لا شك أن الأمومة نعمة، تتمناها كل سيدة في الدنيا، ولا يشعر بقيمة تلك النعمة إلا من حُرم منها، فالأمومة من النعم الإلهية، يهبها الله لمن يشاء ويعوض فاقدها بنعم أخرى، تلك منظومة العدل الإلهى فى توزيع هباته لخلقه.
تعتبر أم كلثوم أشهر من حملت لقب "أم" في الوطن العربى، ولم يُقدر لها أن تكون أمًا، وقد تزوجت أم كلثوم من الدكتور حسن الحفناوى فى وقت متأخر، ورغم تأكيد بعض الشخصيات أن أم كلثوم تزوجت من الموسيقار محمود الشريف وأيضًا ما تداولته بعض الصحف والمجلات، إلا أنها لم ترزق بأولاد، وركزت أم كلثوم فى بداية رحلتها الفنية على بناء كيانها الفنى وحرصت ألا يعوقها شيء، وفضلت العزوبية فترة طويلة حتى لا يشغلها الزواج وتربية الأولاد عن مجدها الفنى الذى كانت تنشده، ويمضى العمر، ويأتي على الإنسان حقبة يشعر فيها بالحنين إلى ما فقده أو إلى ما تناساه.
مثلت أم كلثوم الأمومة فى فيلم نشيد الأمل أو منيت شبابى عام 1937 وغنت أغنيتها الشهيرة "نامى يا ملاكى"، من كلمات أحمد رامى وألحان محمد القصبجي، ويا للوعة والوجد والأمومة التى تفيض من ثنايا كلماتها وروعة أدائها .
حققت أم كلثوم ما نشدته من مجد وبقى الحنين يراودها إلى الأمومة، وسعت إلى تحقيق أمنيتها بأن تكفلت بطفل صغير من قريتها عام 1963، وهو الطفل عادل إبراهيم، الذى وجدت فيه أم كلثوم غايتها وحقق لها بعض مشاعر الأمومة التى حرمت منها، وتكفلت بالطفل وعاش معها في فيللتها ولم يشعر أبدًا الطفل بأة تقصير، فهو فة كنف ورعاية أم كلثوم، نهر العطاء والود والمحبة .
وحرصت أم كلثوم على اصطحاب عادل فة كل نزهاتها وأوقات فراغها، وألحقته بالمدارس ووقعت على أوراق التحاقه بصفتها ولى أمره، وطوال حياتها كانت حريصة على زيارة الملاجئ ودور الأيتام وتقديم الدعم لهم، وأيضًا خلال رحلاتها للدول العربية، كانت تجلس ساعات طويلة عند زيارتها لدور الأيتام تداعب الأطفال وتغمرهم بفيض حبها وتتحسر من اللوعة على تلك النعم والزهور التى لا تجد إلا الملاجئ مكانًا يأويها.
رحلت أم كلثوم وهي تعلم أنها رغم أنها لم تنجب، ولكن كل أبناء الوطن العربي أبناؤها، فقد غمرتنا طوال مسيرتها الفنية والغنائية بأروع مشاعر الود والمحبة بما تركته من أغانٍ تهذب الأرواح وتسعد الأفئدة.