ونحن على أعتاب فترة رئاسية توشك على الانتهاء للرئيس عبدالفتاح السيسي، وأملا منا أن يكون قد اتخذ قرارا بترشيح نفسه لفترة رئاسية جديدة تبدأ فى العام ٢٠١٨ إن شاء الله، ننحاز لهذا الأمل وتلك الرغبة ليس فقط لأن الرئيس السيسى استطاع بمهارة وجهد خارق، أن يقود سفينة الوطن وسط لحظة خطر داهم اعترت مصر والإقليم برمته قيادة آمنة، مكنت لها أن تنجو من الكثير مما كان من الممكن الانزلاق إليه، وانعكس ذلك على إقليمنا العربى بالصورة التى دفعت بالمشهد لمحاولات عدة للإمساك بمفاتيح النجاة وتصحيح الأوضاع.
وإن كانت هذه المهمة وما تم فيها من الرئاسة والقيادة المصرية ثمينًا وله فى عقول وقلوب الكثيرين تقدير بالغ، لكن مراهنة المستقبل القريب تظل استنادا إلى أن الرجل يمتلك مشروعا وطنيا متكاملا اقتحم وأنجز العديد من ملفاته، وهناك غيرها تحتاج لمزيد من الجهد والوقت وترسيخ للمفاهيم والأساليب الجديدة، بطبيعة التراكم الكبير الذى لم يكن يرضى أحد بدليل اندلاع ثورتين فى ثلاثة أعوام، عاينهما الرئيس عبدالفتاح السيسى عن كثب واقترب من كل ما يدور فى عقول المصريين وطموحاتهم من أجل وطنهم ربما بأقرب مما اتيح لرئيس غيره. وعلى هذا الاقتراب المتبادل ما بين الشعب وطموحاته وما بين إرادة الرئيس الذى ولد قدرا من رحم كلا الثورتين، نضع رهان المستقبل ونحلم ونثق فى قدرتنا على الإنجاز، ونشير هنا لمجموعة من العناوين داخل الملف الأمنى نظنها هى الأولى بالرعاية وبذل الجهد فيها خلال المرحلة المقبلة، حتى يمكن الوصول عبرها إلى نيل ثقة المواطن وبناء منظومة حديثة مؤهلة لمجابهة التحديات، ربما ظل عنوان مكافحة الإرهاب متصدرا المشهد طوال السنوات الماضية واستطاع تحقيق نتائج إيجابية ملموسة، لكن تظل الخدمة الأمنية بمفهومها الشامل وتنوع مطالبها هى ما يؤرق بال المواطن، وما ينتظره خلال فترة ولاية قادمة للرئيس السيسى، حيث وضع على كاهله مهمة تلك الصياغات الجديدة، وقد يكون البدء فى العديد من تلك العناوين الآن حتى قبل الوصول للاستحقاق الانتخابي، سيعد حصادا وتتويجا لما تم إنجازه فى محاربة الإرهاب وعودة المشهد الأمنى والحياتى إلى ما يقارب حالته الطبيعية.
ينتظر الملف الأمني، أن يدخل عليه الكثير من الاستعانة بالتقنيات التكنولوجية والتى يمكنها أن تساهم فى تحقيق خدمة أمنية متميزة، بداية من الحلول الفنية لمشكلة المرور المزمنة بالمدن فى القاهرة العاصمة وغيرها من عواصم المحافظات، وهى المشكلة التى يتعامل معها الملايين يوميا باعتبار استخدام الطرق فى كافة الأنشطة العملية للمواطن، وإدخال تعديلات جذرية على الحالة المرورية للطرق والشوارع ستنعكس بالإيجاب على حالة العمل وكافة مناحى الاستثمار المنتظر. وهى قضية تبدو مؤجلة من دون مبرر مفهوم، والقائمون عليها يتحركون فى إدارتها وفق إمكانيات تقنية وتشريعية محدودة للغاية، فى الوقت الذى تولى كافة الدول اهتماما صارما بقضايا الطريق العام وتحسينه والرقابة عليه على مدار الساعة، باعتباره يمثل الشرايين المحركة لأى نشاط داخل تلك المدن وبينها وبين مثيلتها فى التنقلات والحركة التجارية وغيرها من الأنشطة المتنوعة. لذلك إدخال الحلول التكنولوجية بجوار فرض الرقابة الصارمة وسرعة التنفيذ والتواجد الفعال لرجال الأمن، سيعطى للطريق الرونق والتحسين الذى ينتظره المواطن وسينقل طبيعة الحياة لشكل حضارى طال انتظاره، لاستقبال السياحة والاستثمار الخارجى بصورة مريحة آمنة، وحتى لا تكون الشكوى من الطرق والمرور دوما على رأس ملحوظات وتعليقات الزائرين لشوارعنا وطرقنا التى تحتاج لعمل كثير متنوع المسارات.
