الخميس 20 يونيو 2024

من مدينة الأزهار إلى مدينة الأشباح... فوكوشيما تبحث عن الحياة

16-3-2017 | 10:28

تقرير: يمنى الحديدى

شهدت اليابان يوما عصيبا فى مثل هذا الشهر عام ٢٠١١ تحديدا يوم ١١مارس، حيث ضرب جزيرة هونشو اليابانية زلزال بقوة ٩ درجات، وكانت مدينة فوكوشيما الضحية الكبرى لهذا الزلزال وأمواج التسونامى التى صحبته، وراح ١٩ ألف شخص ضحية لغضب الطبيعة. الأسوأ أن هذا الغضب طال محطة دايتشى النووية بالمدينة، ليتصدع ٣ من مفاعلاتها نتيجة انقطاع التيار الكهربى، وتوقف عمليات التبريد، مما أدى إلى انفجارها فى كارثة نووية هى الأسوأ منذ كارثة تشرنوبل بأوكرانيا، والتى حدثت فى أبريل عام ١٩٨٦.

منذ ذلك الحين تشهد فوكوشيما مصيرا مظلما، وذلك بعد أن تم إخلاء المدينة وبعض المدن المجاورة من السكان، وذلك خوفا من الإشعاعات النووية الضارة التى تسربت جوا وبحرا، والتى أعلن المسئولون حينها أنها تجاوزت الحد المسموح، مما جعل من البقاء فى فوكوشيما أمرا مستحيلا، لتتحول بعد ذلك المدينة إلى مدينة أشباح خاوية من مظاهر الحياة بعد أن كانت تعج بأشكالها المختلفة.

فهى المدينة الساحلية الهامة التى تغذى طوكيو بالطاقة، كما كانت قبل ٢٠١١ مقصدا للسائحين الباحثين عن روعة الطبيعة، حيث يوجد جبل هاناميياما ياما الذى يبعد عن فوكوشيما بمسافة رحلة قصيرة بالحافلة، وكان يستخدم هذا الجبل سابقا لزراعة القطن ومن ثم يقوم الفلاحون بزراعة الأزهار المختلفة لبيعها حتى ازدهرت زراعة الورود، وقام المزارعون بفتح أراضيهم أمام الزوار من محبى الأزهار. الأمر الذى جعل منها مركزا للعديد من المطاعم والأسواق وحتى صالات القمار وكثير من العوامل الأخرى الجاذبة للسياح. أما سكان البلدة أنفسهم فكانوا ينعمون بالحياة المرفهة التى ينعم بها معظم سكان اليابان.

تومايوكا التى تبعد عن مفاعل فوكوشيما بحوالى ٦ أميال جنوبا تأثرت هى الأخرى بما حدث فى محطة دايتشى، فقد فر منها حوالى ١٥.٨٣٠ شخصا، وهم يمثلون إجمالى عدد سكانها غالبا تاركين وراءهم كل شىء، حتى إذا نظرت الآن إلى مطعم «رامين» الرئيسى فى البلدة، ستجد الأطباق ملقاة على الأرض ومنها ما بقى فى «حوض الغسيل» منذ وقوع الكارثة وحتى الآن.

وفى محطة أخرى أكثر تأثرا مثل فوتابا التى تقع على بعد ٤ أميال من «دايتشى»، ستجد الدرس مازال مكتوبا على اللوحة فى المدرسة الابتدائية هناك، كما ترك التلاميذ ألعابهم، على أمل أنهم سيأخذونها فى اليوم التالى. لكنهم لم يكونوا يعلمون أنهم لن يعودوا إلى هذا المكان مرة أخرى.

