تناول الجزء الأول من الدراسة التي أعدها مرصد
الأزهر لمكافحة التطرف بعنوان: «هل ترنحت الآلة الإعلامية لداعش؟!»، ملامح الاستراتيجية
الإعلامية لتنظيم داعش، التي اعتمدت في المقام الأول على الترويج لأفكاره وإقناع الناس
بها والدفاع عن سمعته، إضافة إلى خلق صورة ذات تأثير مزدوج قادرة على الجذب والإرهاب
في الوقت ذاته.
واستهدفت «آلة داعش الإعلامية» بشكل
أساسي الشباب، الذي سعى التنظيم إلى استقطابهم إلى صفوفه القتالية، بجانب جذب مزيد
من الأتباع، أما المستهدف الثاني فهم عامة الجمهور ممن يهدف التنظيم إلى إثارة شعور
واسع النطاق لديهم بالخوف وانعدام الأمن، فهذا دون شك يصب في مصلحة الدواعش أيضًا.
وفي الجزء الثاني من هذه الدراسة،
نتناول التطورات التي طرأت على الترسانة الإعلامية لداعش بعد سقوط مناطق نفوذه في العراق
وسوريا، وأهم منصاته الإعلامية في وقتنا الراهن، والأماكن التي تبث منها هذه المنصات.
إعادة بناء الصفوف الإعلامية
في بداية العام الجاري 2018م، وعقب
سقوط مناطق التنظيم في مدينة الموصل العراقية، وبعض المدن السورية بدأ داعش في إعادة
بناء منظومته الإعلامية، وبالفعل ظهرت علامات انتعاشٍ طفيفٍ فيها؛ فأعاد بناء معظم
مواقعه الإلكترونية ومؤسسات الدعاية التابعة له خاصة في أفغانستان وباكستان، وبدأ في
إصدار منتجاتٍ أكثرَ تحديثًا وأفضلَ جودة، ولكن لا يعني هذا الانتعاش عودةَ وسائل الإعلام
الداعشية إلى قوتها السابقة التي كانت عليها في عامي 2014 و2015.
وأهم منصات داعش الإعلامية، في الوقت الراهن، تتمثل في: موقع أخبار المسلمين،
وكالة أعماق الإخبارية، مؤسسة الحياة للإنتاج والتوزيع، وجريدة النبأ الالكترونية،
إضافة إلى مكاتب إعلامية محلية توجد في المحافظات والمدن التي يتواجد بها عناصر داعش
في سوريا والعراق وباقي الدول، تقوم بتوزيع مواد معظمها من انتاج وكالة أنباء أعماق
وموقع أخبار المسلمين.
منصات داعش الإعلامية
وفيما يلي شرح تفصيلي لأهم المنصات
الإعلامية لداعش:
1 - وكالات الأنباء، تتمثل في: أعماق،
مؤتة، شبكة أخبار الولايات، والقرار.
2 - مؤسسات إنتاج وتوزيع المواد الإعلامية،
وهي: الفرقان، الحياة، الأجناد، ورماح.
3 - المواقع الإلكترونية: أخبار المسلمين،
والصوارم.
4 - المجلات الإلكترونية: النبأ، وتصدر
من قبل إدارة الإعلام المركزية في داعش، والأنفال، وتصدر كل عشرة أيام.
5 - محطات الراديو الإلكترونية: البيان
- يُعرف بذراع داعش الإعلامي.
6 - منصات أخرى ليست نشطة حاليًا:
موقع الحق، والمجلات الشهرية «رومية» و«دابق»، وشبكة الاعتصام للإعلام، وموقع الأنصار
الإلكتروني.
وهناك أيضا منصات إعلامية لا تتبع التنظيم على المستوى
الرسمي، إلا أن منتجاتها تؤكد أنها مرتبطة به وتتولى نشر كل مواده وخاصة في العراق
والشام؛ فعلى سبيل المثال يشير موقع «أخبار المسلمين» - أحد أهم المواقع التابعة لداعش
على الشبكة العنكبوتية «الإنترنت» - إلى أنه موقع إلكتروني مستقل معنيٌّ بتناول أخبار
المسلمين؛ إلا أن المحتوى الذي يقدمه يظهر بوضوح انتمائه إلى فكر داعش المتطرف.
