الخميس 4 يوليو 2024

الانتخابات البلدية في تونس.. خطوة أخرى على طريق التحول الديمقراطي الطويل

7-5-2018 | 11:20

بغض النظر عن نتائجها ونسبة المشاركة فيها، فإن إجراء الانتخابات البلدية في تونس هو إنجاز سياسي مهم في حد ذاته، وخطوة أخرى على مسار التحول الديمقراطي الطويل والشاق الذي تعيشه تونس منذ 7 سنوات..إذ يرى المراقبون أن انتخابات المجالس البلدية ستعزز عملية الانتقال الديمقراطي في البلاد من خلال إخضاع السلطات المحلية للمحاسبة والمساءلة من قبل ممثلي هذه المجالس، كما أنها ستسهم في دفع عملية التحول لنظام اللامركزية في تونس بعد عقود من سيطرة الحكومة المركزية على سلطة القرار.

وينص الدستور التونسي الحالي على تكريس لامركزية السلطة في البلاد، وهو أحد المطالب التي رفعتها الثورة التونسية التي انطلقت في الأساس من المناطق الفقيرة والنائية، ومن المنتظر أن تتولى المجالس البلدية المنتخبة مسؤولية شؤون البلديات والتي كان يشرف عليها مسئولون معنيون من جانب الحكومة منذ عام 2011.

وكان مجلس النواب التونسي قد أقر في شهر أبريل الماضي قانون المحليات أو ما يعرف بالجماعات المحلية، والذي يمنح البلديات لأول مرة صلاحيات واسعة وقدرا كبيرا من الاستقلالية في إدارة شؤون المناطق المحلية .

قد جاءت الانتخابات البلدية التونسية بعد ولادة عسيرة لأسباب عديدة منها إدارية تارة لوجستية إلى جانب الخلاف بين القوى السياسية التونسية أدت لتأجيلها أكثر من مرة، قبل أن يتم الاتفاق في النهاية على أن تكون في 6 مايو 2018، كما أنها أتت في ظل أوضاع اقتصادية واجتماعية صعبة ألقت بظلالها على الأحوال المعيشية للتونسيين.

ليس أدل على صعوبة الظرفين السياسي والاقتصادي اللذين جرى فيهما هذا الاستحقاق الانتخابي، أكثر من الانخفاض اللافت في نسبة المشاركة في هذه الانتخابات فمقارنة بالانتخابات البرلمانية التي شهدتها تونس عام 2014 وبلغت نسبة المشاركة فيها 69%، فإن هذه النسبة في الانتخابات البلدية كانت أقل من 34% من إجمالي الناخبين التونسيين المسجلين في كشوف الانتخابات، والذين يزيد عددهم على 5 ملايين ناخب، حسب الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس، صحيح أن ثمة فارقا جوهريا وكبيرا بين الانتخابات البرلمانية والبلدية لكن التفاوت الكبير بين نسبة المشاركة في الحالتين لايخلو من دلالات سياسية مهمة.


كما شهدت الانتخابات البلدية، وهي أول انتخابات للمجالس البلدية تجرى في تونس منذ الإطاحة بنظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، عزوفا لافتا من قبل الشباب عن المشاركة، وغاب عنها مشهد الطوابير الطويلة للناخبين، الذين كانوا في السابق يصطفون منذ ساعات الصباح الأولى انتظارا لفتح أبواب مراكز الاقتراع.


وعزا مراقبون ومحللون عزوف الشباب التونسي عن المشاركة في الانتخابات البلدية إلى خيبة الأمل التي تسيطر على قطاعات كبيرة من هذا الشباب، الذي كان وقود الثورة التونسية ، من حدوث تقدم اقتصادي أو تحسن في الأوضاع المعيشية، فبعد 7 سنوات على الثورة لا تبدو الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في تونس أفضل حالا مما كانت عليه عهد بن علي ، بل ربما ازدادت صعوبة وتدهورا حيث تعاني تونس ارتفاع معدلات التضخم والذي بلغت نسبته نحو 8%، بينما يبلغ معدل البطالة حاليا نحو 15%، في حين تتبنى الحكومة التونسية برنامجا اقتصاديا تقشفيا يهدف لتقليص الدعم ورفع الأسعار وهو ما تسبب في موجة من الاحتجاجات الاجتماعية في عدد من المدن التونسية ولاسيما الفقيرة منها. 


وتتهم بعض أحزاب المعارضة الحكومة الحالية بالفشل في معالجة العديد من الملفات الاجتماعية والاقتصادية الشائكة، وعدم الوفاء بالوعود الانتخابية الكثيرة التي قطعتها الأحزاب الفائزة في انتخابات 2014 على نفسها.


وفي ضوء ذلك فإن التحدي الأكبر أمام المجالس البلدية الجديدة في تونس، كما يرى محللون، هو تحقيق توقعات الناخبين فيما يتعلق بالارتقاء بمستوى الخدمات المقدمة للمواطنين في المناطق المحلية وخلق فرص عمل جديدة لمواجهة معدلات البطالة العالية وهو مايتطلب زيادة المخصصات المالية للبلديات، وهي مهمة صعبة في ظل سيطرة الحكومة المركزية على إعداد الموازنة العامة للدولة تحديد أوجه وبنود الإنفاق المالية المختلفة .

وبينما لم تعلن النتائج الرسمية بعد، استبق حزب حركة النهضة الإسلامي هذه النتائج ليعلن فوزه في الانتخابات البلدية متقدما على حزب "نداء تونس" الذي يتزعمه الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي، وحسب استطلاعات لرأي الناخبين بعد الإدلاء بالأصوات جاء حزب نداء تونس في المركز الثاني بفارق 5% عن حزب النهضة، ومن المتوقع إعلان النتائج الأولية لهذه الانتخابات في أجل أقصاه بعد غد الأربعاء، وبينما ستعلن النتائج النهائية بحلول يوم 13 يونيو المقبل.

وخاض المنافسة في هذه الانتخابات أكثر من 57 ألف مرشح غالبيتهم من الشباب والنساء، وذلك ضمن 2074 قائمة، منها 1055 قائمة حزبية و860 قائمة مستقلة، و159 قائمة ائتلافية تنافسوا للفوز بمقاعد المجالس البلدية وعددها 365 مجلسا بلديا موزعة على مختلف ولايات ومناطق تونس، ويبلغ عدد مقاعد هذه المجالس نحو 7340 مقعدا.


وشهدت هذه الانتخابات ولأول مرة تصويت أفراد أجهزة الأمن والجيش الذين أدلوا بأصواتهم في وقت سابق، حيث كانت السلطات التونسية في السابق تحظر على رجال الشرطة والجيش التصويت في الانتخابات باعتبار أن عليهم البقاء بعيداً تماماً عن الحياة السياسية، إلا أنه وفي المرحلة التي أعقبت ثورة 2011، صدر قانون جديد للانتخابات يجيز لرجال لأمن والجيش التصويت فقط في الانتخابات البلدية .


وبينما يأمل التونسيون، ولاسيما سكان المناطق النائية والمهمشة، في أن تساهم الانتخابات البلدية تعزيز دور مجالس البلديات في تحسين أوضاعهم ومستوى الخدمات المقدمة إليهم، يرى المتابعون للشأن التونسي أن هذه الانتخابات، وعلى ضوء النتائج الأولية، تبقى المشهد السياسي الراهن في تونس كما هو دون تغيير، لكنها قد تفرز جيلا جديدا من السياسيين ستكون له كلمته في الانتخابات التشريعية والرئاسية القادمة في عام 2019.