السبت 18 مايو 2024

أبناء مبارك..

15-3-2017 | 10:28

 بقلم  – حمدى رزق

ظاهرة تستحق التسجيل، ظاهرة أبناء مبارك، عجباً، لايتغيرون، لا يتبدلون، مخلصون فى حبهم للرجل الذى حكم مصر ٣٠ عاماً، لا يتأخرون عن نجدته بحضورهم الصاخب فى ميلاده ومحاكمته مباركين براءته ويحتفلون فيسبوكياً ويغردون فى غبطة وسرور، ويتشنجون ويتباكون  إذا مسه ضر، دوماً أمام المستشفى أو المحاكمة، رافعين صوره، مبدعين فى اختيار الشعارات، شرسين فى الدفاع عنه.

رغم عاصفة السباب واللعان والتريقة والسخرية والاستهزاء الذى ينالونه من أعداء مبارك، إلا أنهم مرابطون دوماً، وعلى العهد، ويبدون صبراً وجلداً، ويردون الصاع صاعاً أو اثنين، ويحفظون عن ظهر قلب سيرة الرجل وتواريخ حياته ضابطا منتصرا ورئيسا منكسرا، ولا يتأخرون عنه فى كل المناسبات حتى فى  الأعياد القومية يحتفلون بها قبالة نافذته فى المستشفى ويفترشون  الرصيف لساعات صيفا وشتاء، بردا وقيظا، وعادة ما يطل عليهم الرجل، يرد التحية بأحسن منها فى غبطة وسرور، وينصرفون إلى لقاء.

فى وقت تولى عن مبارك من كانوا يتمنون قرباً، وهاجمه من كانوا يمتدحونه آناء الليل وأطراف النهار ، ونهش سمعته أصحاب السوابق السياسية ، المنقلبون المتقلبون بين العصور ، تجد هؤلاء الذين لم يقتربوا منه يوماً ولا سعدوا بقربه ولا استفادوا من أراضى عصره، وجلهم ولدوا على أيامه، باقين على العهد، يتحملون المشاق فى سبيل رفع صورته، ويقتحمون الحواجز الشرطية ليسمعوه صوتهم، وينتظرون براءته كما لو كانوا من أسرته، وهم تقريباً صاروا من العائلة، وحضر جمال مبارك أخيرا فرح أدمنهم الشهير كريم حسين الشهير بحساب ( انا اسف ياريس ) مباركاً  محتفياً، وكأنه،  أى كريم، من أحفاد الأسرة المباركية.

أبناء مبارك، ليسوا جمال وعلاء، ولكنهم جماعة من الشباب لا يتخفون على وسائل التواصل الاجتماعى، بل يظهرون ببروفيلات عليها صورة مبارك رئيساً، ويلقبون أنفسهم باسمه، فهذه بنت مبارك، وهذا ابن مبارك، وهكذا دواليك، وينادونه بـ «أبى مبارك» فخورين بانتمائهم إلى الرجل واسمه.

أتابع الظاهرة المستمرة منذ ٢٥ يناير وأعجب من العجب العجاب، ظاهرة مستمرة، مستدامة على مدار ست سنوات، لا يكلون ولا يملون، جماعة مسيسة جدا، نشطة فى فعالياتها للغاية، مخلصة لأفكارها دوما، لم تتغير ولم تتبدل، بل تتزايد باطراد، وهم على إخلاصهم للرجل لا يعادون نظام الحكم الحالى ، ولا يتظاهرون ضد الرئيس أبدا، ويحترمون الرئيس عبد الفتاح السيسى، ويغضبون منه إذا مس عصر مبارك بكلمة ولو عابرة، فقط متمحورون متحلقون حول رمزهم «مبارك» لا يتحولون عنه، ولا يرون سواه، ويحزنهم محاكمته، وأسعدتهم  براءته الأخيرة من قتل المتظاهرين، ويجدون جداً فى سعيهم لرد اعتباره، وتكريمه وتأمين جنازة عسكرية وشعبية، بل وإعادة اسمه إلى محطة المترو !.