مسارات العمل الأمنى فى مجال تطوير الأداء الخاص بالطرق والشوارع، أظنه سيشمل مراجعة كاملة لحالة الأرصفة والإشغالات التى تحرم المشاة من استخدامها بالصورة الطبيعية، وسيمتد ليتناول عدد سيارات الأجرة والنقل الخاص التى تضخمت أعدادها بصورة فاقت قدرة الشوارع والطرق على استيعابها، وصارت الشوارع والمحاور وكافة مرافق السير فى حالة اختناق مستديم تحت وطأة هذا التكدس غير المطلوب، حيث أصبح ترخيص سيرها يتم بصورة تلقائية وعشوائية دون ربطها بخطة محكمة لعملية النقل المتكاملة فى المدن المصرية. وهذا يمتد أيضا ليشمل ملف غاية فى الأهمية يتعلق بعملية الرقابة على جودة الخدمة المقدمة للمواطن عبر تلك الوسائل للنقل، والقيود الصارمة والإيقاف الزمنى عن العمل والوصول لحد إلغاء ترخيص مزاولة النشاط، هو مما تحرص عليه الدول التى تستهدف راحة المواطن ولا تتركه فريسة لاستغلال مادى أو لرداءة الخدمة التى تؤثر عليه بالسلب الفادح فيما يشعر به تجاه الدولة. لذلك تطويرا كبيرا وشاملا على شرطة النقل والمواصلات والتوسع فى صلاحياتها وإمكانياتها، هو مما يعطى ملمحا بارزا على أجندة تطوير العمل الأمنى الذى يستهدف راحة ورضا المواطن بصورة واسعة، بالنظر إلى هذا المرفق الذى يخدم عشرات الملايين يوميا فضلا عن زائرى الدولة من الجنسيات الأخرى.
طال انتظار المواطن لعملية تطوير جذرية تتم داخل أقسام الشرطة، وأنظمة العمل بها التى من المفترض أن هدفها الرئيسى هو تقديم خدمة أمن للمواطن داخل دائرة جغرافية معينة، تحدد صلاحيات العمل لقوة القسم البشرية والإمكانات الفنية المساعدة لهم من أجل ضبط الإيقاع الأمنى داخل هذه المساحة الجغرافية. ربما هناك بعض من التحسينات قد تم إدخالها على منظومة العمل الأمنى خلال الأعوام القليلة الماضية، لكن تغييرا جذريا بأفكار وتقسيم إدارى جديد يتجاوب ويلبى احتياجات المواطن ويضبط الحالة الأمنية بصورتها الكلية، لازالت بعيدة ولم يتم اقتحامها حتى الآن لضعف الإمكانات البشرية بداية ولصورة إدارتها النمطية التى تكبل حركتها لحد كبير. وهذا القسم تحديدا من العمل الأمنى يعد مصدرا دائما للشكوى فيما لا يجد المواطن فيه ما يرضيه من جودة تقديم خدمة حقيقية، والعمل من خلال الجهاز الأمنى على خطة تطوير وتحديث شاملة لنشاط البحث الجنائى والتواجد الفعال فى الشارع من خلال تقنيات حديثة وحاضرة على مدار الساعة، من الممكن أن تنقل الانطباعات السلبية الكثيرة إلى أفق إيجابى واسع يعيد قدر مطلوب من الثقة للجهاز المباشر الذى يمثل الدولة. ربما يحتاج هذا الجزء من العمل الأمنى الكثير من الخدمات المعاونة التى تساهم بصورة كبيرة فى تحقيق المطلوب والمستهدف تحقيقه بدوائر أقسام الشرطة، مثل التوسع فى خدمات النجدة التليفونية التى يفترض جاهزيتها للانتقال والتفاعل المباشر والسريع مع أى من وقائع الاختلالات الأمنية، ومثيلها من خدمات الإطفاء والإنقاذ وهى جميعها من إدارات العمل الأمنى التى تقدم للمواطن خدمات ثمينة ومباشرة وفى لحظات حرجة، مما يجعل مردودها واسع الإيجابية ويخلق مساحات هائلة من الثقة والرضا لدى المواطن فى أجهزة دولته الحاضرة والفاعلة.
