامج هي التى تصب فى خانة المواطن بعد فهم عميق وحسابات دقيقة فى كل مجالات الحياة داخل الدولة وتمارس سياستها بموضوعية وبعيدة فى منهجها عن فكرةالاستقطاب الخارجى والتمويلات المشبوهة ولديها رؤية لحل كل القضايا التى تموج داخل مصر وخارجها. لا نريد أحزاب أشبه بدكاكين مملوءة بسماسرة التنظيمات الحقوقية التى تعمل من خلال حقائب الدولارات المشحونة لهم برا وجوا وبحرا “بحسابات سرية فى البنوك أو لحساب جمعيات أهلية مشوهه ولا نريد أحزاباً كأحزاب السلطة قبل ٢٥ يناير ٢٠١١ التي كرهها الناس لدرجة أنهم لم يدافعوا عنها عند سقوطها وتم حلها بسبب أفعالها وممارستها الحزبية التى كان يحكمها المصالح على كل المستويات ورغم بقاء هذه الأحزاب فى السلطة سنوات طويلة إلا أنها لم تؤصل للفكر المؤسسى للأحزاب.
ومن هنا فإننى أثمن الدعوة التى بدأها المستشار بهاء أبو شقة رئيس حزب الوفد ورئيس اللجنة التشريعية بمجلس النواب بأن مصر يجب أن تشهد ميلاد أحزاب قوية لا تزيد عن ٣ أو ٤ أحزاب كبيرة قوية وأجد أنها دعوة فى محلها تماماً وسوف تخلص المصريين من الفوضى الحزبية التى وصلت إلى ١٠٤ حزب تم إشهارها منذ ٢٥ يناير ٢٠١١ حتى الآن وللأسف وجد المواطن أن كل هذه الأحزاب لم تقدم جديداً للحياة الحزبية المصرية بالرغم من وجود المادة الخامسة من الدستور التى تنص على التعددية الحزبية التى تهدف إلى وجود أحزاب لديها القدرة على بناء دولة مصرية ديمقراطية حديثة مبرر دعوة أبو شقة تهدف كذلك إلى دمج الـ ١٠٤ حزب فى ٣ أو ٤ أحزاب بدلاً من الشتات الحزبى الذى تشهده مصر حاليا ولابد من الاندماج على أرضية الأحزاب المتقاربة فكرياً لكى تتمكن من المنافسة فى الانتخابات المقلبة.
دعوة أبو شقة تزامنت مع دعوة محمد السويدى زعيم ائتلاف دعم مصر بمجلس النواب التى أشادت بأن الائتلاف يملك إمكانات تمكنه من تكون حزب سياسى سواء فى الكوادر السياسية أو فى المقرات الحزبية بكل الأقاليم المصرية. لا أحد ينكر أن الأحزاب الموجودة فى مصر الآن هى أحزاب غير فاعلة وهى لافتاتفقط على مقارات لا يرتادها أحد ولا تعرف الجماهير عناوينها ولا برامجها ولا أفكارها ولا حتى مكانها إلا بالصدقة والمعروف أن أى حزب فى أى دولة هو مجموعة من الأفراد تتفق على فكر معين فى إطار تنظيمى محدد بهدف الوصول للأغلبية وهذا التعريف للأسف لا ينطبق على أى حزب من الـ ١٠٤ حزب الموجودة فى مصر الآن باستثناء حزب الوفد صاحب التاريخ القديم لا الحديث لأن الأحزاب لابد تنشر ثقافتها وأفكارها على الرأى العام ولابد من شرحها للقواعد الشعبية فى كل بقعة من القطر المصرى لصناعة كوادر سياسية تقود هذه القواعد الشعبية وتجذبها للحزب بهدف سيطرته على الشارع والتفاعل معه والالتفاف حوله مما يمكنها من خوض أى انتخابات رئاسية أو برلمانية أو محليات.
أيضاً لابد أن تضع الحياة الحزبية المصرية نهاية لما نسميه أحزاب دينية حيث ينص الدستور حظر إقامة أحزاب على أساس دينى وهو ما نداه حالياً مازال موجوداً فى حزب النور السلفي وان الأوان أن نفصل “اللحى” والجلباب الأبيض عن فكرة الممارسة الحزبية المدنية المبنية على عمل ميدانى وجماهيرى ومبادئ وأفكار تفهم معنى العمل العام بعيداً عن الانتماءات الدينية التى تجر وراءها قواعد كثيرة تحت فكرة الانتماءات ويتم استغلالها فى الصناديق الانتخابية الأمر الذى يشكل خطراً فى المستقبل بالرغم من مواقفهم الإيجابية فى ثورة ٣٠ يونيه إلا أن الممارسة الحزبية تحت فكرة الأحزاب الدينية مرفوض بكل اللغات. الحياة الحزبية فى مصر بالفعل لها جذور ترجع إلى نهاية القرن التاسع وتطورات بتطور مفهوم الدولة ذاته.
ولأن الأحزاب السياسية تلعب دوراً مهماً فى تدعيم الممارسة الديمقراطية باعتبارها همزة الوصل بين الحكم والشعب بما يسمح بتنشيط الحياة الحزبية وتعميق فكرة المشاركة السياسية للمواطنين. وبعيداً عن تاريخ الأحزاب السياسية فى الدولة فإن الدعوة التى أطلقها الرئيس وتلقفها قادة الائتلافات والأحزاب هى الفرصة الأخيرة لانضباط الحياة الحزبية فى مصر وإذا لم نستثمرها سوف تندم عليها لاستيعاب الفراغ الحزبى الذى يمارس فى دكاكين المنظمات الحقوقية من خلال سماسرة يصدرون مشاهد مغلوطة للخارج .نعم انتعاش الحياة الحزبية يحتاج إلى كوادر ويحتاج إلى أموال ونشاط واسع لنشر تعريف هذه الأحزاب بالرغم من أنه عمل تطوعى يفترض فيه البعد عن تحقيق المصالح الشخصية التى خلقتها التجربة الحزبية قبل ٢٥ يناير وأتصور أن الكوادر التى ستكلف بنشر ثقافة الأحزاب لابد أن يكونوا مدربين تدريباً سياسياً وتثقيفياً على أعلى مستوى بهدف تعليم قواعد شعبية على الأراضى يمكن لها أن تصبح قيادات فى المستقبل وتملأ فراغ المجالس الشعبية المحلية التى تعودهم على الممارسة السياسية بعدها يمكن أن يصبحوا نواب فى البرلمان المصرى فى المستقبل.
المصريين يطالبون بأحزاب لا تتعارض مبادئها وأهدافها وبرامجها وسياساتها مع الدستور أو مقتضياتالحفاظ على الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعى والنظام الديمقراطي أحزاب لا تنتظر دعماً مالياً من الدولة تمارس سياستها بحرية مسئولة ويتم حسابها إذا خالفت القانون أحزاب تودع الانشقاقات الداخلية وترسخ مبادئها وثقافتها فى المجتمع بأداء منضبط يعرف فيه الكادر الحزبى وواجباته.