أما سكان نامى- البالغ عددهم حوالى ٢١.٤٣٤ شخصا- فقد طالبوا الحكومة بهدم منازلهم، وحتى الآن تم هدم حوالى ٨٠٠ منزل ومحل تجارى، وينتظر نحو ١٢٨٠ عقارا دورها فى قائمة الانتظار. يخشى كل هؤلاء العودة إلى ديارهم رغم كل ذكرياتهم، لكن السبب فى ذلك أقوى كما يقولون، وهم أنهم يخافون من نسبة الإشعاع التى من المحتمل أن تتخلل أجسادهم وتؤثر عليهم. فمن المعروف أن هذه الاشعاعات تؤثر بشكل سيئ على صحة الإنسان وعلى جهازه المناعى، وقد تؤدى إلى أمراض خطيرة على المدى البعيد أهمها السرطانات المختلفة، وتصيب هذه الأمراض أكثر ما تصيب السيدات والأطفال وكبار السن. وقد ظهر أثر هذه الاشعاعات فى فوكوشيما على الحيوانات أيضا، ومن ذلك ظهور بقع بيضاء على أجسام البقر بعد الحادثة مباشرة.

يرى بعض العلماء أن نسبة هذه الإشعاعات قد انخفضت كثيرا فى آخر عامين، وأن النسبة الحالية لا تسبب مشاكل صحية على المدى الطويل، وبالتالى يمكن العودة والاستقرار فيها، بينما يشك آخرون فى أن تكون النسب حتى ولو قليلة آمنة على صحة الإنسان.

من جانبها أعلنت الحكومة مؤخرا أن فوكوشيما آمنة، وعلى المواطنين العودة بداية من شهر أبريل، كما تسرب أنها ستلغى دعم السكن لمتضررى فوكوشيما، لتجبرهم على العودة إلى بيوتهم، الأمر الذى اعتبره البعض انتهاكا لحق الإنسان فى أن يحيا فى بيئة آمنة.

تقول نوريكوماتسوموتو- وهى واحدة من الذين سيرفع عنهم الدعم فى نهاية هذا الشهر-» أن قرار الحكومة يعنى إما أن نعود إلى بيوتنا وهى غير آمنة، أو نواجه ضائقة مالية من أجل تأمين المسكن اللازم لنا»، وأضافت نوريكو أن هذا القرار سيؤثر على حوالى ٨٠ ألف شخص مازالوا مشردين. واتهمت نوريكو الحكومة بأنها ترتكب جريمة، حيث تجبر الناس على العودة ومواجهة الإشعاعات عن طريق رفع دعم السكن.

تؤكد نوريكو أنها قد عانت من تأثير هذه الإشعاعات عقب الكارثة، حيث انتقلت مع زوجها وابنتيها إلى مدينة كورياما– التى تبعد ٤٣ ميلا- عن فوكوشيما، لكن بعد ثلاثة أشهر أصيبت هى وابنتها الصغيرة بنزيف فى الأنف، وألم فى المعدة وإسهال دائم، مما جعلها تقرر الانتقال إلى كاناجوا التى تبعد١٥٠ ميلا عن فوكوشيما.

الجدير بالذكر أن الحكومة اليابانية لم تسمح للمواطنين قبل ذلك بالعودة إلى مدنهم بعدما اضطرت إلى إخلاء فوكوشيما عام ٢٠١١، فيما عدا ٣٠٤ أشخاص حصلوا على «تصريحات مؤقتة».

وأكثر من يحب العودة إلى الديار هم كبار السن، فهناك اتجاه سائد بينهم أن يعودوا إلى ديارهم. تقول اتشيرو تاجوا ذات الـ ٧٧ عاما، أنها عادت لنامى بتصريح خاص فى سبتمبر الماضى، وأعادت فتح محل الدراجات الخاص بها وبعائلتها منذ ٨٠ عاما، وبررت عودتها بأنها كبيرة فى السن للغاية ولا تهتم لمستوى الإشعاع، بل إنها تعتقد أن نسبته ضئيلة ولن تؤثر على صحة الإنسان. وتقول اتشيرو إن هناك سببا آخر وراء عودتها، وهو أن تكون قريبة من مقابر عائلتها، لأنها تريد أن تكون بالقرب من أجدادها.

من جانبها تقوم الحكومة الآن بتنظيف المدينة وإزالة التربة الملوثة، كما تحاول القضاء على الحيوانات البرية، التى استغلت فراغ المدن وأصبحت تتجول فى الشوارع بحرية، ومنها الخنزير البرى، والمعروف عن هذه الحيوانات أنها تهاجم الأشخاص إذا غضبت مما يجعل منها خطرا إضافيا فى مدينة الزهور سابقا.