خريطة تفصيلية
لـ«وكالات الأنباء» التي تروج لفكر داعش المتطرف:
1 - وكالة أعماق:
تُعد وكالة أنباء داعش المركزية، وتمتلك
موقعًا على الشبكة الإلكترونية اختفى فترة ثم عاد إلى الظهور خلال عامي 2015، و2016،
وشهدت الوكالة في الآونة الأخيرة وبالتحديد منذ ديسمبر عام 2017 وحتى فبراير من العام
الجاري 2018 تحسنًا ملحوظًا، ظهر من خلال زيادة حجم إعلاناتها؛ وتواجه في الوقت الراهن
صعوبات في نشر موادها على مواقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك» و«تويتر».
2 - وكالة مؤتة:
وكالة أنباء غير رسمية تابعة لداعش،
وفي ديسمبر من العام 2016، داهمت قوات الجيش العراقي مركزها في منطقة «هراري» التابعة
لضواحي مدينة الموصل، وما تزال الوكالة نشطة حتى وقتنا الراهن.
3 - شبكة أخبار الولايات (WNN):
تأسست في نهاية أكتوبر من العام
2017، وهي معنية بنشر بيانات داعش باللغة الإنجليزية، وليس لهذه الشبكة موقع معين،
وتقوم بالنشر من خلال تطبيق «التليجرام» فقط، ومن خلالها يتم النشر في مختلف وسائل
الإعلام العالمية.
4 - مؤسسة القرار:
وكالة أنباء محلية بدأت نشاطها في
يونيو من العام 2017 ، وتتبع مؤيدي داعش في مدينة كشمير، وفي 11 ديسمبر من العام
2017، أصدرت بيانًا باللغة الإنجليزية يظهر فيه أحد عناصر التنظيم وهو يحمل بندقية
آلية، وعلى رأسه وشاح يظهر عليه شعار داعش، ويدعو إلى انضمام المقاتلين إلى قافلة الخلافة
في الهند.
وفي نهاية ديسمبر من العام 2017 ،
بدأت مؤسسة القرار في إصدار مقاطع فيديو، كان من ضمنها إعلان داعش عن إنشاء إقليم كشمير
في الهند - أول ولاية جديدة تأسست منذ سقوط تنظيم داعش في سوريا والعراق، وقد ظهر على
يسار الشاشة ناشط داعشي ملقب بـ«أبو البراء» من كشمير، وخلفه علم داعش مكتوب عليه
«ولاية كشمير»، وظهر على اليمين شعار «القرار ميديا».
محاولة إنقاذ
بذل تنظيم داعش في الأشهر الأخيرة محاولات مستميتة لإبقاء آلته الإعلامية حيةً؛
فهذا يمثل بالنسبة له قضية محورية، ولذلك نجده يحاول اثبات وجوده من خلال نشر بعض المقاطع
المصورة التي ما يزال يتَّكئ عليها لتأكيد وجوده.
وعلى سبيل المثال نشر التنظيم الترجمة الأردية لمجلة
«سنتِ خولة» - الخاصة بالمرأة - والتي كانت تصدر باللغة الإنجليزية فقط، إضافة إلى
ترجمة مجلتي «بَيتك» و«الأنفال» - اللتين تُخاطبان المرأة العربية - حيث تم إطلاقهما
في نوفمبر من العام 2017، وتحتوي كل منهما على أخبار وتقارير تتناول النشاط التشغيلي
لداعش، وانفوجرافيك عالي الجودة، ومقابلات مع كبار الشخصيات في داعش، ومقالات حول الفكر
الجهادي.
إضافة إلى ما سبق؛ فإن داعش أنتج عقب
سقوطه في العراق وسوريا العديد من مقاطع الفيديو، مثل إصداره في 18 مارس عام 2018 الذي
حمل عنوان: «تأسيس الدولة الإسلامية»، وهو من إنتاج مؤسسة «الفرقان»، ويأتي ضمن سلسلة
فيديوهات بعنوان: «الحياة»، ويتميز الفيديو بالدقة والجودة العالية، واستعان فيه التنظيم
بأشهر الكلمات للرموز التي تمثل المرجعية الفكرية لتنظيم داعش مثل: أسامة بن لادن،
وأنور العولقي، وأبو يحيي الليبي، وأبو عمر البغدادي، وأبو مصعب الزرقاوي، وفي نهاية
الفيديو وجه التنظيم رسالة لعناصره دعاهم فيها لتبني فكرة «العنف العشوائي»، وجاء مضمون
الرسالة كالتالي: «اصنع الإرهاب وافعله أينما كنت وفي أي مكان وفي أي وقت»، وهذه الأيديولوجية
الجديدة تنشط وتنتشر بين مؤيدي التنظيم.
