السبت 18 مايو 2024

رضا الشعب أولا هل أفسد وزير عصر مبارك العلاقة بين الفقراء والدولة؟!

15-3-2017 | 13:54

بقلم –  أ.د نادر نور الدين محمد

لا شك أن أزمة الخبز التى اجتاحت ثمانى محافظات أحدثت شرخا عميقا بين الفقراء وبين الدولة، كما أحدثت حالة من فقدان الثقة اللانهائية والتى قد لا تندمل أبدا وأصبح الفقراء يشعرون بأنهم مستهدفون وأنهم فقط من سيتحملون فاتورة الإصلاح الاقتصادي، أما الأغنياء ورجال الأعمال وأصحاب المصانع والتجار فلهم القربى والطلبات المجابة وحرية التهام الفقراء لحما وعظما.

كان أولى بالوزير على المصيلحى والذى لم يمر على تسلمه مهام وزارته للمرة الثانية إلا ثلاثة أسابيع فقط ليصدر قرار بتقليص مستحقات كروت المخابز الذهبية وكأنه جاء متنمرا على الدعم وتقليصه؛ لأن فكر الرجل الذى عايشته فى الوزارة التى عملت بها قبله مع الوزير السابق له أن الوزير المصيلحى مهموم دوما بإثبات أنه رجل الحكومة المخلص والمهموم دوما بحقوق الدولة ولا يعنيه بأى حال من الأحوال الفقراء ومستحقاتهم، كما لا يعنيه أبدا رضاء الشعب عنه قدر ما يعنيه دوما رضا الحكومة مع إن عمله من أجل الشعب هو أيضا من أجل الدولة وأن رضاء الناس عن أداء الحكومة هو الهدف الأعظم لأى مسئول؛ بل إن الرضاء العام عن أداء الحكومة هو وحده من يحدد بقاءها من رحيلها.

دعونا نذكر أن أزمة الخبز الحالية لم تكن الأولى وكأن الرجل متخصص فى أزمات الخبز، فعندما كان على المصيلحى وزيرا للتموين فى عهد مبارك وأظن فى عام ٢٠٠٧/ ٢٠٠٨ قرر فجأة تقليص حصص المخابز من الدقيق وبنفس الظن الحالى وباتهامات من دون دليل بأن المخابز تبيع جزءا من حصتها من الدقيق المدعم فى السوق السوداء وتتربح منها وقت أن كانت تتسلم أجولة الدقيق بسعر رمزى من أجل إنتاج الخبز المدعم، تسبب هذا الأمر فى زحام شديد وطويل ومشاجرات أمام المخابز أدى إلى وفاة نحو أربعة فقراء أثناء صراعهم من أجل الحصول على الرغيف، بما تسبب فى فضيحة إعلامية سميت بفضيحة شهداء الخبز فى الفضائيات قادتها قناة الجزيرة وتسببت فى تصنيف مصر بأنها من الدول التى شهدت أحداث عنف بسبب أزمة ارتفاع أسعار الغذاء عامى ٢٠٠٧/٢٠٠٨، ووقتها قام الرئيس مبارك بسحب اختصاصات وزير التموين فى الدقيق ومواصفات الرغيف ووزنه وإنتاجه وأسنده إلى المحافظين كل فى محافظته بعد أن قال له عبارة لوم شديدة الصعوبة أمام الكاميرات وأمام الإعلاميين، ولعل الدكتور على يتذكرها بما يعكس أن الوزير الحالى إما أنه غير محظوظ مع منظومة الخبز وينبغى أن يبتعد عنها، أو أنه لا يحسن تقدير خطورة واستراتيجية الرغيف عند الفقراء التى يمكن أن تزلزل الأرض تحت أقدام كل المسئولين فى الدولة وأن غضبة الفقراء مهلكة وأن فقدان ثقة الفقراء فى الدولة وفى الحكومة من النوع غير العكسى، وإذا حدثت فإنها تكون نهائية مهما فعلنا بعد ذلك لإرضائهم وأن المتسبب فيها يكون قد انتهى فعليا لدى الشعب ولدى السلطة وعليه أن ينتظر قرار الخروج.

