بدأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اليوم الإثنين رسميا ولاية رئاسية رابعة وصفت بالتاريخية حيث سيحتفظ بموقعه على رأس الكرملين حتى عام 2024، ولن يتمكن من الترشح لولاية خامسة ما لم يتم إدخال تعديل على الدستور.
واستبق بوتين ولايته الجديدة باتخاذ إجراءات ووضع أولويات تنموية تستهدف انتعاش المواطن الروسي اقتصاديا..متعهدا بالعمل جاهدا على إنعاش الاقتصاد الذي تراجع بشكل كبير بعدما فرض الغرب عقوبات على موسكو على خلفية ضمها لشبه جزيرة القرم وجراء انخفاض أسعار النفط عالميا في عام 2016.
وبموجب مراسم تنصيب بوتين رئيسا لروسيا الاتحادية في الكرملين وأدائه اليمين الدستورية أمام حشد كبير من المسئولين في الحكومة وأعضاء مجلسي الدوما والاتحاد ورجال الأعمال ورؤساء الطوائف الدينية وممثلي وسائل الإعلام والضيوف الأجانب ورجال الدين والعلم والثقافة والشخصيات الاجتماعية عملا بالمادة 82 من دستور الدولة، يكون قد تم تنصيبه لمرة رابعة وأخيرة ليكون محط أنظار العالم مرة أخرى بإصراره على بناء مساحات روسيا الشاسعة من بحر البلطيق إلى المحيط الهادئ وعمله على استعادة روسيا لمكانتها القديمة التي تحظى فيها باحترام العالم كدولة قوية.
والرئيس الروسي بوتين (66 عاما) - الذي أعيد انتخابه مرة أخرى في مارس الماضي - يعد أحد أكثر الشخصيات السياسية تأثيرا في تاريخ روسيا الحديث داخليا وخارجيا ، فهو شخصية قوية مرموقة وموهوبة سياسيا شكلته الأيام قاطعا شوطا طويلا منذ ظهوره على الساحة السياسية الروسية، وكان النجاح حليفه طوال مسيرته كرجل سياسة؛ ليصل الآن إلى قمة مجده السياسي حيث يحتفظ بمفاتيح الكرملين بصفته رئيس الدولة للمرة الرابعة.
درس بوتين الحقوق وبدأ مساره في أروقة أجهزة الأمن منتسبا إلى جهاز الاستخبارات السوفيتي (كي جي بي) وأصبح عميلا لها، ثم أصبح بعد سقوط الاتحاد السوفيتي مستشارا في العلاقات الخارجية لرئيس البلدية الليبرالي الجديد في سان بطرسبورج، وبعد ذلك واصل صعوده بسرعة متوليا مناصب رفيعة.
ففي عام 1996 استدعى إلى موسكو للعمل في الكرملين ، وفي 1998 عين على رأس جهاز الأمن الفيدرالي (اف اس بى وهو وريث كي جي بي) قبل أن يعينه بعد عام واحد الرئيس بوريس يلتسين رئيسا للوزراء حيث كان يبحث عن خليفة له قادر على ضمان أمنه بعد تقاعده.
وفي 1999 أعلن يلتسين في ليلة رأس السنة استقالته وتعيين بوتين رئيسا لروسيا بالوكالة .. وفي شهر مارس عام 2000 تم انتخاب بوتين رئيسا للبلاد وأعيد انتخابه للمرة الثانية في عام 2004 وللمرة الثالثة في عام 2012 بعد أن عمل أربعة أعوام رئيسا للحكومة خلال فترة رئاسة دميتري مدفيديف.
وعلى مدى ثلاث فترات رئاسية .. نجح بوتين في تحقيق إنجازات عديدة لروسيا من أهمها إخراجها من حالة الارتباك السياسي والاقتصادي ومن حالة الفوضى التي سادت البلاد بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في أوائل التسعينات إلى جانب تحقيق الأمن والاستقرار وتشكيل إدارة ومركز قويين لروسيا استطاع من خلالهما الحفاظ على وحدة أراضي روسيا والعمل على رفع فعالية الاقتصاد ومستوى معيشة المواطنين؛ لتصبح روسيا حاليا واحدة من أكبر 10 اقتصادات في العالم وذلك قبل فرض الغرب عقوبات اقتصادية عليها.
مؤسسة الرئاسة الروسية تحمل الكثير من عناصر السطوة على صنع القرار، حيث إن إعلان الحرب والسلام من أبرز الصلاحيات الواسعة التي يمنحها الدستور للرئيس الحائز على الأغلبية في اقتراع عام والذي كان يجرى كل أربع سنوات منذ تولي أول رئيس في روسيا المنصب (بوريس يلتسين) وحتى الانتخابات الرئاسية التي أجريت عام 2012 لتمنح الرئيس ولاية تمتد لست سنوات مع برلمان تتحدد دورته بخمس سنوات.
وتنسجم مؤسسة الرئاسة مع الذهنية الروسية ولا تثير جدلا إلا في أوساط الليبراليين وممثلي الطبقة الوسطى الناشئة الحالمين بجمهورية برلمانية على الطراز الغربي، فبالرغم من مرور عقدين ونصف على قيامها في بلد عاش قرونا تحت الحكم القيصري ومن بعده نظام الحزب الواحد في الحقبة السوفيتية إلا إن المجتمع الروسي الذي خرج من رحم الدولة السوفيتية المندثرة أدمن نظام الأمناء العامين للحزب القائد (الحزب الشيوعي) الذين يبقون في السلطة إلى أن يختطفهم الموت أو يتم انقلاب في المكتب السياسي للحزب.
ويمتلك الرئيس كذلك صلاحية إعلان التعبئة العامة وحل البرلمان وتعيين رئيس الوزراء وحكومته وملف السياسة الخارجية والمصادقة على انتخابات حكام الأقاليم وجمهوريات الحكم الذاتي في روسيا الاتحادية وإعلان العفو ومنح الأوسمة والجوائز وغيرها من الصلاحيات بما في ذلك ترشيح كبار موظفي الدولة ورؤساء المؤسسات أو إعفائهم من مناصبهم.
فرض بوتين نفسه كرجل الدولة القوي وعرف بصلابته وصرامته وإنه يقدم على اتخاذ قرارات صعبة لا يخشاها، وبالرغم من أن ذلك عزز نفوذه ومكانته في الداخل إلا أنه وضعه أمام سيل جارف من الأزمات متسببا في حرب نفوز طويلة المدى مع الغرب والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، قد يؤدي إلى تدهور علاقات روسيا مع تلك الأطراف بصورة تعد الأسوأ منذ نهاية الحرب الباردة بين موسكو والغرب الذي يتهمها بتقديم دعم عسكري لحركة التمرد الانفصالي في شرق أوكرانيا وهو ما ينفيه الكرملين إلى جانب التوتر المرتبط بتهميش الدور الأمريكي والأوروبي في سوريا وأوكرانيا، وقيام روسيا بضم جزيرة القرم إليها على مسمع ومرأى من الجميع، مستفيدة من الفوضى السائدة وما أثير بشأن التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية حيث تم وضعها في قفص الاتهام ومؤخرا في أزمة غير مسبوقة مع بريطانيا بعد تسميم عميل مزدوج روسي سابق وابنته في لندن.