الجمعة 31 مايو 2024

بالهتافات والزغاريد والرقص والغناء الشعبى : أهالى المطرية يودعون تمثال الملك رمسيس الثانى

15-3-2017 | 12:12

تقرير: أمانى عبد الحميد

 

تحت ستار الليل سيخرج تمثال الملك رمسيس الثانى الضخم ذو العشرة أطنان على عربات متخصصة يجوب فيها شوارع القاهرة من المطرية حتى ميدان التحرير، حاملا معه أحلام وآمال أهالى المطرية وعين شمس الذين احتشدوا ليودعوا ملكهم بالزغاريد والهتافات «المطرية..أثرية..», كلماتهم وصيحاتهم ملأت الأجواء لحظة خروج التمثال من باطن التربة الطينية التى ظل مدفونا داخلها منذ أكثر من ٣٣٠٠ عام, فلا أحد داخل الحى المكتظ بالسكان يجهل أين يكمن موقع الكشف الأثرى الجديد, الكل يقف فى حالة ترقب وانتظار صعود الملك, يقفون على عتبات منازلهم, يطلون من شبابيك منازلهم البسيطة, حتى باتت منطقة سوق الخميس الشعبية ساهرة ولم تنم ليلتها.

بالرغم من حالة الإرهاق والقلق التى انتابت كل العاملين بوزارة الآثار إلا أن حالة السعادة البادية على أهالى منطقة سوق الخميس أضفت جو البهجة على عملية انتشال التمثال الملكى, بعد ثلاث ليال طويلة قضاها الفريق الأثرى المكلف باستخراج الجزء العلوى من تمثال الملك رمسيس الثانى من باطن الأرض, لم يفارقه الأثريون وظلوا حتى آخر لحظة بالقرب من الحفرة التى تحويه يقومون بتجاربهم العلمية من أجل التوصل إلى الطريقة المثلى لاستخراجه, التمثال بلغ وزنه أكثر من ثمانية أطنان من الحجر الكوارتيزيت وظل مدفونا داخل تربة طينية لزجة على عمق أكثر من ثلاثة أمتار تحت مستوى سطح الأرض ويحتاج إلى عمل شاق تحفه المخاطر حتى يخرج سليما بلا أية خدوش.

لذا كان على البعثة المصرية الألمانية المشتركة التابعة «لايبزيج» التى تقوم بعمل حفائر أثرية علمية داخل حى المطرية بالكامل أن تواصل عملها على قدم وساق، من أجل الانتهاء من عمليات التنقيب داخل الأرض التابعة للأوقاف، بعدما نجحت فى العثور على التمثالين الملكيين, حيث عثرت يوم الثلاثاء الماضى على أرضية حجرية فى قلب قطعة الأرض التابعة لوزارة الأوقاف, بتنظف المكان اكتشفت جزء من تمثال مغمور وسط تربة طينية وبالقرب منه جزء من رأس التمثال وجزء من الذقن, ويشرح د. محمود عفيفى رئيس قطاع الآثار المصرية بوزارة الآثار أن استخراج التمثال تطلب انتشال الرأس أولا حتى يتمكن فريق العمل من انتشال الجزء الأكبر خاصة أنه مغمور بمياه الصرف الصحى والمياه الجوفية, قائلا: «التمثال من النوع الضخم جدا ويزن الجزء العلوى منه فقط حوالى ٨.٥ طن تقريبا..» وهو الأمر الذى تطلب معالجة علمية خاصة من أجل استخراجه من التربة وانتشاله من المياه الراكدة, وبالقرب من رمسيس الثانى كان يرقد تمثال من الحجر الجيرى للملك سيتى الثانى يبلغ طوله ٨٠ سم قامت البعثة بنقله على الفور إلى المخزن المتحفى بالمطرية إلى حين نقله أيضا إلى المتحف المصرى.

