الخميس 16 مايو 2024

فى اليمين واليسار أسهم «الشعبوية» ترتفع فى أوربا

16-3-2017 | 11:10

تقرير: إيمان رجب

فى الوقت الذى تحتفل فيه أوربا بمرور ربع قرن على اتفاقية ماستريخت وستين عاما على اتفاقية روما التى أسست للسوق الأوربية المشتركة التى حولت فكرة الاتحاد الأوربى إلى حقيقة واقعة، تشهد الحركات الشعبوية نموًا واضحًا بحيث أصبحت عنصرًا أساسيا فى السياسة الأوربية. وذلك بسبب التهديد الذى يفرضه الإرهاب وموجة المهاجرين من العالم الإسلامى إلى جانب الاعتقاد أن الاتحاد الأوربى لا يمثل عاملًا مساعدا بل أحيانا عائقًا أمام حل هذه الأزمات.

 

مواقف كثيرة عززت مكانة الشعبويين اليمينيين فى عدة دول ولعل من أهم المستفيدين هو رئيس الوزراء المجرى فيكتور أوربان الذى استغل المخاوف العامة لدى شعبه تجاه سياسات المستشارة الألمانية إنجيلا ميركل ومعارضتهم اعتقادها أنه على أوربا أن تعتمد على ثقافة الترحيب بالمهاجرين وفى الوقت نفسه ساعدت أزمة منطقة اليورو على صعود الشعبويين اليساريين كرد فعل لسياسة التقشف فى اليونان وإسبانيا ولاشك أن مشاكل اليوم قد بدأت قبل سنوات وبالتحديد منذ عام ٢٠٠٩. قبل الأزمة الاقتصادية العالمية التى أسفرت عن فجوة بين الأغنياء والفقراء فى دول اليورو والتى اتضحت بقوة فى مظاهر ارتفاع نسب البطالة وانخفاض معدلات النمو فى عدد من الدول مثل إيطاليا واليونان وإسبانيا.

وزادت الاختلافات الأوربية مع بداية مشكلة اللاجئين عام ٢٠١٥ وخاصة مع رفض دول أوربا الوسطى والشرقية قرارات الاتحاد الأوربى الخاصة باللاجئين. كما أدت الهجمات الإرهابية إلى زعزعة الثقة فى النظام الأمنى الأوربى خاصة العمليات الإرهابية التى شهدتها بلجيكا وفرنسا فى ذلك العام.

وخلال هذه السنة أيضا كان على الاتحاد الأوربى إيجاد حل للأزمة الاقتصادية فى اليونان والتى هددت منطقة اليورو بأكملها كما اضطر الاتحاد إلى التعامل مع التدفق الهائل للاجئين من منطقة الشرق الأوسط وغيرها من المناطق التى فرقتها الحروب ولم تكن سنة ٢٠١٦ أفضل من التى سبقتها فقد هز القارة الأوربية مزيد من الهجمات الإرهابية، ولكن فى المقابل خفت وطأة أزمة المهاجرين بسبب استعانة الاتحاد الأوربى بتركيا للخروج من الأزمة وإضافة إلى كل ذلك فقد خسر الاتحاد الأوربى لأول مرة فى تاريخه أحد أعضائه وهو بريطانيا نتيجة للاستفتاء الذى أطلق عليه اسم «بريكست». ولاشك أن العوامل الاجتماعية والسياسة الموجودة فى أوربا الآن أصبحت فى صالح الشعبويين أكثر من أى وقت مضى، ولذلك وجب على الأحزاب الأوربية الرئيسية ونخبها أن تواجه التحديات ببراعة أكبر من تلك التى طالما استخدموها فى العقود الأخيرة إذا ما أرادوا التصدى للمد الشعبوى ويسيطر الشعبويون على أكبر حصة من المقاعد البرلمانية فى ست دول هى اليونان والمجر وإيطاليا وبولندا وسلوفاكيا وسويسرا وتعد جزءا من الائتلاف الحاكم فى ثلاث دول أخرى هى فنلندا والنرويج وليتوانيا وتعتبر الانتخابات التى تشهدها هولندا اليوم الأربعاء نموذجا واضحا لهذا التحدى حيث تعانى الأحزاب الرئيسية فى الحكومة من تراجع فى شعبيتها ومن ناحية أخرى تنبأت استطلاعات الرأى أن يبرز حزب فيلدرز الشعبوى من أجل الحرية بشعاراته المعادية للإسلام وللاتحاد الأوربى كأكبر حزب فى البلاد رغم أنه من المستبعد دخوله الحكومة إلا أنه من المتوقع أن يحقق مكاسب كبيرة على حساب الأحزاب الرئيسية من اليمين واليسار على حد السواء.