كنت أتوقع من وزير قضى نحو ست سنوات فى وزارة التموين فى السابق (وكان هذا حدا أدنى لبقاء الوزير فى حكومات مبارك وهناك وزراء استمروا ٢٣ عاما) أن يكون أكثر خبرة وأكثر حكمة فى التعامل مع القضايا الحساسة مع حُسن تقدير الأمور ودراسة تداعيات القرار جيدا قبل صدوره وتوقع ردود الأفعال لا أن يتخذ القرار ثم ينظر فى تداعياته ومشكلاته محاولا حلها لأن الناس ستقول ببساطة «ماكان من الأول» أى أن الإجراءات ينبغى أن تسبق القرار وليس العكس أبدا، بالتالى كنت أتوقع أن يبدأ الوزير على المصيلحى ولايته الثانية بوزارة التموين ببناء الثقة مع الشعب وليس مع الحكومة وأن يقدم نفسه جيدا وينال رضاء الغالبية بالعمل أولا على خفض أسعار السلع الغذائية والاستراتيجية المستعرة والمتروكة تماما للتجار وجشعهم دون تدخل من الدولة، وأن يقوم بطرح كميات كبيرة من السكر والزيت والأرز والعدس والفول والمكرونة فى المجمعات التعاونية وعددها ٣٥٠٠ مجمع ومشروع جمعيتى، الذى يقارب على ألفى فرع والبقالين التموينيين وعددهم يقارب ستة آلاف بقال تموينى وبأسعار مخفضة نتيجة لاستيراد هيئة السلع التموينية لها بأسعارها المنهارة عالميا، وبما يضطر التجار إلى تخفيض أسعارهم المنفلتة والتى فاقت احتمال الغالبية الغالبة من الشعب المصرى وتسببت فى حالة نقم عامة وكراهية وانفلات من الفقراء أمام الكاميرات، فرأينا من تشق هدومها حزنا وغضبا ورأينا من يشعل النار فى نفسه ورأينا من يغضب ويفقد أعصابه أمام الكاميرات، وكان من الأولى العناية بهؤلاء بحوكمة الأسواق والسيطرة عليها والسعى للحصول على رضاهم وتخفيف الأعباء عنهم.

كنت أتصور أن يكون من ثانى أولويات وزير التموين والذى لم يمضِ شهر على ولايته منذ ١٧ فبراير الماضى فى الحكومة التى أطلق عليها “حكومة الفلانتين”؛ حيث تم إعلان الأسماء فى ١٤ فبراير وحلفوا اليمين فى ١٧ فبراير، كنت أتصور أن يقوم بتوفير الأرز والسكر على البطاقات التموينية، التى مر عام كامل على عدم صرفهم للأرز، بما أدى إلى حد مهزلة اقتحام معرض سلع رمضان الماضى فى وجود رئيس الوزراء ووزير التموين، ثم توفير سلعة السكر والتى مر على أزمتها ستة أشهر كاملة، ولم تصرف أيضا على بطاقات التموين، وبالتالى كنت أظن أنه سيأخذ بما جاء فى أحاديثنا التلفزيونية والصحافية بالرجوع إلى قائمة السلع الأساسية التى تصرف على البطاقات التموينية وتضم الأرز والسكر وزيت الطعام والمكرونة والعدس والفول والابتعاد عن سلع خالد حنفى من البامبرز ومساحيق الغسيل الأتوماتيك والتونة المفتتة والمربى وغيرها من السلع الهامشية التى تروج منتجات التجار على حساب الفقراء، وكأن الدولة قد وضعت للفقير مبلغ ٢٢ جنيها على بطاقة التموين ولكن ليصرف بها ما تجود به الحكومة عليه وأن يأخذ وهو ساكت صامت ما يصرف له دون اعتراض.

كنت أظن أن يلجأ الوزير فى ثالث أولوياته إلى تحسين مواصفات رغيف الخبز وزنا ولونا وقطرا واستدارة حتى يشعر الفقراء بأن هناك من يهتم بهم، وهذا الأمر لن يحدث دون علاقات جيدة مع المخابز ومع المطاحن بدلا من الصدام بهما وقبل أن يتخذوا طريق العوّج على الوزير فهو لن يستطيع أن يعاقب جميع الأفران ولا أن يغلق جميع المطاحن ولكن الحكمة واجبة وشعار شعرة معاوية التى ينبغى الحفاظ عليها معهم، حتى لا تقطع أبدا فإذا شدوها أرخيتها وإذا شددت أرخوها.

