الخميس 16 مايو 2024

صقر الصحراء الذى أرعب الإحتلال عبد القادر الجزائرى أبو الثورة

20-3-2017 | 14:01

بقلم – عادل عبد الصمد

الأمير عبدالقادر الجزائرى، هو عبد القادر ناصر الدين بن الأمير محيى الدين الحسينى، يتصل نسبه بالإمام الحسين، ولد فى شهر مايو سنة (١٨٠٧) فى قرية (القيطًاة) التابعة لايالة وهران فى الجزائر، وكان والده من أكابر العلماء.

ومن أحدث الإصدارات التى أضافت إلى المكتبة العربية والإسلامية كتابا له أهميته، كتاب صقر الصحراء عبدالقادر والغزو الفرنسى للجزائر، تصدير الرئيس الجزائرى عبد العزيز بوتفليقة، وتأليف سكان ولفريد بلنت، وترجمة الكاتب الكبير دكتور صبرى محمد حسن.

ويركز كتاب صقر الصحراء على وصف شخصية عبدالقادر:

عبد القادر لم يكن طفلا عاديا، ونقلا عن تقرير شائع، فإن مولد عبد القادر كان مصحوبا بالعديد من العجائب .. إن الزهور اكتست ظلالا وبريقا غير مألوفين، وفاح منها عبيق غير مألوف وأعطى النحل عسلا أكثر حلاوة من ذى قبل، وخفت حرارة الشمس فى أيام القيظ، كما هدأت ريح الصحراء.

ويبدو أن عبد القادر كان طفلا مشاكسا وذلك على الرغم من أن واحدا ممن كتبوا سيرته يتحدث عن خجل طبيعى سرعان ما تغلب عليه الصبى بعد ذلك، وعندما أصبح عبد القادر أشجع جندى فى الجزائر، كان محيى الدين فى بعض الأحيان يذكره بمخاوف طفولته.

كان عبد القادر صبوح الوجه وذكيا، وسرعان ما أصبح هو الابن المفضل عند والده، وكان قادرا على القراءة والكتابة وهو فى سن الخامسة، وفى سن الثانية عشرة تأهل على أنه طالب بمعنى خريج أو باحث فى الموروث الدينى الإسلامي، وعندما بلغ سن الرابعة عشرة كان قد حفظ القران عن ظهر قلب، واستمر عبد القادر فترة من الزمن يدرس فصلا فى مسجد العائلة، وكان يساعد والده فى عمله، كان طموح عبد القادر الوحيد يتمثل فى أن يصبح وليا عظيما من أولياء الله الصالحين.

لم يكن عبد القادر مجرد مفكر، وإنما كان أيضا رياضيا عظيما وفارسا ألمعيا وذكيا، كان الرجل فى المعارك الهيكلية محبوبا عند العرب؛ إذ كان يطلق العنان لجواده الأسود ويروح يصوب وبدقة نيران سلاحه وهو واقف على سرج حصانه الأسود، وبينما كان رفاقه يرتدون أحلى ما لديهم من ثياب، كان عبدالقادر يتميز عنهم بشكل واضح ببساطة عباءته (برنوسه) البيضاء ذات الأكمام وقلنسوته، لم يكن يحفل بالزينة سوى فى أسلحته التى كان يسرف فى تزيينها.

عهد بتعليم عبد القادر إلى قاضٍ كبير السن من ازريو، علم عبد القادر شيئا من الفلك والرياضيات والجغرافيا، وأيضا نتفا معلوماتية عن أحوال أوربا هذا كله، بالإضافة إلى تعليمه الدينى، لكن ما إن بلغ عبدالقادر سن الرابعة عشرة حتى قرر والده توسيع مداركه عن طريق إلحاقه بإحدى المدارس فى اوران تلقى فيها جنبا إلى جنب مع أبناء كبار المسئولين الأتراك تعليما أوسع وأشمل فى مجال أدبيات الإسلام، صحبه والده إلى الحرمين لأداء فريضة الحج فمر بالإسكندرية وزار القاهرة، ثم قصدا الحجاز عن طريق السويس، وعرجا بعد الحج على دمشق فأمضيا فيها زمنا، وسار منها إلى بغداد لزيارة مقام السيد عبد القادر الكيلانى، فنالا كل رعاية وإكرام، ثم عادا من هناك إلى الحرمين ثانية، ومنها إلى وطنهما فوصلا إليه فى أوائل سنة (١٨٢٨)، وازداد عبد القادر بعد هذا السفر شغفا بالعلم، واعتزل ولازم الخلوة يطالع كتب العلم والفلسفة والتاريخ والجغرافيا وجمع مكتبة ثمينة.

