الأحد 23 يونيو 2024

هل يبقى "دويتشه بنك" قادرًا على السيطرة على أزمته المالية

اقتصاد28-6-2018 | 14:19

أعلن مصرف Deutsche Bank الألماني في 24 مايو الماضي، عن خطط لشطب سبعة آلاف وظيفة للمرة الثانية منذ بدء أزمته المالية الحادة قبل بضع سنوات، وبذلك سينخفض إجمالي عدد موظفيه في الفترة المقبلة إلى أقل من 90 ألف وظيفة بعد ثلاث سنوات متتالية من الخسائر، جاء ذلك في بيان صادر عن غرفة التجارة والصناعة العربية الألمانية.


 وجرى الإعلان عن هذه الخطوة قبل بضع ساعات من انعقاد الاجتماع السنوي للجمعية العمومية للبنك في العاصمة المالية لألمانيا فرانكفورت، وعُقد الاجتماع هذا بقيادة رئيسه الجديد Christian Sewing بعد استقالة رئيسه السابق، البريطاني John Cryan، الذي فشل على مدى السنوات الثلاث الماضية فشلاً ذريعاً في حلّ الأزمة المالية التي يعاني منها المصرف.

 

ويُعتبر "دويتشه بنك"، أكبر وأقوى مصرف في ألمانيا، وذكرت قيادته الجديدة أن عملية خفض الوظائف، التي بدأت بالفعل، كانت جزءا من خططه لخفض النفقات وشد حزام التقشف، وسيكون قسم بيع الأوراق المالية والتداول بها الأشد تضرراً من تدابير خفض العمالة فيه.


 حيث أشار البنك إلى أنه سيتم تقليص قوة عمل هذا القسم بنسبة كبيرة جداً "كجزء من عملية إعادة هيكلة كبيرة له". وتوقعت مصادر البنك أن تبلغ تكاليف عملية إعادة التموضع الوظيفي والمالي نحو 800 مليون يورو.


 وفي هذا الصدد أكد رئيسه الجديد كريستيان زيفينغ "استمرار التزام المصرف بقطاع الخدمات المصرفية الاستثمارية، والعمل في السوق الدولية". وأضاف: "نحن متمسكون بذلك، لكن علينا التركيز على ما نقوم به بصورة جيدة بالفعل".


وكان زيفينغ أعلن أثناء الكشف عن نتائج الربع الأول للبنك في الشهر الماضي، "عن عزمه تقليص قطاع الخدمات المصرفية الاستثمارية في البنك، خصوصا في الولايات المتحدة، والتركيز بصورة أكبر على العملاء الأوروبيين".


وإضافة إلى الخسائر الكبيرة التي سجلها "دويتشه بنك" خلال السنوات الثلاث الماضية، جاءت نتائج أرباحه خلال الربع الأول من العام الحالي مخيبة للآمال إلى حد كبير، إذ انخفضت أرباحه إلى 120   مليون يورو فقط مقابل تحقيقه ربحاً من 575 مليون يورو خلال الفترة نفسها من العام الماضي، وهو ربح متواضع بدوره مقارنة بأرباح كبار المصارف الدولية.


ولمواجهة تداعيات الأزمة التي بدأت قبل بضع سنوات اتخذ المدير السابق للبنك جون كراين إجراءات تقشفية شملت إغلاق 200 من فروعه الألمانية البالغ عددها 723 فرعاً، وتسريح ما لا يقل عن تسعة آلاف عامل فيها، إضافة إلى إلغاء ستة آلاف وظيفة تعاقد. واعتقدت إدارة البنك أن الإجراءات هذه كافية لتعافي البنك وإعادة الثقة إليه، غير أن النتائج كانت شبه معدومة.