ونظرا لحجم ووزن التمثال كان على وزارة الآثار اللجوء مرة أخرى لطاقم المهندسين الذين قاموا بعملية نقل تمثال رمسيس الثانى الشهير من ميدانه رمسيس بوسط المدينة إلى معامل الترميم بالمتحف المصرى الكبير بطريق القاهرة – الإسكندرية وسط أجواء احتفالية, حيث من المقرر خروج التمثال المكتشف للملك رمسيس الثانى يوم الأربعاء ليلا من منطقة المطرية عبر شوارع القاهرة لكى يصل إلى مقره المؤقت داخل حديقة المتحف المصرى بالتحرير، ليشارك فى معرض يضم القطع الأثرية التى تم اكتشافها فى منطقة المطرية ولاتاحة الفرصة أمام المصريين والعالم كله لمشاهدة تمثال أشهر ملوك مصر الأسرة الـ١٩ بالدولة الحديثة, حيث ستنظم وزارة الآثار احتفالية ومؤتمرا يشرح كيفية العثور على الكشف وفيلما تسجيليا عن عمليات الانتشال والنقل.

«تلك هى المرة الأولى التى نكشف فيها تمثالا بهذا الحجم..» وقف عالم الآثار الألمانى ديترش رو يتباهى بالانجاز الذى حققته بعثته العلمية فى منطقة آثار المطرية وعين شمس, فهو يعمل فى المنطقة منذ أكثر من خمس سنوات وكل دراساته الأثرية كانت حول مدينة «أون» هيليوبوليس القديمة، ومع ذلك كان اكتشاف تمثالين ملكيين دفعة واحدة بأحجام ضخمة بالنسبة له مفاجأة سارة وعظيمة, موضحا أن كل القطع الأثرية التى تم العثور عليها كانت عبارة عن أجزاء غير مكتملة نظرا لتعرض المدينة بالكامل للتدمير خلال العصور اليونانية الرومانية ومع بدايات العصر القبطى, كما تم نقل كثير من المسلات والتماثيل إلى الإسكندرية وأوربا وبعض الأحجار أعيد استخدامها خلال العصور الإسلامية لبناء القاهرة التاريخية.

بعد عملية الاكتشاف والانتشال الناجحة أصبح هناك تحد جديد أمام د.عيسى زيدان رئيس وحدة الترميم الأولى والنقل بالمتحف المصرى الكبير، وهو المشرف على عملية نقل تمثال المطرية, التمثال بكل أجزائه سيتعدى وزنه العشرة أطنان ويحتاج إلى عملية ترميم أولى داخل الموقع خاصة أنه ظل سنوات طويلة مغمورا بالمياه والطين, ويقول «زيدان»: «قمنا بنقل أكثر من ٤٠ ألف قطعة آثار من جميع أنحاء مصر لكن نقل التمثال سيمثل تحديا كبيرا، نظرا لوزنه غير المتوقع..» علاوة على أن التربة الطينية من حوله كانت متكلسة وكان من الصعب التعامل معها, ويوضح قائلا: «تمت الاستعانة بأكثر من ٢٤ عربة لشفط المياه من حوله..» حتى يمكن الوصول إلى التربة أسفل التمثال وربطه بالشرائط المصنوعة من الحرير والتى تملك القدرة على رفع كل هذه الحمولة, موضحا أن فريق العمل قام بعدة محاولات طوال الليل حتى تمكن من ربط التمثال وما يطلق عليه «تصبين» أى ربطه بالحبال أو الشرائط الحاملة, وأكد أن البطل الحقيقى كان العمال الذين قدموا مخصوص من منطقة آثار «قفط» نظرا لمهارتهم فى التعامل مع الأحجار والتماثيل الضخمة، علاوة على فريق المتحف المصرى من المرممين, وأشار إلى أن الفريق قد أخذ عينة من المياه الراقد بها التمثال لعمل التحاليل اللازمة والتأكد من نسبة الحموضة والقلوية بها لتسهيل مهمة الترميم, وأوضح أن فريق الترميم قام بتغليف التمثال تغليفا كاملا بواسطة خامات مبطنة وإحداث تكييف له عن طريق ترطيب هذه الخامات بالماء المتعادلة كما تم تثقيبها لإحداث تكييف تدريجى للقطعة الأثرية بعد تعرضها للهواء, بمعنى أن فريق الترميم سيقوم بتهيئة التمثال للأجواء الجديدة حتى لا تحدث له ما أسماه د. «زيدان»: «صدمة بيئية», وكان وزير الآثار قد أمر بتشكيل لجنة من أساتذة من كلية آثار جامعة القاهرة هم د. ميسرة عبد الله ود. نصر مكاوى لمعاينة جزء من رأس التمثال الذى تم انتشاله يوم الخميس الماضى وتم التأكد أنه سليم ولا يوجد خدش واحد على سطح الأثر.