ولقيمة سيرة القائد عبد القادر، كتب تصدير الكتاب فخامة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، مؤكدا أن عبدالقادر رجل عظيم، استطاع أن يوجه مشاعر الإنسانية كلها من حالات مختلفة إلى حالة مشتركة تحملنا على حبه والبحث فى سيرته ومساراته وعن الاكسير، الذى جعل منه قائدا للثورة وقائدا للمحبة مشرعا للدولة ومشرعا للإنسانية، حاملا سيفه ليمنح الأمل للمظلومين المستضعفين او كما خاطب الفرنسيين فى كبرياء.

كان يعمل وفق عقيدته السمحة مخالفا حينها التوجه الدينى الضيق، الذى نراه اليوم ليؤسس لسلوك إنسانى أوسع نحن فى أمس الحاجة اليه اليوم فى هذه الظروف التى تعيشها البشرية عموما والعالم العربى خصوصا.

فلم يمنعه المشترك الدينى بينه وبين المسلمين والدروز من إيواء المسيحيين، الذين استجاروه وطلبوا حمايته بحكم ما كان له من مقام ومهابة، ولم يكن يرى المختلف الدينى بينه وبين المسيحيين سببا لكى يوصد أبوابه فى وجوههم، وهو ما دعا الشيخ شامل الداغستانى إلى أن يراسله شاكرا له صنيعه هذا قائلا: (إلى من اشتهر بين الخواص والعوام وامتاز بالمحاسن الكثيرة عن جملة من الأنام الذى أطفأ نار الفتنة واستأصل شجرة العدوان .. المحب المخلص السيد عبد القادر المنصف).

ولعل الأمير سبق إعلان حقوق الإنسان بعقود حين رد على أسقف الجزائر وقتذاك السيد بافى وهو يحييه على صنيعه هذا فى حق المسيحيين حين راسله الأمير قائلا: (إن هذا السلوك فرضه الإسلام على أتباعه ويستجيب أيضا إلى حقوق الإنسان).

وحين اختلفت الآراء وتضاربت المصالح عشية افتتاح قناة السويس (١٨٦٩)، صدح بفتوى جواز افتتاحها وكان من الشخصيات البارزة إلى جانب عظماء العالم فى ذلك الحدث العظيم فى تاريخ الشقيقة مصر ..

لذالك بات لزاما على الشعوب التى ترغب فى أن تتسم بالنبل وتتصف بالفضل أن تجعل من الأمير عبد القادر الجزائرى مشتركا إنسانيا بينها وهو القائد العسكرى والشاعر الأديب والعالم الفقيه والفيلسوف الصوفى والثائر النبيه الألمعى الذى وطأت قدماه أرضا إلا وترك شيئا من روحه فيها، فلا غرابة إذن فى أن يسبق فكر الأمير عبد القادر البشرية جمعاء فى وضع أول قانون إنسانى سبق ظهور الصليب الأحمر بسنوات عدة، ولا أدل على ذلك من شهادة أحد دعاة الاستعمار الفرنسى للجزائر الذى ذكره فى كتابه (نابليون الثالث والأمير عبد القادر)، حيث أبان كيف أن أعدادا من الأسرى الفرنسيين القدامى الذين تلقوا علاجا من قبل الأمير كانوا يأتون من مناطق نائية فى اتجاه قصر (بو) و(قصر امبواز)، حيث كان الأمير معتقلا لتحية من كان المنتصر بالأمس وكان يقصد الأمير عبد القادر، ولا غرابة أيضا فى ان تحمل مدينة بمقاطعة كلايتون الأمريكية اسم (القادر)، اعترافا من الأمريكيين بعظمة الأمير عبد القادر، لقد تأثر مؤسسو هذه المدينة حينها بهذا البطل الشاب الثائر ضد الاستعمار الفرنسى ورأوا فيه صورة من صور جورج واشنطن أول رئيس للولايات المتحدة الأمريكية وأسسوا متحفا يضم كتبه وسيرته وصوره وبعض المقتنيات الخاصة به، وما يؤكد تلك السيرة المشرفة فقد كانت مجالس عبدالقادر التعليمية خلايا نحل فى دمشق للمدارس والبحوث والمؤلفات وتحقيق بعض كتب التراث على الطريقة العلمية الحديثة وطبعها وتدريس بعضها، وظفرت خزائن المكتبة العامة بالشام بهدايا قيمة من نفائس الكتب والمخطوطات، التى نهض عبد القادر لجمعها وصيانتها مع الأسرار والوثائق جنبا إلى جنب سنوات إمارته.

