الثلاثاء 21 مايو 2024

لا جامعة عربية من دون سوريا (٢/٢)

15-3-2017 | 11:51

بقلم –  سناء السعيد

.. ويظل القرار الذى صدر فى ١٢ نوفمبر ٢٠١١ بتعليق عضوية سوريا فى الجامعة العربية ترتسم أمامه علامات استفهام تقول هل وصل الأمر بالجامعة إلى الحد الذى تقدم فيه على اتخاذ هذا القرار الصادم غير المسبوق، وهو الذى عقد التوصل إلى حل للأزمة فى سوريا، واستعدى النظام الذى احتمى بالجامعة على أمل أن تساعد على إخراج سوريا من مأزقها من خلال مبادرة عربية تهدف إلى حماية وحدة البلاد وتسد الطريق على أى احتمال للتدخل الأجنبى؟، غير أن ما حدث كان النقيض، فلقد فاقمت الجامعة الوضع بقرارها المشؤوم بتعليق عضوية سوريا بها وبالتالى أتاحت الفرصة للتدخل الأجنبى فى الشأن الداخلى للدولة.

لو أن الجامعة العربية كانت حريصة على سوريا ووحدة أراضيها لأرسلت منذ البداية بعثة من أعضائها من أجل تقصى الوقائع لحل الأزمة، لكنها لم تفعل واتخذت قراراتها المبتسرة التى علقت بموجبها عضوية سوريا. بل وفرضت عليها عقوبات دبلوماسية واقتصادية. وهكذا تركت سوريا لتواجه المؤامرات التى سلطت عليها من الخارج دون الوقوف بحزم إلى جانبها إزاء ما تتعرض له من حملات تجاوزت كل الحدود ودعوات أجنبية لإسقاط النظام، وزاد الطين بلة سعى تركيا وقطر ودول عربية وغربية إلى توحيد المعارضة المسلحة كمقدمة للاعتراف بها ليتبع ذلك الإقرار بعدم شرعية النظام واعتبار الأسد فاقدا للشرعية!!.

ثالثة الأثافى تجسدت فيما أقدم عليه المعزول مرسى، فلقد أكمل المؤامرة عندما تبنى فى منتصف يونيو ٢٠١٣ قرارا بقطع العلاقات مع سوريا. ناطح مرسى المنطق واستفرد بالقرار الآثم فى مؤتمر أطلق عليه «مؤتمر نصرة سوريا» أعلن فيه أن مصر قد قررت قطع العلاقات مع النظام الحالى فى سوريا وإغلاق سفارتها فى مصر وسحب القائم بالأعمال المصرى فى دمشق وصرح قائلا: (لا مجال ولا مكان للنظام الحالى فى سوريا مستقبلا)، كان القرار يعنى دعم المعارضة المسلحة ضد النظام، وهو ما جسد تحولا دراميا حيال النظام السورى، وجاء بشكل مفاجئ وصادم لم يتوقعه أحد. قرار بلا مقدمات انفرد به المعزول دون أن يدرسه مع مؤسسات الدولة. أى دون علم دوائر الاستراتيجية المصرية، فلم يأخذ رأى مجلس الدفاع الوطنى أو المجلس التشريعى. وبذلك فاجأ مرسى وزارة الخارجية فخرج بذلك عن كل الأعراف الدولية، وتجاوز الأطر المستقرة فى الاستراتيجية المصرية التى ينص أحد موادها على عدم التدخل فى الشؤون الداخلية لأى دولة. ولكن مرسى لم يكترث، فجاء القرار محصورا فى شخصه وبطانته. ولا غرابة فهو الحاكم النزق الذى أقدم على الكثير من الأمور التى كانت ضد مصلحة الدولة بما فيها تحويل الملف السورى من وزارة الخارجية إلى مؤسسة الرئاسة لتؤول المسئولية إلى «عصام حداد» مستشار مرسى للشئون الخارجية ليصبح هو المسئول المباشر عن هذا الملف.

وبذلك وضع مرسى مصر كدولة فى حرج شديد، والأكثر من هذا عندما تمادى فى غيه ودعا إلى فتح الباب أمام الشباب المصرى للسفر والجهاد فى سوريا ضد نظام بشار، لقد أخطأ الرئيس الأسبق مرسى وتأكد ذلك بشهادة اللواء “رأفت شحاتة”، الذى كان رئيسا لجهاز المخابرات العامة وقتئذ، فلقد رفض قرار قطع العلاقات مع سوريا وأقر بأن مرسى أمسك الدفة الخطأ عندما اتخذ هذا القرار الصادم ضد دولة عربية شقيقة، ولهذا بات يتعين اليوم على مصر أن تبادر بإصلاح الاعتوار وتسارع بإعادة العلاقات مع سوريا فورا، وهو ما سيكون مقدمة لاستعادة سوريا العروبة لمقعدها فى الجامعة العربية.

وفى الوقت نفسه فإن الآمال تتطلع إلى القمة العربية القادمة التى تعقد فى الأردن فى ٢٩ مارس الجارى لكى تفتح آفاقا جديدة تعيد الثقة للشارع العربى من خلال إيجاد مخارج لأزمات المنطقة بما يمكنها من وقف التدخلات الخارجية فى الشأن العربى. المأمول أن تشهد القمة نقلة نوعية فى مجال إحياء العمل العربى المشترك بحيث يجرى حل القضايا العربية فى إطار منظومة الداخل بعيدا عن التدخلات الإقليمية والدولية فى شؤون الدول العربية.

من الطبيعى أن يشعر الكثيرون بالقلق حيال القمة المقبلة والنتائج التى يمكن أن تتمخض عنها خاصة وسط الظروف الصعبة التى تعيشها الأمة العربية سواء من حيث الاقتتال الداخلى أو للظروف الاقتصادية الصعبة، فهناك الوضع فى سوريا والعراق وليبيا واليمن وهى الدول الغارقة فى حروب داخلية وصراعات إقليمية ومعارك ضارية فى جبهات قتال عدة مع الجماعات الإرهابية ويتصدرها تنظيم داعش، وهناك القضية الفلسطينية التى باتت على مفترق طرق وسط سياسات إسرائيل الغاشمة واستمرارها فى قضم الأراضى الفلسطينية عبر تكثيف الاستيطان والاعتداء على المقدسات الإسلامية والمسيحية فى القدس المحتلة.

ويظل الأمل معقودا على أن يتم توافق عربى عربى حيال إصلاح الخلل الذى تورطت فيه الجامعة العربية عندما اتخذت القرار الخطيئة بتعليق عضوية سوريا فى نوفمبر ٢٠١١ ، وأن تبادر باتخاذ قرار حاسم وجازم يقضى بإعادة سوريا إلى الحاضنة العربية إنقاذا للجامعة من التيه، الذى تعيش فيه وليدرك الجميع الحقيقة القائلة بأنه لا جامعة عربية من دون سوريا....