د. طارق توفيق مدير المتحف المصرى الكبير أكد أن التمثال سيتم نقله إلى المتحف الكبير ليكون ضمن سيناريو عرض مخصص لآثار مدينة «أون» العاصمة الدينية القديمة حين افتتاحه الجزئى فى عام ٢٠١٨, وأوضح أن هناك شواهد على ظهر التمثال تكشف أن الملك رمسيس الثانى قام بالاستيلاء على التمثال الخاص بملك آخر، وقام بوضع اسمه عليه كما كان معروفا عنه حيث كشف عدد من آثاره ذلك.

وخلال فترة الستينيات طالبت هيئة الآثار وقتها قبل أن تتحول إلى وزارة بضرورة ضم المنطقة والتى تبلغ مساحتها حوالى ٥٤ فدانا، نظرا لما تحويه من قطع أثرية وشواهد أثرية تحتاج إلى أعمال حفائر علمية, لكن الأرض التى كانت تمثل فى الماضى مدينة «أون» الدينية أصبحت عبارة عن أرض تمتلكها وزارة الأوقاف ومعروفة باسم مزرعة السجون, وللأسف رفض مجلس الدولة نزع ملكية الأرض لصالح المنفعة العامة والآثار وأمر أن تظل ملكيتها تابعة للأوقاف على أن تكون تحت إشراف الآثار, وبالرغم من ذلك نجحت البعثة المصرية الألمانية على مدار سنوات من عمل الحفائر أن تستخرج بقايا معابد لكل من رمسيس الثانى وإخناتون والملك تحتمس الثالث

وكشفت عن أجزاء من بعض الكتل الحجرية تخص إحدى المقاصير الأثرية للملك نختنبو الأول، من عصر الأسرة الثلاثين، وذلك أثناء أعمال الحفائر التى تجريها البعثة داخل المنطقة الخاصة بمعابد مدينة أون القديمة «عين شمس»، وكذلك الكشف عن أجزاء صغيرة من الحجر الجيرى تخص عددًا من الأعمدة الأثرية القديمة بالمنطقة، بالإضافة إلى العثور على جزء من سقف يخص معبد الملك نختنبو الأثرى، تظهر فيه أشكال على هيئة نجوم، فضلًا عن جزء من تمثال للملك مرنبتاح، وأجزاء من جدران من الطوب اللبنى مثل السور الأثرى الذى كان يحيط بمنطقة المعابد بمدينة أون قديمًا. والكتل الحجرية المكتشفة، التى تخص إحدى مقاصير الملك نختنبو الأول يتراوح أحجامها ما بين ٧٥ سم إلى ١.٢٥ متر، وهى من البازلت ويظهر عليها نقوش تمثل أسماء أقاليم مصر آنذاك، كما تمثل بعض الأجزاء مناظر بالنحت الغائر تصور الإله حابى يحمل القرابين وخيرات النيل, وفى الأسبوع الماضى أعلن عن الكشف الأثرى وتحولت الأنظار إلى حى المطرية ليصبح اليوم أشهر المناطق الأثرية على مستوى العالم, لذا حضر عملية انتشال التمثال الضخم نواب مجلس الشعب وأعضاء لجنة الثقافة والسياحة والآثار به, كذلك السفيرة مشيرة خطاب والسفير الألمانى بالقاهرة يوليوس جيورج لوى.