وقد تكاثر الشعراء والكتاب والأدباء حمله ولا تكاد تقرأ ترجمة لنابغة بالشام إلا وتلمح فيها غالبا اسم عبدالقادر من قريب أو بعيد وكان موضع ثقة المتذوقين والنقاد.

وتتجسد عظمة عبد القادر فى المبادئ العامة التى حملها مشروع الدولة الجزائرية مشروع معالم دولة مدنية حديثة ليضعها فى منعطف تاريخى غير مسبوق برؤية حكيمة رزينة متزنة وأن مبادئ الدولة الجزائرية التى تصورها نبعت من رجل سياسى وفيلسوف أديب مثقف وفقيه يقول وهو ينبذ الفرقى بين الديانات ويقدم نفسه كرجل حوار (لو كان العالم يسمعنى لجعلت من المسلمين والمسيحيين إخوة، ولعملنا معا من أجل إرساء السلام فى العلام، فالدين واحد باتفاق الأنبياء وإنما اختلفوا فى بعض القوانين الجزئية).

وهذا هو سى قدور بن رويلة وهو واحد ممن كتبوا سيرة الأمير يرسم الرجل صورة لإيمان وتعاطف ذلك الوطنى العظيم الذى هز سلطة وصولجان فرنسا على امتداد خمسة عشر عاما الحاج عبد القادر زاهد فى الدنيا، لكنه ينسحب منها قدر استطاعته وهو يقوم أثناء الليل لكى يفوض أمر روحه وأرواح خدمة لله العلى المتعال ومتعته الوحيدة هى الصلاة والصوم كى ينقى نفسه من الخطايا أنه يخشى الله، فهو مهذب ولطيف مع الناس كلهم، وهو لا يتعالى على عباد الله، وهو رجل فاضل لكنه لا يتباهى بذلك، وهو أمين بمعنى الكلمة ويستحيل أن يأخذ لنفسه شيئا من خزانة الدولة، وهو يقيم العدل حتى مع أضعف المسلمين، وهو لا يأكل أو يشرب أو يرتدى إلا ما يسمح به دينه وهو يصدر أحكامه طبقا أو تأسيسا على أفضل المصادر، وهو لا يطيق الرجل الذى يرتكب إثما كبيرا، وهو يعاقب ولده إذا ما وجد فى نفس هذه الظروف ..

هذه هى الصورة الحقيقية للأمير عبد القادر الناسك الورع البسيط، الذى يثبت أنه ولد قائدا عسكريا ومنظما ودبلوماسيا وإداريا.

إن الذى يتمعن فى مسيرة هذا الرجل العظيم، يدرك جيدا قيمة التسامح كحاجة إنسانية ملحة تستحضرها البشرية اليوم وهى تغوص فى وحل الكراهية وبؤر التطرف، فالتسامح هو الدواء الذى طالما رغبت عنه البشرية ولا دواء غيره وهو القانون الذى أهمله المشرعون وأعمله الأمير عبد القادر الجزائرى وجعل منه دستورا فى معاملاته حتى مع المستعمر الفرنسى معلما البشرية أن هذه القيمة العظيمة لا تكون بين أفراد الدين الواحد والوطن الواحد فحسب، بل حتى بين الديانات والأوطان لأن الإنسان واحد فى نظر الأمير عبد القادر وإن اختلفت البشرية فى لغاتها ودياناتها فإن مشاعرهم واحدة، واليوم يستعيد العالم بكل أطيافه مسألة الحوار بين الحضارات والثقافات والأديان إدراكا منه لا خلاص له إلا فى العودة إلى المنبع الذى ارتوى منه الأمير ومن كانوا من طينته.

