بقلم : القمص علد المسيح بسي أبو الخير- أستاذ اللاهوت وتاريخ العقيدة بالكلية الإكليريكية
في البدء خلق الله آدم ليكون خليفته على الأرض وكان في ترتيبه الإلهي أن يخلق له معينة نظيره، تكون نصفه الثاني، لتعينه على اعباء الحياة على الأرض: " وَقَالَ الرَّبُّ الإِلهُ: لَيْسَ جَيِّدًا أَنْ يَكُونَ آدَمُ وَحْدَهُ، فَأَصْنَعَ لَهُ مُعِينًا نَظِيرَهُ. فَأَوْقَعَ الرَّبُّ الإِلهُ سُبَاتًا عَلَى آدَمَ فَنَامَ، فَأَخَذَ وَاحِدَةً مِنْ أَضْلاَعِهِ وَمَلأَ مَكَانَهَا لَحْمًا. وَبَنَى الرَّبُّ الإِلهُ الضِّلْعَ الَّتِي أَخَذَهَا مِنْ آدَمَ امْرَأَةً وَأَحْضَرَهَا إِلَى آدَمَ. فَقَالَ آدَمُ: هذِهِ الآنَ عَظْمٌ مِنْ عِظَامِي وَلَحْمٌ مِنْ لَحْمِي. هذِهِ تُدْعَى امْرَأَةً لأَنَّهَا مِنِ امْرِءٍ أُخِذَتْ. لِذلِكَ يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ وَيَكُونَانِ جَسَدًا وَاحِدًا " (تك2 :18-24). وساوى الله بين الرجل والمرأة ي كل شيء: "لِيُوفِ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ حَقَّهَا الْوَاجِبَ، وَكَذلِكَ الْمَرْأَةُ أَيْضًا الرَّجُلَ. لَيْسَ لِلْمَرْأَةِ تَسَلُّطٌ عَلَى جَسَدِهَا، بَلْ لِلرَّجُلِ. وَكَذلِكَ الرَّجُلُ أَيْضًا لَيْسَ لَهُ تَسَلُّطٌ عَلَى جَسَدِهِ، بَلْ لِلْمَرْأَةِ " (1كو7 :3-5). وكرم الله الزواج والعلاقات الزواجية: "لِيَكُنِ الزِّوَاجُ مُكَرَّمًا عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ، وَالْمَضْجَعُ غَيْرَ نَجِسٍ" (عب13 :4). لذلك: "يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ وَيَكُونَانِ جَسَدًا وَاحِدًا" (تك2 :24؛ مت19 :5؛ مر10 :7؛ أفس5 :31). وكهذا صار الرجل والمرأة في الزواج شخصاً واحداً من نصفين كل منهما يكمل الآخر.
وكانت العلاقة بين الله والناس، في العصور القديمة، علاقة فردية مباشرة، ولكن مع كثرة البشر على الأرض وزيادة التعداد السكاني، وهجرة الإنسان وسكناه في كل زوايا الأرض، صار هناك فريقان من البشر، فريق يعبد الله الواحد بحسب التسليم الذي سلمه نوح وأولاده لنسلهم من بعدهم، وفريق أخر بدأ أما يتصور الله من خلال قدراته الغير محدودةفي صورة آلهة متعددة، أو يعبد من تصور أنهم شفعاء قد يشفعون له عند الله. ومن ثم احتاج كل فريق لوسيط يتوسط له عن الله أو عند الإله الذي تخيله وتعبد له. ومن هنا بدأ الكهنوت، فالكاهن هو الوسيط بين الله والناس. وتصور البعض من هؤلاء الناس أن الأرض التي خلق منها الإنسان هي أمه وإلهته، فعبد الأرض، وعبد البعض الأخر آلهة من النساء مثل افروديت وفينوس عند الرومان واليونان، واللات والعزة ومناة في شبه الجزيرة العربية. وبطبيعة الحال كان كهنة معابد هذه الآلهة من النساء، وكان كل معبد يضم عشرات العذارى المكرسات لهذه الآلهة. ولكن الذين عبدوا هذه الآلهة النسائية كانوا قليلين، وكان بعض من البشر قد عبدوا آلهة من الذكور وآلهة كانت متزوجة من آلهة نسائية.
