قال فضيلة الإمام الأكبر إن إرسال الرسل أمر ضروري، ولا مفر منه إذا أريد لحياة الناس أن تتجه نحو الحق والخير والسعادة، وبيان ذلك أن الإنسان كائن اجتماعي، يسير بطبعه نحو: «الاجتماع المدني»، أي الاختلاط بالغير، والدخول معه في علاقات اجتماعية وليس للإنسان أن يستقل بنفسه، ويستغني عن الآخرين وإذا كان قدر الإنسان قد فرض عليه فرضا أن يعيش مع غيره ويحيا مع الآخرين؛ فإنه قد قدر عليه أيضا أن يعيش وسط هذا المجموع بنوازع فردية ورغبات شخصية، ودوافع تدفعه إلى تحقيق مصلحته أولا وقبل الآخرين، وهكذا كتب على الإنسان أن يعيش مزدوج الهموم، أو نهبا لهدفين متعارضين: المصلحة الشخصية أو النفع الخاص من جانب، والمصلحة الجماعية أو النفع العام من جانب آخر.
وأضاف فضيلته خلال برنامج "الإمام الطيب أن هذا التناقض هو الذي جاءت النبوة لحله ولتقر الانسجام بين مصلحة الفرد ومصلحة الجماعة، فالإنسان بكل علومه وفنونه وثقافاته غير قادر على إيجاد هذا التوازن أو الحل الحاسم لهذه العلاقات المتناقضة؛ لأن أنانيته الفطرية ونوازعه الداخلية سوف تترك بصماتها على كل حلوله وأطروحاته، وبدلا من أن تساهم حلوله في تخفيف آلام الإنسانية تصبح هي الأخرى إضافة جديدة في قائمة العلل والمآسي التي لا تزال تئن منها الإنسانية حتى عصرنا الراهن من فساد وانحراف وحروب وعبث بالأرواح والأموال والأعراض.
وأكد الإمام الأكبر أن النبوة -باعتبارها هديا إلهيا- هي الصيغة الوحيدة القادرة على إيجاد التوازن بين الفرد بكل نوازعه وغرائزه وشهواته من ناحية، وبين المجتمع بكل مصالحه وضروراته من ناحية أخرى، وهي القادرة على سد هذه الثغرة التي كانت مبعث آلام الإنسانية وعذاباتها علىم مدى تاريخها الطويل.، فهي المصدر الوحيد الذي يبين للإنسانية معنى السعادة في حياتها القصيرة الأمد على هذا الكوكب، ومعنى السعادة في حياتها اللانهائية في الدار الآخرة، مضيفا أن الإنسان لا يزال -برغم تقدم معارفه وتطور علومه- عاجزا عجزا تاما عن كشف لغز الحياة وسر الوجود، ولا يزال «الوحي» أو «النبوة» المعين الأوحد الذي يتلقى منه الإنسان إجابات صحيحة عن هذه المسائل الكبرى.
وأوضح فضيلته أنه في إطار النبوة أو «الهدي الإلهي» تتحول المصالح الكبرى في الأمم والمجتمعات إلى مصالح فردية، تعود على الإنسان بالنفع والفائدة، بعد أن يترسب في وجدانه الاعتقاد في الله، وفي امتداد الحياة بعد الموت، والمرور بمحكمة عدل إلهية لا يظلم فيها الناس شيئا من حقوقهم، وإن كان مثقال ذرة من خير أو شر.
وبين الإمام الأكبر أن النبوة مأخوذة من «النبأ» الذي هو الخبر، ومعناها: تلقي النبي خبرا من الله تعالى -عن طريق الوحي- وتبليغه إلى الناس، أما الرسالة فتتعلق بمعنى الإرسال والبعث، فالنبوة تعبير عن العلاقة بين النبي وبين الله عز وجل، والرسالة تشير إلى العلاقة بين «النبي» وبين من يرسل إليهم، وهذان المعنيان -النبوة والرسالة- يجتمعان معا في كل شخص اصطفاه الله سبحانه، وأنزل عليه وحيا، وأمره بتبليغه للناس، وهذا الشخص يقال له: نبي، ويقال له: رسول أيضا، وقد عرف علماء العقيدة النبي أو الرسول، فقالوا: «هو إنسان بعثه الله تعالى إلى الخلق لتبليغ ما أوحاه الله إليه»، ومن هذا التعريف يتبين لنا أن النبوة تقوم على أركان ثلاثة:
1- المرسل؛ وهو الله تعالى.
2- الرسالة؛ وهي الوحي.
3- الرسول؛ وهو الشخص المنزل عليه الوحي.