الإثنين 10 يونيو 2024

حكايات خاصة من «جمهورية المزاريطة» الشقيقة

22-1-2017 | 12:54

تحقيق : أشرف الثعلبي – محمود أيوب

تصوير: سامح كامل

 

         

هربا من حجيم ارتفاع أسعار  الإيجارات التي عبروا عنها بكلمة «الجنون» لم يجدوا مكانًا يقيمون فيه إلا أرض خالية بالقرب من ترب اليهود بحي البساتين «بساتين السلطان قديمًا»، انتقلوا إليها بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير؛ لتصبح قطعة الأرض التي تزيد مساحتها عن عشرة أفدنة، كمنطقة عشوائية جديدة تحمل اسم «المزاريطة» تضاف إلى قائمة العشوائيات الأكثر خطورة، والتي تحاربها الدولة بكل حسم ببناء مناطق سكانية جديدة تليق بآدميتهم.

يطلق عليها أهالي المنطقة «الدويقة الجديدة»، بلغة بسيطة لا تكليف أو تجميل لأحرفها وكلماتها، قال الرجل الخمسيني «سيد أبو رامي»: “أنا متزوج وعندى 3  أولاد، وعايش في منطقة المزاريطة منذ 2011، وإحنا مش بنعاني من حاجه غير إننا محتاجين المرافق توصلنا بأقصى سرعة لأن المنطقة لا يوجد بها أي نوع من أنواع المرافق، وإحنا مش عاوزين غير إننا نعيش عيشة كويسة زي الناس اللي عايشة ومش طالبين أكتر من كدا”

"مفيش حرامية ولا بلطجية يا بيه في المنطقة إحنا عايشين على قدنا وكلنا هنا فقراء وغلابة".. بالعبارة السابقة بدأ عبد الكريم عبد الرازق، الرجل التسعيني حديثه، وأكمل: "المنطقة دي اسمها المزاريطة وأنا عايش هنا بقالي 6 سنين، وكل اللي محتاجينه  الميه والكهرباء، واللي خلانا نعيش هنا  الأسعار  اللى ارتفعت بجنون، واللي ساكن في شقة مش قادر على دفع إيجارها، وأنا معايا اتنين كل واحد فيهم ساكن بـ 500 جنيه في الشهر غير الأكل والشرب والميه والنور يعني 800 جنيه كل شهر هنجيب منين وكلهم أرزقية يشتغل أسبوع وينام شهر".

فى حين قال «أبو ربيع البنا» الذي أوضح أنه يعيش في حي البساتين منذ أكثر من 30 عامًا: "المزاريطة امتداد لعزبة النصر وتجاور ترب اليهود ، والشباب أطلقوا على هذه المنطقة المزرايطة لأنها منطقة جديدة، وبعد قيام ثورة 25 يناير وضع الناس يدهم على المنطقة، وسكنوا فيها لأنهم لا يملكون سكنًا يقيمون فيه، وبمرور الوقت سكن الآلاف من الناس بالمزاريطة، وهناك ما يقرب من 950 أسرة مقيمة بالمنطقة بدون مياه أو كهرباء أو صرف صحي".

وعن محاولاتهم لتقنين أوضاعهم في المنطقة قال : "رحنا الحي وشركة الكهرباء وقدمنا على عددات كذا مرة لكن محدش مهتم،والناس بتعمل حمامات براميل"، وبناشد سيادة الريس والمسئولين بأن ينظروا لفقراء المزاريطة، علشان خاطر ربنا بس، إحنا ولاد الدولة، ونفسنا نعيش عيشة كريمة".

خطوات عدة تفصلها عن الرجل التسعيني، تعيش في بيت من هيئته يبدو أنه صنع في وقت قصير رغبةً فى «الستر» بقطع من الخشب، ولا يحتوي بداخله سوى على غرفة واحدة وطرقة صغيرة تؤدي إلى الحمام والمطبخ، هنا تسكن «صباح عويس»، و"صباح" امرأة يمكن القول إن نظرة واحدة لملامح وجهها كافية لأن تكشف حجم المأساة اليومية التي تواجهها بـ"نص بسمة ونص دمعة"، ودعاء بـ"الأجمل الذي لم يأت بعد"، وبعد فترة من الصمت "اتفكت عقدة لسانها" وقالت:"نفسنا في ميه ونور مش عاوزين حاجة تاني من الحكومة، بنعيش هنا من 6 سنين، وقبل كده كنا بنعيش في ترب اليهود، معندناش مواصلات ولا مكان نشترى منه خضار، والفرن بعيد وعلشان نشتري عيش بنروح آخر الدنيا".

بجانبها تجلس "أم الخير" التي أخبرتنا أنها صاحبة 60 عامًا، همهت بكلمات عدة، ثم ارتفع صوتها بعض الشيء بما يمكن الجالس بجوارها من الإنصات إليها، وقالت بصوت يغلفه الحزن والقهر في الوقت ذاته:"عاوزين كهربا وميه، الحكومة مش بتسأل على الغلابة، إحنا عايشين متعذبين مش مرتاحين، إحنا مش قادرين ندفع إيجار 700 جنيه، علشان كده عايشين في بيت من غير مجاري ولا ميه ولا كهرباء، نفسنا الريس يجي ويشوف الناس عايشة إزاي ويحس بينا، وفي الشتاء بنعوم ونغرق وبنغطي العيال بالمشمع البلاستيك، إحنا متبهدلين، والله بنغطي العيال بمشمع نعمل إيه أكتر من كده".

بدرية رمضان، امرأة ثالثة، لا تختلف ملامحها كثيرًا عن "صباح وأم الخبر"، قالت:" مشاكلنا وهمومنا كثيرة جدا، والحكومة رفعت علينا الأسعار، والحاجة غالية نار، مش قادرين نشتري حاجة، والناس مش لاقيه تأكل، ولاقادرين نصرف على العيال، ولو البيوت دى اتهدت هنروح فين، نترمي في الشوارع يعني، بندعي ربنا الحكومة توصل لينا كهربا وميه، محدش حاسس بينا، حتى رئيس الحي مش بيجي ولا سأل فينا، كلنا هنا غلابه".

أما حميدة محمد والتي تبلغ من العمر 96 عامًا، فلم تتمالك دموعها عندما مددنا لها طرف الحديث وقالت وهي تحاول مغالبة دموعها : "نفسي في ميه يا ولدي يستر طريقك، الميه والنور يا ولدي قول للحكومة يا ولدي، يستر طريقكم، يارب تكسب وتربح يا ولدي".

بعد أن تركنا "مجلس نساء المزاريطة"، تحدثنا مع جمعة حسين، أحد سكان المنطقة، والذى يبدو أنه كان ينتظر أحدا ليتحدث إليه، يفرغ قليلا من "خزان الهم" الذي امتلأ حتى حافته، لهذا دون أية مقدمات، تحدث قائلا: "أنا كنت ساكن في بيت وتم طردي بسبب عدم قدرتي على دفع إيجار الشقة، وبنعيش على «طرنش» وكل شوية بيطفح، وعاملين توصيلة كهربا وميه، وكل شوية الكهربا بتقطع، المية ضعيفة جدًا، ورحنا إدارة الكهربا وقالوا كل واحد يدفع خمسين جنيه وهنوصل ليكم كهربا وحتى الآن مر سنتين ومفيش حد وصل حاجة”

    الاكثر قراءة