كان لابد للوزير أن يدرك جيدا أن وزير التموين الأسبق قد وضع منظومة شديدة الخبث وويل لكل من يحاول أن يقترب منها؛ لأنه إما أن يصطدم بالشعب من جهة وإما أن يصطدم بالأفران وأتباعهم وذويهم من الجهة الأخرى؛ ولكن للأسف بدأ الوزير على المصيلحى عمله غير مدرك لهذا الخبث وحكمة التعامل معه، فقام بعمل تسريبات عفا الزمن على أسلوبها بغرض جس نبض الشارع فأثار قلقا وتربصا وانتظارا من الفقراء؛ حيث تم التسريب بأن الوزارة تفكر فى خفض مستحقات الفرد من الخبز إلى ثلاثة أرغفة فقط بدلا من خمسة وأنها تفكر أيضا فى إلغاء نقاط الخبز لتوفير ٦ مليارات جنيه من دعم الغذاء للدولة بما يوضح أن الرجل جاء الوزارة وعينه على الدعم فقط وتوفيره وصالح الدولة، أما صالح المواطن فليس على خاطره ولا فى حساباته فلا ضبط للأسعار ولا توفير لمستلزمات ولا تحسين لحالة الرغيف؛ لأن الرجل قدم للعمل لصالح الحكومة وليس لصالح الشعب وقد فصل تماما بين صالح الفقراء وبين صالح الحكومة فاختار الأولى فقط ودون الحاجة إلى بناء الثقة أو كسب حب الفقراء أو العمل لصالحهم، بالإضافة إلى ذلك فقد أخطأ الوزير فى حق أصحاب المخابز دون دليل أو برهان أو بينة واتهمهم صراحة بالفساد وسرقة مخصصات الكارت الذهبى، ولو كان الأمر صحيحا فلماذا لم يتقدم ببلاغ إلى النائب العام وإلى النيابة وطالب بمحاكمتهم وبالتالى فلا اتهامات تصدر من مسئول دون بينة ودليل دامغ وإلا وقع تحت طائلة القانون أولا وضد طائلة الكراهية ثانية، وبالمثل فهو يتهم الوزير الأسبق صاحب منظومة الخبز بالفساد ودون دليل وعليه أن يتقدم ضده ببلاغات للنيابة بتهم الفساد والإفساد. بعد ذلك انقلب الوزير على الصحافة وخص بالذكر صحيفتين يوميتين من أصحاب التوزيع الكبير ويحملان ثقة القارئ واتهمهما بتسريب أخبار تخفيض الدعم ونقاط الخبز بالإضافة إلى تنقية البطاقات وحذف نحو ٢١ مليون مصرى من المقيدين على بطاقات دعم الخبز وبطاقات السلع التموينية، وهو أمر غير منكور وصرح به الوزير السابق والعديد من الجهات السيادية وهو حق لا يخشى منه؛ لأن الحذف سيشمل غير الفقراء وينحصر فى الأغنياء فقط فليس هناك معنى أن تصرف معونات غذائية لأساتذة الجامعات ورجال القضاء والنيابة وضباط الشرطة والجيش والدبلوماسيين وأصحاب الشقق التمليك الحديثة الشراء والمحال التجارية غير المؤجرة والمشتراة وغير الموروثة وأصحاب السيارات الفارهة الجديدة ودرجات مديرى العموم ووكلاء الوزارة وكبار رجال الصحافة والإعلام والفضائيات وأصحاب العيادات، وكنت أود من الوزير أن يعلن أن هذه الفئات التى ستحذف لن تكون لصالح الدولة فقط ولكن لصالح القرى الألف الأكثر فقرا فى محافظات الصعيد أسيوط وسوهاج وقنا وأسوان؛ لأن الفقراء هناك يستحقون مضاعفة الدعم، وأنهم سيصرفون ضعف ما يصرفه أمثالهم فى محافظات القاهرة والإسكندرية والدلتا وبهذا يظهر العامل الإنسانى للدولة وتكون الكفالة والحماية الاجتماعية حاضرة؛ ولكن هذا الفكر لم يخطر ببال رجل الحكومة الذى كنت أفضل له أن يكون رجل الفقراء.

