لا كرامة لدولة لا تحفظ كرامة أبنائها، ولعقود طويلة أهينت كرامة المصريين فى الداخل والخارج، ولم يجدوا من يحميهم أو يحفظ لهم كرامتهم، افترش الآلاف الشوارع وتسول مئات الآلاف بحثا عن لقمة عيش تحمى حياتهم، وفقدت عشرات الآلاف من الأسر عائلها بسبب عدم قدرة الحصول على العلاج أو الإهمال الجسيم، وكان المبدأ لكل من يدخل جهة حكومية لقضاء مصلحة أن يتنازل عن كرامته أو يعطيها إجازة مؤقتة أو يدفع ما قسم.
حتى فى الخارج كانت كرامة المصرى معرضة للإهانة فى سبيل لقمة العيش والحفاظ على فرصة العمل، وعندما ثار الناس كان الشعار الأول والأهم كرامة إنسانية، كان الشعب الذى رفع الشعار بأعلى صوته أحوج ما يكون للكرامة التى أُجبر على التفريط فيها أو نزعت منه رغما عنه.
الوضع الآن اختلف كثيرا وأصبحت الكرامة مبدأ وليس مجرد شعار، رئيس الدولة نفسه لا يفوت مناسبة إلا ويتحدث عن كرامة المواطن ويترجم ما يقوله عمليا، وكل البرامج التى اعتمدها أو أعلن عنها وبدأ تنفيذها يمكن تلخيصها فى كلمة «الكرامة» من السلع التى توزعها القوات المسلحة مجانا للغلابة فى المناطق المهمشة والعشوائية أو تطرحها وزارة التموين بأسعار مخفضة فى مجمعاتها ومنافذها، إلى حملة العلاج من فيروس سى التى ضربت فيها مصر رقما قياسيا غير مسبوق على مستوى العالم بعلاج ما يزيد على مليون مريض بهذا المرض اللعين، إلى برنامج كرامة وتكافل الذى يحاول أن يحفظ للفقراء كرامتهم دون أن يضطروا إلى مد اليد للغير، إلى المشروعات التى تسعى الدولة لإقامتها من أجل توفير فرص عمل بدخل كريم، إلى الإسكان الاجتماعى الذى وعد الرئيس أنه لن يترك شابا بدون سكن، إلى المشروع القومى للعشوائيات الذى بدأ بالأسمرات، وصولا إلى فرق الإنقاذ السريع التى ابتدعتها وزارة التضامن لإنقاذ سكان الشوارع من المسنين ومن لا مأوى لهم.
كل هذه جهود وتحركات من الدولة وبدعم مباشر من الرئيس هدفها حفظ كرامة المصرى وحمايته من غدر الدنيا.
فى الخارج ضربت الدولة أمثلة كثيرة فى حماية كرامة المصرى، وبعد أن كنا نتندر حتى على جواز السفر المصرى الذى لا يضمن أى حماية للمصرى بينما جوازات سفر بعض الدول تتضمن ما يفيد أن أسطولها يمكن أن يتحرك حماية لمواطنيها، أصبحت كرامة المصرى فى الخارج مصونة، ومارست الدولة الحماية له عمليا عندما ثأرت لعشرين مصريا ذبحوا غدرا فى ليبيا، وكانت النتيجة أن الجماعات الإرهابية والميليشيات المسلحة فى ليبيا الآن تعمل ألف حساب لأى مصرى، كما أصبحت المؤسسة الدبلوماسية المصرية حريصة على ألا تترك مصريا يتعرض لأزمة أو يواجه مشكلة فى أى دولة أخرى، وإنما تتدخل سريعا وبكل قوة لدعمه وحمايته.
ما تفعله الدولة الآن من محاولات لحفظ كرامة المصريين المفترض أن له ثمنا وأن يقدره الجميع، فكرامة وتكافل أو المعاش الضمانى يتكلف مليارات سنويا، ومكافحة فيروس سى أنفقت من أجله مليارات أخرى، والسلع المجانية أو منخفضة التكلفة تتعدى قيمتها سنويا عشرات المليارات، والمؤكد أن كل هذه البرامج سوف تستمر لفترة ليست بالقليلة من أجل حماية الغلابة والفقراء ومحدودى الدخل، بل وما زال لدى الدولة استعداد لزيادة عدد المستفيدين من هذه البرامج.
لكن الدولة لن تستطيع وحدها الوفاء بكل هذه البرامج لتغطى كل الاحتياجات الإنسانية للمصريين، فعين الدولة الآن بصيرة، لكن اليد قصيرة بسبب قلة الإمكانيات، ولابد من وقفة جادة من المجتمع المدنى الذى لا نسمع صوته إلا فى الكوارث وكل ما يسىء للدولة، فقد حان الوقت كى نراه ونسمع صوته ونرى دوره فى دعم برامج حماية الفقراء، وكذلك نحتاج مساندة من المقتدرين وأصحاب الفضل ورجال الخير ليقفوا مع الدولة يدا بيد، فالمسئولية الاجتماعية لرأس المال لابد أن تعبر عن نفسها الآن وتتدخل بقوة لتدعم خطط إنقاذ الغلابة من جشع تجار واستغلال بعض المؤسسات والمتربحين وتبدل الأحوال، ولدينا بالفعل فى مصر مئات وربما آلاف من رجال الأعمال والمقتدرين الذين يسهمون بقدر كبير فى أعمال الخير، لكن بحر الخير يحتاج الزيادة، وإذا تحرك كل رجال الأعمال بمنطق المسئولية الاجتماعية فلن يكون غريبا ألا نرى مصريا يشكو العوز.