ورغم صفات السماحة واللين والحب فكان القائد الحربى الاستراتيجى المقاوم، الذى أسس لفلسفة جديدة فى المقاومة الشعبية حين نراه يجابه آليات العدو وجحافله الجرارة بحرب العصابات فيقول مخاطبا جيشه المحمدى موضحا طريقته فى مواجهة العدو (لا تحاربوا الفرنسيين فى جمع كبير، بل اقتصروا على مضايقتهم ومطاردة أجنحتهم وقطع اتصالاتهم والوقوع على معداتهم ووسائل نقلهم والتراجع الخادع ونصب الكمائن والهجوم المفاجئ لزرع الارتباك والحيرة والدهشة فيهم)، ولم تكن السماحة والحب والإنسانية لتغفل الأمير عن مواقفه العنيدة الشرسة وهو يجمع طرف برنوسه ويرفض مساومات المستعمرين فى سجنه قائلا (لو وضعتم كل ثروات فرنسا وملايينها فى برنسى هذا لرميتها فى أمواج هذا المحيط).

توصل عبد القادر إلى تنظيم دولة بحكومتها وإدارتها وجيشها وأجهزتها وأهم من ذلك كله إرساء قواعد نظام اقتصادى حديث وكانت الدولة عبارة عن فيدرالية تضم ثمانية خلفاء تعمل على تجديد الهيكل الاجتماعى الجزائرى يعمل على القضاء على كل الامتيازات وعلى توحيد الإدارة وتعميم عدالة ترتكز على مبادئ الإسلام، وكان الجيش النظامى يتكون من متطوعين تعززهم وحدات من مختلف القبائل.

ولكن المقاومة الشعبية هى التى كانت لها القوة والاستمرارية حتى نهاية القرن التاسع عشر.

برزت الشخصية الجزائرية وهى التى أعطت الأمير المحتوى الحقيقى لمقاومة الاحتلال الفرنسى وكان عبد القادر يجسم الوطنية.

بدأ عبدالقادر حياته العملية فى مقاومة الفرنسيين ومحاربتهم بأن بعث الفزع فى قلب عدوه الجنرال ديميشيل وجعل منه طعمة لليأس وحاول العدو عقد المعاهدات حتى يجدوا الوسيلة لرضوخ المير لأطماعهم ورغباتهم ولكن دون جدوى، وظل عبد القادر الشوكة فى قلب الاستعمار حتى لم يعد لفرنسا حول ولا قوة إلا الصبر.

ودلت الحوادث بوضوح على أن فرنسا لن تجد أمامها فى المستقبل سوى أحد حلين فى علاقاتها مع هذا العالم الإسلامى الذى لم يفهمه الفرنسيون على حقيقته، ولم يستطيعوا إنشاء أى علاقة معه فإما الجلاء التام عن الجزائر، وإما احتلال البلاد احتلالا كليا، ولقد رأى الحاكم العام (بوجو) فى سنة ١٨٤١ م الأخذ بالحل الأخير وتعميم الحرب من أجل الحرب ويصور للتاريخ القائد الفرنسى الكونت دى هيرسون وحشية المستعمر وهى شهادة من رجالهم:

( فظائع لا مثيل لها .. أوامر بالشنق تصدر من نفوس كالصخر يقوم بتنفيذها جلادون قلوبهم كالصخر .. بالرمى بالرصاص أحيانا وباستعمال السيف أحيانا أخرى فى أناس مساكين جل ذنبهم إنهم لا يستطيعون إرشادنا إلى ما نطلب إليهم أن يرشدونا إليه).

(إنى فى الواقع لأشك أحيانا فى شرعية احتلالنا لهذه البلاد، فإن للقبائل حق الأولوية الذى لا مرية فيه فى المعيشة بين ديارهم كما هو حالهم منذ أجيال مضت .. ويبدو لى أن العرب لم يسيئوا التصرف فى معيشتهم هنا ماداموا يحكمون أنفسهم بقوانين ديمقراطية صالحة ... ونحن نقسو عليهم لا لشيء إلا أننا أقوى منهم).