وبخصوص تناول الجزء الذى يتعلق بتقديم نشاط أمنى خدمى للمواطن، وهو شق كبير فى العمل الأمنى ومردوداته هائلة بالنظر أيضا إلى أعداد المواطنين الذين يتعاملون معه يوميا، والمقصود بذلك على سبيل المثال وحدات ترخيص السيارات وخدمات السجل المدنى ومكاتب إصدار وثائق السفر وغيرها مما يشابهها، هذه الوحدات الخدمية دخل عليها تطويرا هائلا باستحداث الخدمات الرقمية بها لكنها لازالت دون طموحاتنا، ربما فى البعض منها له علاقة بالتكدس والأعداد الكبيرة من المواطنين الذين يترددون عليها يوميا، لكن العمل على تطويرها وتمويل إنشاء أقسام جديدة منها، تسهم فى النزول بأعداد المستخدمين للأرقام التى تمكن تلك الأقسام من استحداث أنظمة جودة فى تقديم الخدمة، يجعلها أقرب للعمل بالطريقة التى يطمح إليها المواطن والقائم على الخدمة على السواء. وفى هذا تسهيل الإجراءات وميكنة كافة خطوات التعامل يحطم أصنام البيروقراطية والفساد التى يواجهها المواطن من دون حيلة لديه، وبطبيعة الأخطاء والقصور البشرى المتوقع والذى سيخضع حينها لرقابة صارمة تضبط إيقاع تقديم الخدمة كى تحصد الأثر الإيجابى المستهدف.
بذكر الشق الرقابى المطلوب فى العمل الأمني، يجب لفت الانتباه إلى أن أنجح النشاطات التى حظيت بتقدير بالغ لدى الرأى العام، تمثلت فى متابعته لنشاط جهاز الرقابة الإدارية وهو يخوض حربه الواسعة ضد مكامن الفساد، وبالنظر إلى أجهزة وزارة الداخلية المتخصصة فى النشاط الرقابى يجب صياغة منظومة عمل جديدة ومتكاملة لنشاطها المستقبلي. فوضع إطار جديد لمهامها المستقبلية ربما يستلزم تكليفها بمساحات أوسع للعمل الرقابى الذى شحب كثيرا خلال السنوات الأخيرة، وسيكون ذلك عبر تزويدها بالكوادر المؤهلة لهذا العمل الدقيق، والذى يستلزم احترافية ودرجة عالية من الخبرة والعلم بطبيعة نشاطات العمل المكلف به العناصر الرقابية، وقد يحتاج الأمر إلى استحداث تشريعى وفرض عقوبات وروادع أكثر استجابه مع تطور أشكال الفساد والتخاذل الذى يواجهها المواطن فى مناحى مختلفة من المعاملات، وفى هذا التباطؤ لا يصب فى صالح أحد بل الاقتحام الفورى وتزويد تلك الأجهزة بما تحتاجه لتحقيق الأهداف المطلوبة، هذا يضع النظام فى منطقة مريحة من الثقة لدى الرأى العام الداخلى والعالمى، وهذا رصيد ثمين تنعكس آثاره الإيجابية فى العديد من مناحى الرضا والتفاؤل والثقة، التى هى المستهدف الأول من هذا العمل الأمنى الرقابى المكافح لأوجه الفساد المتنوعة.
قد تكون تلك العناوين هى الأكثر إلحاحا، وهى ما دار الحديث بشأنها كثيرا فى الفترة الماضية بين قطاعات عريضة من الرأى العام، باعتبار تماسها المباشر معه يوميا. حيث سيمثل تطويرها بالغ الأثر فى طبيعة ممارسة المواطن لحياته، فضلا أن اقتحام تلك المنظومات وبذل جهد التحديث فيها، له مردودات واسعة فى إطار خطط الدولة الكلية التى تسابق الزمن كى تعوض الكثير مما فاتها.