الثلاثاء 21 مايو 2024

عودت عينى..

16-4-2018 | 17:39

حمدي رزق

لو كنت خدت على بعادك كنت أقدر أصبر واستنى

وأسهر على ضى ميعادك لما الزمان يجمع بينا




قالها رامى ولحنها السنباطى وشدت بها كوكب الشرق، عودت عينى على رؤياك وقلبى سلم لك أمرى، وبالمثل عودت قلمى على الكتابة فى «المصور»، وإن مر يوم من غير رؤياك.. ما ينحسبش من عمرى، وإن مر عدد من غير كتابة.. ما ينحسبش من عمرى الصحفى.


أكتب عن المصور، الحبيبة الأولى والأخيرة، بينى وبينها زواج كاثوليكى، حتى فى عام الرمادة يوم منعوا الإخوان مقالى تعذبت كثيرًا، مثلما قال رامى، أبات على نجواك وأصبح على ذكراك .





أكتب وأنا أغادر بيت العائلة، مرتع الصبا والشباب، مؤل الأحلام، أغادر جسديا وروحى معذبة، وأسرح وفكرى معاك، لكن غالبنى الشوق فى هواك، من يرسم اسمه فى «المصور» لا يغادرها روحا، وإن غادرها جسدا لأسباب، ولكنها تظل عالقة فى قلبه مثل حب أول، نقل فؤادك حيث شئت من الهوى، ولكن تظل المصور حبيبة أولى جديرة بالاشتياق.




«المصور» ليست مطبوعة، إنها حياة، وفى مروجها (صفحاتها) خطونا، وعلى آرائكها جلسنا، وفى ربوعها حلمنا، وفى مرابعها غنينا للحياة وللحب وللوطن، المصور حياة كاملة، أفراح وأتراح، قصص وحكايات، معارك 

وتحديات، أسماء وأفكار، شيوخ وشباب، وأجيال تسلم أجيالا، وأجيال وراء أجيال.




وحدها معمرة أما نحن فتفنى أعمارنا تحت فروعها الظليلة، 

منا من قضى نحبه ومنا من ينتظر، المصور شجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها فى 

السماء، هل حلم المؤسسون هكذا أنها ستعمر طويلا، هل حلم الحالمون أن تناهز 

التسعين عمرًا، ولا تزال شابة قوية عفية مثمرة أطيب الثمر.



تاريخ «المصور» من تاريخ الوطن، ورسالتها من رسالة لوطن، وصفحاتها دفتر أحوال هذا الوطن الطيب، وصورة الوطن مرسومة ومصورة فى صفحات المصور، طالعوا صورة الوطن، وإذا تاقت روحك اشتياقًا لصورة الوطن، 

المصور ترويك من نبعها الصافى، سجل مصر المصور فى «المصور» يكفينى الكلام  عند التحدى.



ليس اشتهاء، تجربة جديدة أخوضها على مرمى البصر من «دار الهلال»، فى «المصرى اليوم» عجبًا فى نهاية شارع المبتديان، توسط مهدى الصحفى فى روزا ليوسف وشبابى وحبى وابتسامتى فى دار الهلال، لم أغادر قط 

مرابع الحب، يقينا قلوب المصور البيضاء تدعى لابن من أبنائها بيتغرب عنها، أغادرها ملتمسًا العفو، وأتمنى لها بزوغًا، ونورًا، وتقدمًا، وطموحًا، ربما يطول الفراق، ويا ويل من يكتوى بألم الفراق.




وربما أعود سريعًا لا أحتمل الفراق، وكما قال قيس بن الملوح فى رائعته «تذكرتُ ليلى والسنين الخواليا»، تذكرتُ المصور والسنين الخواليا، فودعتها يوم التفرق ضاحكًا إليها ولم أعلم بأن لا تلاقيا، وَقَد يَجمَعُ اللَهُ الشَتيتَينِ بَعدَما يَظُنّانِ كُلَّ الظَنِّ أَن لا تَلاقِيا.. أو كما قال: فلو كنت أدرى أنه آخر اللقا، بكيت وأبكيت الحبيب 

المصافيا. 




محظوظ أنا أن توليت رئاسة تحرير هذه المطبوعة العريقة (مارس ٢٠٠٩ / يوليو ٢٠١٢)، وجلست على مقعد العظماء وأنا صحفى مغمور، كبراء مبجلون، منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر، جورجى زيدان وفكرى أباظة وأحمد بهاء الدين ومكرم محمد أحمد، وبينهم حمل الأمانة مقدرون ممن لا تتسع لذكر فضائلهم هذه السطور، علامات على الطريق، حفروا اسم المصور فى الوجدان المصرى والعربى، عرفت المصور بهم، وعرفوا بالمصور، رفعوا إلى أعلى عليين فى مكان محفوظ.




أخطأت وأصبت، وحاولت، ونجحت وأخفقت، ولكننى أحببت، وأخلصت فى حبى، ولم يغادر حبها قلبى، وأفرح لفرحها وأحزن لو مسها الضر، وأقف على حروفها مدافعًا عن بقائها، ففى بقائها حياة، وأجيال على درجها 

الرخامى طالعين لوش النشيد، لله در الشباب.




تجربتى القصيرة فى عمر المصور الطويل للتاريخ، تاريخ المصور، وسطر من هذا كتبته عندما اصطفيت صديقى «أحمد أيوب» فى منصب مدير تحرير مجلة المصور جنبًا إلى جنب مع رفاق الدرب، سليمان عبدالعظيم وعزت 

بدوى وغالى محمد وحلمى النمنم، كنت أزاوج بين خبرة الشيوخ وهم علامات فى طريق «دار الهلال» وطموح الشباب، الذى يمثله أيوب وجيله ممن لا تتسع لذكرهم هذه السطور.




لم أك أدرى أنهم جميعا سيخلفوننى تباعًا، خير خلف، وكل منهم وضع لبنة فى البناء العظيم، وتولى رفاق الدرب المهمة فى المصور تواليا مشرفًا مخلصا لاسمها العريق، كل منهم ترك بصمة وحافظوا على التراث العريق 

لدار تحدت الزمان وبلغت من العمر قرنًا وربع القرن شامخة منيرة حادبة على التنوير، وتشرفت دار الهلال ومجلة المصور إن صار ابن أيامى حلمى النمنم وزيرًا لثقافة مصر، وهذا من حسن طالع دار الهلال ويكتب بمداد الفخار.




حلمى غادر يومها مخزونًا ولكنه لم يغادر، ترك قلبه معلقًا على مشجب الدار، ومثله أغادر وقلبى معلق بكم، بحبكم، ما أبدع وديع الصافى وهو يبكينى ويبكى ابن أيامى مجدى سبلة المؤتمن على الدار، ونحن نمضى

فى مشوار الحياة برائعته «دار يا دار يادار».. أتذكرها نغما بلحن موهوب عصره وأوانه بليغ حمدى، يادار قولى لى يادار/ راحوا فين حبايب الدار / فين فين قولى يادار / لياليك كانت نور / يسبح فى ضيه بحور.




مثل شاعرنا الكبير حسين السيد من يفقد داره يفقد روحه، لياليك كانت نور، منورة يا دار الهلال، منورة يا أجمل المجلات، المصور منورة بأهلها، المصور أقوى من الزمان، منقوش فى اسمها سر البقاء، ولا أذيع 

سرا أن المصور أسست لتبقى، أرتحل صدقا لأعود.. فصبرى للّقاء دبيب نمل وشوقى كالجياد لها الفناء.. استودعكم الله.