الإثنين 17 يونيو 2024

أرملة أخى..

15-3-2017 | 11:36

يقلم – أحمد سعدة

فى «نص الليل».. تتهيأ القلوب للشكوى والبوح بما فيها، وترسل أوجاعها إلى السماء، بعد أن يئست من رحمة أهل الأرض.. «المصور» تحاول أن تشارك قراءها هذه الآلام وتلك الاعترافات وتقدم لها الحلول

هى ابنة عمي، وأرملة أخى الأكبر الذى مات فى حادث سيارة بعد أن ترك لها طفلتين. تعليمها متوسط وتكبرنى بسنتين، وعلاقتى بها تماما كعلاقتى بشقيقاتى البنات.

بعد وفاة أخى مباشرة واجهت ضغوطا عائلية للزواج منها، ورفضت. وهددنى والدى بحرمانى من الميراث فى حالة استمرار رفضى لهذا الزواج البدائي.
والدى هو «عُمدة» قريتنا الصغيرة، وصاحب أقوى العلاقات بالجميع، وقاضى الجلسات العُرفية لحل المشاكل وفض النزاعات بين عائلات وأفراد القرية. لكنه فى تلك المشكلة يتعامل معى وكأنى طفل صغير لا حق له فى تقرير مصيره واختيار شريكة حياته.
أنا فى السنة النهائية من دراستى الجامعية بكلية الحقوق، وحلمى منذ كنت صغيرًا أن أعمل بالنيابة وأتزوج من فتاة أحبها وتحبني. فتاة جامعية تفهمنى وأفهمها، وليس بهذه الطريقة الإجبارية. ولكن والدى وأعمامى لديهم إصرار على أن تزويجى من أرملة أخي، وحتى شقيقاتى البنات لديهن نفس الإصرار.
ومنذ ذلك الوقت صارت هنالك حساسية بينى وبين بنت عمي، بل صارت هناك حالة بيننا أشبه بالخصام.
بنت عمى فتاة جميلة طيبة وكريمة الخصال، حساسة لأبعد الحدود، تساعد من حولها دائما بمنتهى الحماس والرفق. كنت صديقًا جيدًا لها ولأخي، بل كنت أنا من يصلح بينهما حينما يتخاصمان.
طلب منى والدى أن أقوم بتوصيلها بسيارتى إلى مكتب التأمينات لإنهاء بعض الإجراءات المتعلقة بمعاش أخي، وحاولت التَهَرُّب من هذه المواجهة معها لكن إصرار أبى كان أقوى من رفضي.
فتحت لها الباب الخلفى للسيارة، لكنها تجاهلت الأمر وفتحت الباب الأمامى لتجلس بجواري، فقمت بتشغيل الراديو والتركيز مع القيادة بمنتهى الصمت وكأنى تمثال من رخام.
لكنها قطعت الصمت بعد أن مدت يدها وأغلقت الراديو وسألتنى عن شيء ما يخص أوراق واستمارات التأمينات. أجبتها بكلمات مسرعة وعدت إلى صمتي، لكن نظراتها كانت تراقبني.
وصلنا إلى مكتب التأمينات وأنهينا الإجراءات اللازمة، وبعدها توجهنا إلى السيارة للعودة، لكنها طلبت منى الجلوس معى فى مكان هادئ.
وأخبرتنى أنها تريد أن تكمل حياتها معي، وأنها لن تأمن على بناتها مع رجل غريب وستعيش بلا زواج فى حالة رفضي، ومسكت يدى برفق وأقسمت على أنها قادرة أن تمنحنى كل الحب، وأن تجعلنى أحبها.. وقالت إنها ستستمر إلى جوارى سواء صرت وزيرًا للعدل أو حتى حاجبًا فى محكمة؛ المهم أنها ستكون معي.
لن أخفى عليك أنى شعرت بسعادة اخترقت قلبى لهذا الحديث الرقيق، وقلت لها سأفكر فى الأمر.
وها أنا ذا أفكر.. فما رأيك؟

الـــــــــــــرد

رغم أن الزواج مسألة شخصية تماما، لكن الظرف هنا مختلف.
إن من تتحدث عنها فتاة من لحمك ودمك، وأرملة أخيك قبل كل شيء، وأم لبنتين ينادونك عمي.. إنها تبحث الآن عن رجل منها يحتوى حزنها ومأساتها، وتطمئن له، ويأمنها شرور الناس.. رجل يشاركها القادم من حياتها ويعطف على ابنتيها.. تمنحه الحب والحنان ويمنحها المودة والرحمة.
إن الإنسان بحاجة دائمة لمن يحبه بإخلاص، هنا فقط سيستقر نفسيا ويكف عن الشكوى وينسى أوجاع الماضي. هنا فقط سيتعلم الإخلاص والصدق.
والحب الذى تبحث عنه ليس ذلك الذى تراه فى السينما وتسمعه فى الأغاني.. بل هو حالة السكينة والطمأنينة وتآلف النفوس والطبائع، حالة المودة والرحمة بين قلبين يتشاركان الحياة بكل ما فيها من هموم ومآس ومباهج.
وهذه الفتاة قادرة على أن تمنحك هذا الحب بدليل أنك شعرت بسعادة اخترقت قلبك حينما كنت معها.
إن وراء كل رجل عظيم امرأة كما يقولون، بشرط أن تكون امرأة تحبك بإخلاص.
تزوجها ولا تتردد، ولا تنسى أن تعزمنى على الفرح.