وفى عام ١٨٤٥ أدخل المستعمر نظام الإبادة المتبع للقضاء على الشعب الجزائرى طريقة ( جهنم ) وهى القتل الجماعى بلا رحمة، وشغلت هذه الفعلة النكراء الرأى العام فى فرنسا وفى هذه الفترة فر عبد القادر إلى مراكش وزج بسلطانها فى الحرب إلى جواره ضد الفرنسيين وانتهت بمعاهدة فى (١٠ سبتمبر ١٨٤٤ بين مراكش والفرنسيين، ولكن انضم عبد القادر إلى الثوار فى جبل الظهرة وجبل وارسبنس عام ١٨٤٥، وحرز عدة انتصارات وكانت المهمة صعبة والمعارك غير متكافئة من العدد والعتاد وعاد الاحتماء بمراكش حيث أخذ حاله تسوء وتتدهور؛ إذ بدات القبائل تتوق إلى السلم وأخذ السلطان يتنكر له، فعاد إلى الجزائر عساه أن يجد أعوانا لمواصلة الحرب فوقع فى قبضة القوات الفرنسية وأعرب عن إقامة فى سوريا ووعده الفرنسيون بتحقيق رغبته ولكنهم اعتقلوه فى (باو)، ثم نقلوه إلى (امبواز)، وظل بها حتى عام ١٨٥٢، وفى نهاية المطاف نفى إلى دمشق وبها توفى عام ١٨٨٣

ويأتى كتاب عبد القادر صقر الصحراء ليضع قيمة هذا الأمير فى مكانة يستحقها فى التاريخ، فهو أسطورة لها مجد خاص، حيث إن شخوص التاريخ ورجالاته فى الغالب يبتعدون مع الزمن يتحولون إلى اسم تؤسس به المعاجم وكتب التاريخ، لكن هذا الحال لا ينطبق على الأمير عبد القادر؛ لأنه ببساطة مجموعة أفكار وقيم تنمو وتتطور مع مرور الزمن وتحمل قدرة عجيبة على التجدد والتواؤم عبر مختلف العصور والأزمان، وأن الفكرة الأصيلة العميقة المتجددة لا تحدها الجغرافيا ولا التاريخ، إنها تتعدى الحدود المكانية والزمانية.

واستحضار صورة عبد القادر فى عيون أبناءه وفى أغانى من أرهقهن الظلم والقهر، تلك الأمهات الثكالى والنساء الأرامل وهن يلهجن باسمه، لكى يلبى النداء ويخلصهن من الظلم، فيقول فخامة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة فى تصدير الكتاب (لقد كانت جداتنا تلجأن إليه صباح مساء وهن يرين بزة الاستعمارى الفرنسى تجوب المداشر والقرى والمدن والأرياف، فكان رجاؤهن المباشر بعد الله عز وجل ونبيه الكريم (سيدى عبد القادر) المتماهى روحيا مع القطب الربانى سيدى عبد القادر الجيلانى، ولم يكن الأمير يصل إلى هذا المقام المقدس فى وجدان الشعب ما لم يكن هذا الشعب على القدر نفسه من الحضور فى وجدان الأمير.

ولو قدر للأمير عبد القادر أن يكون مجرد وطنى شجاع فإنه قد يحظى فقط بالاحترام والتقدير، اللذين تحظى بهما الشجاعة حيثما وجدت، لكن الأمير عبد القادر كان أكثر من مجرد بطل، لقد حارب الأمير وناضل وكافح متسما بالفروسية، وعندما استسلم فى نهاية المطاف لم يكن الوعد الذى قطعته فرنسا على نفسها كافيا لإنقاذ الرجل من سجن ظالم دام خمس سنوات ومع ذلك فإن الرجل لم يصفح عن أعدائه وحسب، وإنما أصبح لهم مؤيدا عتيدا وحليفا مخلصا إلى أبعد الحدود، هذه الشهامة أمر يصعب ان يكون لها مثيل.

ولو قدر لعبد القادر العثور على أناس يقومون مقامه فلربما استطاع طرد الفرنسيين إلى عرض البحر لو كان أهله وذووه على استعداد لاتباعه فى السلم مثل اتباعهم له فى الحرب لمكنه ذلك من إيجاد أو تأسيس إمبراطورية مستقرة فى شمال إفريقيا، وبعد ذلك بسنوات كثيرة قال الرجل هذه الحقيقة المرة لواحد من الفرنسيين حاربه وناصبه العداء: أنا لم أجد فى مراكش والجزائر كلتيهما رجلا له قلب مثل قلبى.