أما الذين آمنوا بالله الواحد فقد أمنوا بوجود كهنوت واحد هو كهنوت الرجل. فيخبرنا الكتاب المقدس أن الذين يؤمنون بالله الواحد، كإبراهيم وأيوب وغيرهما، كانوا يتبعون كهنوت رأس العائلة أو العشيرة، فيبدأ الكهنوت في البيت من الأسرة الصغيرة فيكون الرجل، الزوج، فيها هو كاهن الأسرة كنوح: " وَبَنَى نُوحٌ مَذْبَحًا لِلرَّبِّ. وَأَخَذَ مِنْ كُلِّ الْبَهَائِمِ الطَّاهِرَةِ وَمِنْ كُلِّ الطُّيُورِ الطَّاهِرَةِ وَأَصْعَدَ مُحْرَقَاتٍ عَلَى الْمَذْبَحِ " (تك8 :20)،وكذلك أيوب: " وَأَصْعَدَ(أيوب) مُحْرَقَاتٍ عَلَى عَدَدِهِمْ كُلِّهِمْ (اولاده)،لأَنَّ أَيُّوبَ قَالَ: رُبَّمَا أَخْطَأَ بَنِيَّ وَجَدَّفُوا عَلَى اللهِ فِي قُلُوبِهِمْ. هكَذَا كَانَ أَيُّوبُ يَفْعَلُ كُلَّ الأَيَّامِ " (أي1 :5). وكان الجد الأكبر يقوم بدور كاهن العائلة الكبيرة أو القبيلة، وهكذا الملك يكون كاهنا أكبر على شعبه: " وَمَلْكِ يصَادِقُ، مَلِكُ شَالِيمَ، أَخْرَجَ خُبْزًا وَخَمْرًا. وَكَانَ كَاهِنًا ِللهِ الْعَلِيِّ " (تك14 :18). وهكذا كان الرجل، رأس العائلة أو القبيلة أو المملكة، هو الكاهن الوسيط بين الله والناس، وعندما كلم الله موسى النبي وأعطاه الشريعة رتب الكهنوت في رجال سبط لاوي، ولم تكن المرأة كاهنة في أي عصر من عصور شعب الله، ربما للأسباب النفسية والبيولوجية الخاصة بالمرأة، كما كانت المرأة منذ البدء تابعة لزوجها وهو رأس الأسرة، كما صور القديس بولس هذه العلاقة بقوله: " لأَنَّ الرَّجُلَ هُوَ رَأْسُ الْمَرْأَةِ كَمَا أَنَّ الْمَسِيحَ أَيْضًا رَأْسُ الْكَنِيسَةِ،وَهُوَمُخَلِّصُ الْجَسَدِ " (أف5 :23). وفي المسيحية لعبت المرأة دوراً كبيراً فكان بعضهن يخدمن الرب يسوع المسيح من أموالهن: " وَبَعْضُ النِّسَاءِ كُنَّ قَدْ شُفِينَ مِنْ أَرْوَاحٍ شِرِّيرَةٍ وَأَمْرَاضٍ: مَرْيَمُ الَّتِي تُدْعَى الْمَجْدَلِيَّةَ الَّتِي خَرَجَ مِنْهَا سَبْعَةُ شَيَاطِينَ، وَيُوَنَّا امْرَأَةُ خُوزِي وَكِيلِ هِيرُودُسَ، وَسُوسَنَّةُ، وَأُخَرُ كَثِيرَاتٌ كُنَّ يَخْدِمْنَهُمِنْ أَمْوَالِهِنَّ " (لو8 :2و3). وكان بيت السيدة أم يوحنا الملقب مرقس هو أول كنيسة مسيحية في العالم: " بَيْتِ مَرْيَمَ أُمِّ يُوحَنَّا الْمُلَقَّبِ مَرْقُسَ، حَيْثُ كَانَ كَثِيرُونَ مُجْتَمِعِينَ وَهُمْ يُصَلُّونَ " (أع12 :12). وفي بداية البشارة كان بعض النسوة خادمات،شماسات، وكانت مهمتهم إلى جانب تعليم النساء مساعدة الفقراء والأرامل، بل وكثيرات من النسوة تحولت بيتهن إلى كنائس وكانت خدمتهن بارزة: " أُوصِي إِلَيْكُمْ بِأُخْتِنَا فِيبِي،الَّتِي هِيَ خَادِمَةُ الْكَنِيسَةِ الَّتِي فِي كَنْخَرِيَا " (رو16 :1).
وبرغم الدور العظيم الذي أدته المرأة في بداية أنتشار المسيحية لكن يكن مسموحاً لها أن تكون قسيسة أو كاهنة لأنه بحسب تاريخ المؤمنون بوحدانية الله لم ترسم امرأة قط، كما أن ظروف وطبيعة تلك العصور التي لم تتقبل أن تكون المرأة وسيطة عند الله للرجل، سواء قبل المسيحية أو بعدها، جعلت الأمر غير مقبولا، يقول القديس بولس: " لِتَتَعَلَّمِ الْمَرْأَةُ بِسُكُوتٍ فِي كُلِّ خُضُوعٍ. وَلكِنْ لَسْتُ آذَنُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُعَلِّمَ وَلاَ تَتَسَلَّطَ عَلَى الرَّجُلِ، بَلْ تَكُونُ فِي سُكُوتٍ " (1تي2 :11و12).
كانت المجتمعات، المعاصرة لانتشار المسيحية، خاصة اليهودية، لا تتقبل قيادة المرأة للرجل، ومع ذلك فقد رفعت المسيحية المرأة وجعلتها تلميذة بل ورسولة للمسيح وشماسة تخدم في الكنيسة، وحاليا تتقبل دورها كأستاذة تدرس اللاهوت والعلوم الكنسية للرجال والنساء في الكليات والمعاهد اللاهوتية، وتعلم وتعظ في مدارس الأحد واجتماعات الشابات والسيدات، وهي خادمة اساسية في كل لجان البر في جميع الكنائس. ولكن غير مقبول أن تكون قسيسة بحسب التقليد الكنسي على مر العصور، وبسبب تكوينها الفسيولوجي والسيكولوجي.