بقلم – د. عباس شومان
بعد أن استعرضنا في المقال السابق من لهن حق حضانة الطفل على الترتيب يجب أن نوضح من يحق له حضانة الطفل من الرجل. فإذا لم توجد مستحقة للحضانة من النساء فإن حق الحضانة عند الأحناف ينتقل إلى العصبات من الرجال مطلقا إن كان الطفل ذكرا، وإلى العصبات المحارم إن كانت أنثى على ترتيب المواريث: يقدم الأقرب منهم إلى الطفل على الأبعد فتكون للأب، فالجد من جهة الأب وإن علا، فالأخ الشقيق. فالأخ لأب، فابن الأخ الشقيق، فابن الأخ لأب، فالعم الشقيق، فعم الأب الشقيق، فعم الأب لأب، فعم الجد الشقيق، فعم الأب لأب فهؤلاء لهم حق الحضانة للطفل ذكرا كان أو أنثى لأنهم محارم له.
فإن كان المحضون ذكرا انتقل حق الحضانة إلى ابن العم الشقيق، فلأب. ولا حضانة لهما إن كانت المحضونة أنثى لأن الحضانة تمتد إلى سن المراهقة فيخشى من الوقوع في الفتنة. فإن لم يكن للطفلة حاضن غير ابن العم اختار القاضي ما يراه صالحا لها. فإن كان ابن العم مأمونا سلمها له، وإن لم يكن كذلك وضعها عند امرأة صالحة. فإن لم يوجد عاصب مطلقا انتقلت الحضانة إلى المحارم من غير العصبة، فتكون للجد لأم، ثم الأخ لأم، ثم ابن الأخ لأم، ثم الخال الشقيق، ثم الخال لأم، ثم الخال لأب. فإن لم يوجد ممن سبق أحد انتقلت إلى القرابة من غير المحارم كأبناء الخال، والخالة إن كان المحضون ذكرا، ولا تثبت لهم على الأنثى إلا أن يرى القاضي ذلك. فإن وجد أكثر من مستحق على درجة واحدة كأعمام أشقاء، اختار القاضي أقدرهم على حضانة الطفل وهو أفضلهم صلاحا وورعا، فإن كانوا في ذلك سواء فأكبرهم سنا لحنكته وخبرته.
أما رأي المالكية: فهو كالحنفية إلا أنهم يختلفون في إثباتها للجد لأم، ويقدمون على الجميع الوصي.
أما رأي الشافعية: فالمنصوص عليه عند الشافعية يوافق ما ذهب إليه الحنفية، فالحضانة عندهم بعد النساء تنتقل إلى العصابات حسب ترتيبهم في الإرث كما ذكر الحنفية، ولهم رأي آخر أنها لا تكون إلا للأب والجد لأب وإن علا، لأن الأصول هم الأقدر على حضانة الطفل لأن لهم معرفة بها، كما أن لهم ولاية بأنفسهم، ولا تكون للأخوة وغيرهم من العصبات لأنه لا معرفة لهم بالحضانة ولا لهم ولاية بأنفسهم فلم تكن لهم حضانة كالأجانب.
أما رأي الحنابلة: الأخوة، ثم بنوهم، ثم الأعمام، ثم بنوهم، ثم أعمام أب، ثم بنوهم وهكذا ومن خلال ما سبق يتضح أن الفقهاء اتفقوا جميعا على أن أولى الناس بالحضانة الأم سواء وجد غيرها أم لا ، وجمهورهم يقدم الجدة لأم على الجدة لأب، كما يقدم الجدة لأب على الأخوات والخالات، بينما يقدم زفر والمالكية الخالات عليها، وكذلك عمات الأم عند المالكية، كما يقدم الشافعيّة في الجديد عليها وعلى الخالات الأخوات.
كما يقدم جمهور الفقهاء القرابة التي من جهة الأم على التي من جهة الأب، كالأخوات لأم على الأخوات لأب، والعمات لأم على العمات لأب، بينما يقدم الشافعية في الصحيح عندهم قرابة الأب على قرابة الأم، فتقدم عندهم الأخت لأب على الأخت لأم.
كما ينص المالكية والشافعية والحنابلة على تقدم الأب في حق الحضانة عند اجتماعه مع النساء المستحقات للحضانة، فيكون بعد الجدة لأب عند المالكية، و الشافعية، وبعد الجدة لأم وقبل الجدة لأب عند الحنابلة، بينما يرى الحنفية أن انتقالها للرجال ومنهم الأب مرتبط بوقت، وهو ما بعد البلوغ، ولذلك نلاحظ أن الحديث عن حق الحضانة للرجال يبدأ عند الجمهور بالأخوة وعند الحنفية بالأب.
كما أثبت جمهور الفقهاء الحضانة للعصبات وإن بعدت درجتهم عن الطفل كأبناء العم، وعند الشافعية رأي يقتصر على إثباتها للأب والجد لأب.
وهنا يجب أن نجيب على السؤال الآتي من الأحق بالحضانة عند اجتماع النساء والرجال؟
الحنفية يجعلون حق الحضانة للنساء في وقت، وللرجال في وقت، فالنساء عندهم مقدمات على الرجال في الحضانة، ثم يقسمون النساء إلى قسمين: القسم الأول: الأم والجدتان يكون لهما حق حضانة الطفل الذكر حتى يستغني عنهن فيأكل ويلبس ويستنجي عند بعضهم وحده، ويكون ذلك في سن السابعة أو الثامنة غالبا، فإن كانت المحضونة أنثى امتدت الحضانة إلى وقت حيضتها، لأنها بعد الاستغناء تبقى في حاجة إلى تعلم أخلاق النساء وخدمة البيت، والنساء على ذلك أقدر من الرجال فتبقى عند الحاضنة، أما بعد البلوغ فهي في حاجة إلى حماية والرجال على ذلك أقدر فتنتقل الكفالة إلى الرجال. أما القسم الثاني من النساء: فهن بقية المستحقات لها غير الأم والجدتان كالأخوات والخالات، فإن كانت الحاضنة واحدة منهن فإن حضانتها للذكر والأنثى على السواء تنتهي باستغناء المحضون أو المحضونة عن حاضنته في الأكل واللبس وغير ذلك ثم تنتقل إلى الرجال، وإنما انتهت حضانة الأنثى كالذكر هنا بالاستغناء وإن بقيت في حاجة إلى تعلم أخلاق النساء والخدمة، لأن تعلم ذلك فيه استخدام للمحضونة وليست للحاضنة حق في استخدامها فتسلم إلى الأب احترازا عن الوقوع في المعصية.
أما الشافعية، والحنابلة، والمالكية: فقد نص الشافعية على ترتيب حق الحضانة بين الرجال والنساء عند اجتماع النساء والرجال من أهل الاستحقاق، بينما ظهر ذلك في مذهب المالكية عند ترتيب من لهم حق الحضانة، حيث جعلوا الأب بعد الجدة لأب، فهم كالشافعية والحنابلة يقدمون بعض الرجال على بعض النساء دون التقيد بسن معينة. ويتفق الشافعية والحنابلة على تقدم الأم على الأب عند اجتماعهما وتوافر شروط الاستحقاق فيهما، لأن الأم لها ولادة مؤكدة وهي أقدر على حضانة الطفل، بخلاف الأب فولادته مظنونة، وقدرته على الحضانة ليست كقدرتها، ثم الشافعية والحنابلة في الرواية المشهورة: يجعلون الحق بعد الأم للجدة لأم، ثم الأب، ثم الجدة لأب، ثم الجد لأب، ثم أمهات الجد لأب، ثم جد الأب، ثم أمهات جد الأب.