ظاهرة سلمية، لم يخرجوا علينا شاهرين السلاح كما جرى من إخوان الشيطان وأعوانهم الملاعين، ولم يضبطوا متلبسين بتخريب أو تفخيخ أو قطع طريق، يتجمعون عادة فى المناسبات  المباركية مثل نصر أكتوبر وتحرير سيناء بأعداد محدودة، يرفعون الصور، يصيحون أمام الفضائيات بحق مبارك فى حكم تاريخى عادل، وعفو صحى مستحق، الرجل طاعن فى السن، ثم يعودون من حيث أتوا، تاركين صدى صوت لهذه الظاهرة الفريدة على الحياة السياسية المصرية، يتركونها للمحللين وأكثرهم مستنكرون.

لهم صفحات شهيرة على الفيس بوك تتمتع بمتابعة صحفية مصرية وعالمية على مدار الساعة، وينقلون عنها كل ما يصدر عن العائلة أفراحا أو أتراحا، ويتصدون بضراوة للهجومات على العائلة أو الرمز «مبارك»، ويعادون كل من ينتمى إلى ٢٥ يناير، ويرفضون كل ما صدر عنها، ويأنفون كونها ثورة، وفى يقينهم هى مؤامرة مكتملة الأركان، ويسيئهم أى إشارة سالبة ولو عابرة من أركان نظام الحكم إلى عصر مبارك، يرونه العصر الرغيد.

كم السخرية من أبناء مبارك كانت كافية لقتل معنوياتهم، ولكنهم «ولفوا على ما هو أكثر من ذلك»، اتهامات قاسية، بالحشد والتمويل والتوجيه، ولكنهم، وكأنهم قرروا خوض معركتهم إلى النهاية، وخط النهاية براءة مبارك، وقد حدث،  ورد الاعتبار لنسر أكتوبر (شعار مرفوع أمام المحكمة دوما ) صحيح الطريق طويل وطال بهم، ولكنهم سائرون فى الطريق لا يضلون عنوان مبارك حتى تحصل على البراءة .

هم خليط من البسطاء، والمتعلمين، وندرة من المشاهير، الفنان تامر عبد المنعم نموذج ومثال، جميعاً توافقوا على الوقوف وراء الرجل حتى النهاية، يشكلون ظاهرة سياسية بامتياز، تحتاج إلى فهم ودرس حقيقى، ما الذى يدفع من لم يستفد من مبارك أو كان قريباً إلى الوقوف فى ظهر الرجل الذى ثار عليه شعبه بإخلاص مدهش.

 مثلا إخلاص إخوان الشيطان لمرشدهم طبيعيا، هم رضعوا لبان السمع والطاعة مع الرضاعة، وشبّوا على البيعة للمرشد، وإن كان بعضهم بصق على وجهه أخيرا باعتباره سبباً للخراب،  ولكن إخلاص هؤلاء لمبارك فى وقت التخلى، وانفضاض من استفادوا من عصره، وابتعاد من كانوا مقربين، يحتاج إلى تفسير سسيولوجى، سياسى/  اجتماعى، لا يتأفف من الظاهرة ولكن يقف عليها تبينا لأسبابها، خاصة مع تفشى عبارة « ولا يوم من أيامك « التى باتت تتسمعها الآذان من وراء الأبواب المغلقة على ما فيها من عنت المعيشة ووقف الحال.

براءة  مبارك  الباتة والنهائية من قتل المتظاهرين أخيرا، أعادت  هؤلاء إلى المشهد، وربما تنهى الظاهرة تماما، حققت أهدافها كاملة، عجيب جدا لم تجد عدسات المصورين شيئاً تسجله فى محكمة النقض التى برأت مبارك أخيرا، إلا أبناء مبارك متجمعين بصورهم ولافتاتهم، لتشبعهم تصويراً، كونها تتسلى عليهم، ليتسلى عليهم المفسفسون والمغردون، ولكنهم فازوا أخيرا بالبراءة، براءة مبارك يتوشحون بها فى مواجهة الرافضين لمبارك وعصره !!