 وفي حال فشل البنك في حلّ مشاكله بالاعتماد على قدراته الذاتية فلن تسمح الحكومة الألمانية بالطبع بأن يتعرض للإفلاس، لأن ذلك سيهز النظام البنكي، ليس في ألمانيا فحسب، بل وفي أوروبا أيضاً، وقد تكون له مضاعفات دولية أيضاً بسبب امتداداته ونشاطاته المالية الدولية. ولن يكون أمام الحكومة الألمانية والاتحاد الأوروبي والمؤسسات الدولية الأخرى المعنية خيار آخر سوى العمل على إنقاذه كما حصل مع مصارف أوروبية مثل بنك Hypo Real Estate الألماني.


لكن الخطورة في الأمر أن يؤثر اهتزاز وضع البنك الألماني الكبير على وضع البنوك الإيطالية والأوروبية الرازحة حالياً، ومنذ سنوات، تحت عبء قروض فاسدة قيمتها 950 مليار يورو تقريباً، فيسرّع عملية سقوطها هي أيضاً، الأمر الذي قد يُدخل أوروبا والعالم في أزمة مالية جديدة من جديد بعد الأزمة التي بدأت عام 2008 ولم تنته ذيولها حتى الآن. وبحسب البنك المركزي الألماني كلفت عملية إنقاذ البنوك الألمانية منذ ذلك العام نحو 236 مليار يورو. 


وغير خفي وجود استثمارات عربية في "دويتشه بنك" غير معروفة الحجم بالتحديد، إنما تبلغ مليارات اليورو، وفي حال أن الاستثمارات هذه هي في مجال الأسهم عموماً، وأسهم البنك خصوصاً، فلا شك أنها، ومنذ فترة غير قليلة، في دائرة الخسارة إن تمّ سحب الأموال المشغّلة اليوم، وينسحب أمر الخسارة كذلك على مجال تحمّل جزء من تكاليف إعادة هيكلة البنك لإيقافه على رجليه من جديد.


أما فيما يخص الحسابات الجارية والودائع النقدية فلا توجد مخاطر على الأرجح، إذ أن مؤسسات التأمين، واحتياطات البنك، وإمكانية تسييل أصوله تسمح له بالوفاء بالتزاماته تجاه المودعين فيه. ويبدو أن تلبّك العاملين في "دويتشه بنك" أدى إلى حد اقترافهم أخيراً خطأ كبيراً محرجاً وبعيداً عن المهنية المسؤولة. فقد حوّل البنك" قبل أسبوع من عيد الفصح الماضي في شهر مارس عن طريق الخطأ 28 مليار يورو إلى شركة Eurex Clearing House المُدرجة في البورصة.


وأكدت "دويتشه بنك" صحة الخبر بعدما نشره موقع   Bloomberg الأميركي المتخصص في عالم المال والأعمال. وكان المبلغ المُحول إلى الشركة أعلاه أكبر بكثير من المبلغ الذي كان يتوجب تحويله. وأكد مصرف "دويتشه بنك" لاحقاً أن الخطأ تم إصلاحه بسرعة. هذا ونقلت وكالة Reuters البريطانية للأنباء عن "مصدران مطلعان" أن البنك الألماني "يدرس بيع حصته الصغيرة في مجموعة أبراج للاستثمار المباشر التي تتخذ من دبي مقراً لها".


 وقال المصدران إن البيع المحتمل الذي يدرسه البنك منذ فترة "بات أكثر إلحاحاً منذ أن دخلت أبراج في خلاف مع المستثمرين". ويملك "دويتشه بنك" حصة نسبتها 8.8 بالمئة في مجموعة أبراج بحسب أحدث تقرير سنوي له. إلى ذلك أعلنت وكالة التصنيف الأميركية Standard & Poor's مطلع شهر يونيو عن خفض تصنيفها للبنك من A- إلى BBB+. وقالت وكالة Moody's إنها تبحث بدورها مسألة خفض تصنيف البنك. 


وكانت وكالة Fitch الأميركية أيضاً خفّضت التصنيف في شهر سبتمبر الفائت إلى BBB+. صحيح أن الخفض هذا دليل ضعف وتراجع في الثقة، إنما على مستوى عالٍ. وطمأن "مصدر" في هيئة الرقابة الأوروبية على البنوك المودعين على وضع "دويتشه بنك".