كما نشر التنظيم مؤخرًا مقطعًا مرئيًا
بعنوان: «إليك أيها المناصر»، يلفت فيه نظر أنصاره إلى أهمية الحرب الإلكترونية، وأنها
ستكون بديلًا مؤقتًا عن السلاح العسكري والبشري، ويطلب الإصدار من المناصرين والمؤمنين
بفكر التنظيم العكوفَ على مختلف مواقع وسائل
التواصل الاجتماعي، ونشر وترويج أفكار داعش لكسب أعضاء جدد.
وفي خطوة جديدة حثَّ داعش أتباعه على
عدم تصديق الأخبار التي تنشر عن التنظيم إلا من خلال منصاته الإعلامية الرسمية التي
ذكرها تحديدًا وتفصيلًا بالاسم، وهذه الخطوة ما هي إلا محاولة بائسة من التنظيم ليحفظ
لأتباعه تماسكهم النفسي بعدما حاقت بهم الهزائم العسكرية والإعلامية، حد سواء.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن هذا الإصدار هو الأول من
نوعه الذي يخاطب فيه التنظيم «مناصريه»، بعد أن كانت خطاباته تستهدف بالدرجة الأولى
أعضائه، وفي هذا مؤشر واضح على تراجع عدد أعضاء التنظيم في الفترة الراهنة، وأنه بدأ
بالفعل إستراتيجية تجنيد واستقطاب أعضاء جدد يؤمنون بالفكر التكفيري.
الظهور مرة أخرى
جميع ما سبق يؤكد الرؤية الاستباقية التي أشار فيها مرصد الأزهر لمكافحة التطرف،
إلى أن داعش سينحسر على الأرض قليلًا؛ ليدشن نفسه إعلاميًا ويعود للظهور في بؤر أخرى
غير التي هُزم فيها.
ويتابع مرصد الأزهر لمكافحة التطرف قضية مصير تنظيم
داعش والتطورات التي يمر بها بكل اهتمام، انطلاقًا من المهمة التي أخذها على عاتقه
منذ تأسيسه؛ فالمرصد لا يقتصر دوره على تفنيد الخطاب الأيديولوجي للجماعات المتطرفة،
لكنه أيضًا يرصد تحركات هذه الجماعات، في محاولة لاستشراف مستقبلها، من خلال رصد ومتابعة
أنشطتها على مدار الساعة.
ومن هنا، فإن المرصد يرى ضرورة التوقف قليلًا عن
الجزم بزوال الخطر الداعشي؛ إذ أن هناك دلائل تشير إلى وجود المزيد من الأعمال الإجرامية
في جعبة هذا التنظيم، ومن ثَمَّ فإن التريث وعدم القطع بزواله، وتعزيز التعاون بين
الأجهزة الأمنية على مستوى العالم أمر ضروري من أجل عدم السماح للتنظيم بمفاجأة العالم
بظهوره مرة أخرى في صورة جديدة.
كما يؤكد مرصد الأزهر لمكافحة التطرف،
على أهمية الدور الذي يلعبه الإعلام في المعركة مع الإرهابيين، من ناحية التأثير في
الجمهور وإقناعه، وهنا تظهر المسؤولية الكبرى التي تتحملها مختلف وسائل الإعلام في
كيفية التعاطي مع ظاهرة التطرف والإرهاب من ناحية التغطية الإعلامية للأحداث الإرهابية،
وعلى الإعلام أن ينتبه كي لا يصير ناقلًا لرسالة التنظيم الإرهابي من خلال بث مقاطع
الرعب التي تحاول بها التنظيمات المتطرفة جذب المزيد من الأتباع.
كما يرى المرصد ضرورة وضع استراتيجية
إعلامية واضحة الملامح لمكافحة التطرف والإرهاب من خلال تدريب العاملين بوسائل الإعلام
خاصة مقدمي البرامج التلفزيونية على آليات التعامل مع القضايا المتعلقة بالإرهاب والأمن
القومي بطريقة مهنية بعيدة عن الانفعالية والمبالغة، ويؤكد المرصد على أهمية الرجوع
إلى مصادر موثوقة قبل نشر أية أخبار تتعلق بالإرهاب.