وبعدما يتم الوزير كل السابق من بناء الثقة مع الفقراء كان عليه بعد ذلك وليس قبله أن يطلب حصرا كاملا بعدد مستخدمى البطاقات الورقية فى كل محافظة وطريقة صرفهم لمستحقاتهم من الخبز ومن السلع التموينية، ثم يطالب منهم جميعا بسرعة التوجه إلى مكاتب التموين فى جميع المحافظات لتسليم البطاقات الورقية واستبدالها بالكروت الذكية والتى ستصرف خلال أسبوع أو أسبوعين ويعطيهم مهلة شهرا لإتمام الأمر على أن يتسلموا أذون صرف ورقية بديلة إلى حين صدور الكروت الذكية الجديدة وتحمل فترة محددة لصرف المستحقات من الخبز والسلع التموينية وتنتهى صلاحية هذه البطاقات الورقية الجديدة أو الكوبونات خلال أسبوعين فقط أو الفترة التى تراها الوزارة كافية لاستخراج الكروت الذكية المستديمة وحتى لا يتأثر الفقراء بعدم صرف المستحقات خلال فترة استبدالها. للأسف الشديد لم يحدث أى من هذا وقرر الرجل الدخول فى منظومة الخبز دون أى استعداد وأن يصدر القرار أولا ثم يتخذ الإجراءات لاحقا فى خطأ فادح، ثم ينزلق إلى المزيد من الخطأ بأن يعلن بأنه “سعيد”؛ لأن الفقراء لم يصرفوا الخبز فى ثمانى محافظات طوال يومين لكى يستمعوا إلى سيادته وليشجيهم بوصلاته الكلامية، ففى خلال المؤتمر الصحفى اتبع الوزير أسلوب «المدبوليزم» المعروف وهو استخدام المبالغة فى الأداء الجسدى والكلامى التمثيلي، فبدأ فى وصلة تمثيلية غير مسبوقة ولا تليق بوزير حيث أخذ يشرح مبيقات الكروت الذهبية فيقول إن هناك كروتا تسمح للفرن بصرف ٥٠٠ رغيف وكروتا بألف رغيف وكروتا بألف وخمسمائة وكروتا بألفين وكروتا بألفين وخمسمائة وكروتا بثلاثة آلاف وهنا تتجلى المدبوليزم قائلا .. لسة فيكم نفس تعدوا ورايا .. طيب وكروت بثلاثة وخمسمائة وكروت بأربعة آلاف وكرت بأربعة وخمسمائة . لسة فيكم نفس كمان ؟؟؟! وكروت بخمسة آلاف وكروت بستة آلاف؟! هل رأيتم مشهدا تمثيليا مثل ذلك يمكن أن يصدر من أى وزير وليس وزيرا فى عمر على المصيلحي؟! فهل استفاد الصحفيون من هذا المشهد التمثيلى الذى لم يعكس إلا مبالغة الوزير وعدم ثقته فى نفسه محاولا تبرير القرار الخاطئ الذى كاد يشعل مصر كلها فى ظل وجود المتربصين والشماتين والقنوات المعادية!؟ هل حضرتك متخصص فى أزمات الخبز القاتلة وتداعياتها؟! هل شعر الفقراء يوما بأن الوزير على المصيلحى مهموم بهم مثلما هو مهموم بالدولة؟! هل جنى أى فقير ثمار دعم الغذاء فى أى عهد من ولايات سيادته وزيرا؟!.

مازلت على يقين وأقول وأكرر بأن التموين تخصص دقيق ولا يدرى به المهندسون وخريجو كليات الفنية العسكرية ولا رجال القوات المسلحة مع كل احترامى لهم جميعا ولكنه دراسة لأسواق التجزئة وعمل الأفران والمطاحن ودراية بدراسات الفقر والجوع وحدودها ودعم الغذاء وبورصات الغذاء العالمية وتجارة السلع التموينية والدول المصدرة لكل سلعة ونصيب الفرد وحدود واحتياجات الفرد من كل سلعة وظهور أمراض سوء التغذية وإنتاجنا الزراعى من الغذاء وحجم الفجوة الغذائية ثم فى النهاية الدراية بالصوامع وتخزين الحبوب وشروطها ومبيداتها ثم علوم القمح والعدس والفول والأرز وزيوت الطعام والسكر وبدائل الخبز وبدائل الأرز والبقول وهم كما ترون جميعها تخصصات زراعية وبالتالى فلا عجب أن أنجح وزراء التموين من قبل هم الزراعيون أمثال الدكتور أحمد جويلى وأحمد نوح وحسن خضر وغيرهم وغيرهم.

التموين علم وحكمة وسياسة ورؤية وتروى وحسابات دقيقة؛ لأن وزير التموين مسئول عن إطعام شعب بحجم ٩٢ مليون مصرى فقراء وأغنياء، كما أنه مسئول كليا عن فقراء قد يتجاوزون نصف عدد سكان مصر وأن جميع عمليات العنف فى الدول النامية والفقيرة قامت بسبب إما ارتفاع أسعار الغذاء أو أسعار الوقود أو كليهما أو خفض دعم الغذاء، ولا ننسى فى النهاية أن نذكر بأن توقيت اتخاذ القرار هو نصف نجاحه وأن قرار اللعب فى الخبز فى وقت ارتفاع وانفلات الأسعار وزيادة نسبة الفقر ونسبة البطالة ووصول نسبة التضخم إلى أعلى نسب لها فى تاريخ مصر كان قرارا خاطئا أفقد الشعب الثقة فى الدولة وتسبب فى تراجع شعبية الحكومة إلى الحضيض مع إحساس بتربص متبادل من الشعب ومن الحكومة.

 

    الاكثر قراءة