وتشتد المنافسة بين حزب الحرية اليمينى المتطرف والذى يتزعمه كيرت فيلدرز وبين حزب الشعب للحرب والديمقراطية الذى يتزعمه رئيس الوزراء الحالى مارك روتا.

ومن المؤكد أن الانتخابات الهولندية ستكون اختبارا لمدى تنامى نفوذ اليمين فى أوربا لاسيما بعد فوز دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية الأمريكية وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوربى، كما أن أى تقدم سيحققه حزب الحرية سيكون انتصارا رمزيا للأوربيين الذين يعارضون الهجرة والمشروع الأوربى.

أما فى فرنسا فبعد أن أصبح المستبعد سائدا ومتكررا بفوز الملياردير صاحب الخبرة السياسية المحدودة دونالد ترامب بالرئاسة الأمريكية ومن قبله تصويت البريطانيين لصالح الخروج من الاتحاد الأوربى فمن الممكن أيضًا أن يكون هناك فوز وارد لحزب الجبهة القومية وزعيمته مارين لوبن فى انتخابات الرئاسة الفرنسية القادمة فى شهر أبريل بما يمثل انتصارا جديدا للشعبوية السياسية مقابل حكم أحزاب النخبة وزاد من ثقة السيدة لوبن توالى الانتصارات الشعبوية فى الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وأكدت فى تصريحات أن فوز ترامب حول فرصها للفوز بالرئاسة من المستحيلة إلى الممكنة. ولا يمكن تجاهل أن هناك عوامل وفيرة ترجح صعودًا قويًا للجبهة القومية لا يتعلق الكثير منها بالمد الشعبوى أولها تعثر الخصوم السياسيين فى نزاعات داخلية.

وقد رفعت لوبن شعارا مماثلا لما التزمت به حملة ترامب «بجعل أمريكا عظيمة مجددا» مؤكدة أنها ستعمل على العودة إلى فرنسا وانتقدت تكرار نفس الوجوه والسياسات القديمة وفى نفس هذا الإطار تشهد ألمانيا انتخابات برلمانية فى شهر سبتمبر المقبل فى صورة وصفت بالحاسمة مع تصاعد التيار الشعبوى فى داخل ألمانيا وفى العالم وتتزايد فرص حزب البديل من أجل ألمانيا وهو حزب شعبوى يمينى متطرف مناهض للمهاجرين الذين استقبلتهم ألمانيا فى العامين الماضيين ولذلك وجب على المستشارة انجيلا ميركل أن تجد ملاذا ائتلافيا فى حزبى الخضر والليبرالى لمواجهة حزب البديل الذى حقق نتائج متقدمة فى الانتخابات المحلية والإقليمية الأخيرة.

وقد تحملت ميركل المسئولية ودافعت عن خياراتها وهو الأمر الذى بفضله أصبحت تحظى بإشادة من بعض أنصار حزب الخضر واليسار الاشتراكى وتواجه أصوات التذمر داخل حزبها فيما يعتبر من الحالات الاستثنائية فى السياسة الألمانية وتراجعت ألمانيا عام ٢٠١٦ عن سياسة الأبواب المفتوحة واتجهت نحو تعزيز حراسة الحدود المفتوحة ومحاولات تعاون ودعم تركيا فى قضية اللاجئين مقابل عدم السماح لهم بالهجرة لها وتأمل ميركل بتلك السياسات ايصال رسالة للمواطن الألمانى قبل موعد الانتخابات البرلمانية وبعدها انتخابات المستشارية لم يستطع حزب البديل أن يتولى السلطة فى أى من الولايات لكنه مع ذلك نجح فى فرض أولوياته على الساحة السياسية وتحقيق تقدم بها مثلما حدث فى قضية اللاجئين، كما يحتل الحزب المركز الثالث فى استطلاعات الرأى، بنسب متقدمة.