كتب : مدحت بشاى
كان لقداسة البابا شنودة كتاباته الإصلاحية الرائعة عبر كتاباته فى مجلة مدارس الأحد مناشداً الكنيسة أن تقوم بإجرائها، وهى ــ للأسف ــ التى لم يقم بإجراء معظمها حتى أثناء فترة حبريته التى امتدت ٤٠ سنة، قال قبل رهبنته، ونشر له باسمه " المواطن: نظير جيد " تلك الأبيات فى مجلة "مدارس الأحد" الشهيرة التاريخية الرائعة..
هذه الكرمة يا مولاى من غرس يمينك / نبتت من شوكة كانت على طرف جبينك
ورواها دمك القانى وسيل من جفونك / فنمت فى جنة الأحيان تحيا فى يقينك
ومضت تحمل للأقباط من أثمار دينك / غير أن الريح يا مولاى قد طاحت بغصن
شردت طيره فى الكرمة من ركن لركن/ طار لايشدو ولكن شاكيا من ذا التجني
أنت يامن قلت لايسقط طير دون إذني
هى إذن بعض ملامح من غيرته على كنيستنا المصرية العتيدة، وكان التيار العلمانى (قبل الشتات والتحول) فى حالة حوار دائم من طرف واحد مع قداسته، وظل منسقه الكاتب "كمال زاخر" فى كل كتاباته يذكر بفكر قداسته الإصلاحى ويناشده تحقيق حلم التعامل مع الواقع، وإخراج أوراقه القديمة لتطبيق الصالح مع العصر من أفكارها، والتى كنا نرى كجماعة تماهيها وتقاربها الموضوعى إلى حد كبير مع توصيات مؤتمرات "التيار العلمانى" وكتابات وأبحاث رجاله ومتخصصيه..
ومع بداية حبرية قداسة البابا تواضروس الثاني، كان له تصريحات رائعة، لعل أهمها ما يتعلق بقضايا تطوير التعليم وترتيب البيت الكنسى من الداخل، وتنظيم الأداء الإعلامي.. هللنا وفرحنا، وكنت أول من كتب مرحباً بمقالات ومقابلات إعلامية بدت بمثابة معلقات مديح وتفاخر واعتزاز وتفاؤل بمستقبل تلك المؤسسة العملاقة فى ظل رعايته..
أما ماحدث بعد ذلك، فقد أوجزه نيافة البطريرك فى تصريح تليفزيونى " لقد حدث تقدم نسبى فى اتجاه تحقيق التطوير فى العام الأول بنسبة ٥٪، وتراجعت النسبة إلى ٤٪ فى العام الثاني.."
لقد تراجعت فكرة فتح أبواب الكاتدرائية والمكتب البطريركى لمجالسة أصحاب الرأي، إلى حد تصريح قداسته لجريدة اليوم السابع: "لقد كثر اللغط حول ملف الأحوال الشخصية والكنيسة عاوزة تريح ولادها فى هذا الملف، فالكنيسة تفكر فى كل صغيرة وكبيرة ولا تحتاج نصيحة من أحد.." !!!
على مدى أكثر من عامين لا إشارات جادة نحو معالجات إيجابية وفاعلة غير تلك المواجهات السلبية غير الحكيمة مع أصحاب مشاكل تطبيقات قوانين ولوائح الأحوال الشخصية، ففضلاً عن البطء البشع فى أمر الفصل فى قضاياهم، تم إطلاق كلاب الحراسة على بعضهم، وتسليم البعض منهم إلى أقرب قسم شرطة (مع إنهم تقريباً من أبناء الكنيسة!!)، وفى حالة أخرى عندما تصرخ سيدة ليصل صوتها إلى قداسته أثناء عظته الأسبوعية يتم إخراجها، وبالمرة إخراج العظة من مقرها الرئيسى بدلاً من المواجهة الرعوية، وفتح المزيد من المنافذ لمجالسة الرعية فى الزمن الأصعب، نعم كان قرار انتقال العظة إلى العديد من الكنائس من بين أهم طلبات الناس فى أن يروا راعيهم الأكبر، ولكن توقيت القرار وتنفيذه الاضطراري، أراها حكاية مالهاش دعوة بحكمة القرار الإدارى فى اختيار توقيت إصداره !!!
أما قول قداسته لصحفية اليوم السابع: "لقد كثر اللغط حول ملف الأحوال الشخصية والكنيسة عاوزة تريح ولادها فى هذا الملف، فالكنيسة تفكر فى كل صغيرة وكبيرة ولا تحتاج نصيحة من أحد" فهو كلام يتقارب مع كلام تصريحات بعض وزراء زمن التوهان، من حيث افتقاد البعد السياسى وغياب الحس الإدارى النموذجي، فضلاً عن ابتعاد الجانب الروحى والرعوى بما يضعه من حواجز إضافية بينه وبين كل صاحب رأى إصلاحي، فالكنيسة لاتحتاج نصيحة أحد..
قداسة البابا هل لى أن أسأل وانتظر الإجابة من إدارة كنيستنا العتيدة..
لماذا لا تعتذر الكنيسة عن تصريحات أساقفة وكهنة، ولماذا لم يتم محاسبتهم كبرهان وأمارة على النية فى الإصلاح.. مثل قول أحدهم "حزب النور تيار وطنى حتى النخاع"، "أنا أحترم ممثلى السلفيين بصفة عامة رغم أنهم متشددون جداً دينياً، ورغم نظرتهم للمسيحيين نظرة دونية ولكن أحترم فى السلفى وطنيته فهو لا يخون وطنه كغيره، "، وقول آخر "نعم، الكنيسة تمثل الأقباط سياسياً"، وقول ثالث "لاينبغى للمسيحى معاشرة زوجته طوال فترات الصيام التى تبلغ ٢١٧ يوما إلا بإذن من الكنيسة فى ظروف تراها تسمح"، وقول رابع " على الشباب الراغب فى التظاهر أمام الكاتدرائية التقدم بمطالبه بشكل متحضر"!!
كان لدينا فى الكنيسة التيار الإصلاحى الرائع "التيار العلماني"، واستطاعت إدارة الكنيسة فى الفترة الأخيرة ضم رجالاته إلى يمينها الدافئ، وعليه كانت تصريحات منسق التيار تعليقاً على حديث قداسته ما يتطلب أن نتحاور حولها كمواطنين، باعتبار الكنيسة مؤسسة من مؤسسات الدولة الكبيرة والعتيدة والأعرق..
أما ما أحزنني، هو تعليق شاب على حوار بينى وبين آخر، تعلم فى مدارس الأحد الذهاب بسرعة لمهاجمة أى حديث للإصلاح قد يساهم فى تطوير أداء الإدارة الكنسية بقوله "الإصلاح فقط يكمن فى شريعة الكمال التى هى مصدر الإصلاح للنفوس"، يقصد أننا قد بعدنا عن تعاليم الكتاب المقدس، فقد علموهم أن المسيحية تقتصر على البابا والكنيسة والإكليروس، وعليه لا قبول لنصائح ولا اجتهادات من أبناء الكنيسة أو من أى أحد !!!