يولي الرئيس عبد الفتاح السيسي، أهمية قصوى للحفاظ على الهوية المصرية من خلال تبنيه للعديد من المبادرات ومتابعته المستمرة للمشروعات الخاصة بالتراث والحضارة المصرية؛ بهدف التصدي لمحاولات تجريد المصريين من هويتهم وإدخال ثقافات غريبة وافدة عليهم، لتسليم الأجيال القادمة هوية مصرية، قادرة على التعامل مع الواقع وتطويره.
وأكد محمد بدري مؤسس مبادرة (التراث للجميع) والباحث في مجال التراث والدراسات المتحفية بكلية السياحة والفنادق جامعة حلوان اليوم أن الثقافة والتراث هما أدوات مهمة للحفاظ على الماضي الموروث والذي يرتكز عليه في تشكيل الحاضر.. مشيرا إلى أن الحفاظ على المدن والمباني التراثية يساهم في إعادة تشكيل الهوية الثقافية القومية خاصة للأجيال الشابة من أجل دعم إحساس الانتماء.
وأوضح أن المدن التراثية عبارة عن مجموعة من المباني التاريخية تتجمع فى سياق حضري واحد ذات فترات تاريخية متعددة أو تمثل فترة تاريخية واحدة شاملة عنصر الاستدامة والتكامل والأصالة.. وأنه طبقا لقائمة المدن التراثية المسجلة في منظمة مدن التراث العالمي، هناك ما يقرب من 300 مدينة تراثية حول العالم منها مدينة القاهرة التاريخية في مصر ودمشق وحلب فى سوريا وقرطبة وغرناطة في إسبانيا وروما وسيسلي في إيطاليا وتونس والقيروان وسوسا في تونس.
وأشار إلى أن منطقة "القاهرة التاريخية" تعد مدينة تراثية سجلت على قائمة "اليونسكو" للتراث العالمي طبقاً للمعيار الأول والخامس والسادس ، وتضم العديد من الشوارع والمباني التاريخية ذات التنوع المعمارى والوظيفى الرائع بين أسبلة ومساجد وبيوت وكتاتيب وحمامات ووكالات محافظة على شكل النسيج الحضري التقليدي فى العصور الوسطى فضلاً عن أهميتها التاريخية والسياسية والفكرية والتجارية خلال تلك الفترة.
وقال بدري: إنه طبقا للقوانين المصرية، يعتد المبنى أثرا بعد مرور مائة عام ويختلف معيار اعتبار المبنى أثريا من دولة لأخرى فقد تعتبر بعض دول الخليج العربي كل ما يمر عليه 40 أو 50 عاما أثرا، وقد نطلق عليها مبان أثرية أو تاريخية.
وأضاف إن خبراء اليونسكو عظموا إطلاق كلمة ( التراث ) على المباني، فالمبنى ليس مجرد حجر أو طراز معماري أصم، ولكن يشمل مجموعة من الروابط العاطفية والعادات والتقاليد والأحداث التاريخية التى ترتبط بالمبنى منذ لحظة تخطيطه حتى وقتنا الحالي، ولكن نظرا للاهتمام الدائم بتاريخ الحكام والمشاهير فيتم الاغفال عن التاريخ الشعبي والأحداث التى ترتبط به وما أورثوه لنا من عادات وتقاليد وأمثال وثقافة.
وتابع أنه طبقا للمعيار الثالث والسادس من معايير تسجيل اليونسكو لمواقع التراث العالمى، فالمبانى التراثية يمكن تسجيلها لإحتوائها على قيمة استثنائية تعتمد على تقاليد ثقافية أو مظاهر حضارية ما زالت معاشه أو اختفت بمرور الزمن فضلا عن ارتباطها ، بشكل مباشر أو ملموس بالأحداث أو التقاليد الحية أو الأفكار أو المعتقدات ، وبالأعمال الفنية والأدبية ذات الأهمية الثقافية البارزة.
وشدد على أن الحفاظ على المبانى التراثية لا يعد عائقا لعملية التنمية ، فالكثير من الدول الأوربية والعربية تعتمد على إحياء تراثها واستخدامه كأجزاء لا غنى عنها فى إقتصادها القومى وعلى سبيل المثال لا الحصر مدينة غرناطة و تونس و القيروان.
وأوضح أن اليونسكو عند اقرارها أركان عملية التنمية المستدامة وضعت التراث المادى والمعنوى كأحد الضلوع الأساسية فى تفعيل التنمية المستدامة ، من خلال وضع خطه لإعادة تأهيل و استخدام المباني التاريخية و التراثية.
وأكد أن المبانى التراثية بشكل عام هى كيانات ثقافية غير هادفة للربح، ولكن يجب استغلالها بحيث تستوعب عددا من الأنشطة داخلها ، والتى تعود بدخل يقوم على تغطية تكاليف المبنى من صيانة وحفاظ ومواد خام وتسويق وإدارة ورفع مستوى التسهيلات وغيرها.
وبالنسبة لوضع المبانى التراثية فى ظل الإحتياجات الجديدة للمجتمع وعملية التطوير ، قال الباحث الأثري إنه يمكن الحفاظ على المبانى التراثية من خلال إعادة التأهيل والإستخدام ووضع خطط تقوم على حل المشكلات ودرء الخطورة التى تواجه المبنى ، وتحديد طبيعة الأنشطة المتناسبة مع القيم والهوية الثقافية للمبنى ، الواجب اتخاذها فى الاعتبار ، ووضع رؤية تحمل فى طياتها أبعادا إقتصادية تراثية مما يساعد على الحفاظ على المبنى التراثى واستدامته وليس هدمه.
وأشار إلى أن سكان تلك المبانى التراثية لايعتبرون عائقا فى الحفاظ عليها ، فهم بمثابة مراقب الجودة تحقيقا وتفعيلا لمشاركة المجتمع المحلى فى الحفاظ على التراث ، وأداة الدولة فى مراقبة والحفاظ على المبنى التراثى من الهدم أو التغيير فى ملامحه .
وعرض التجربة الصينية ، فى هذا الصدد ، حيث تقوم الصين بصيانة المبانى التراثية الريفية وتساعد سكانها على استغلال الأماكن غير المستغلة فى منازلهم ، مما يساعد على الحفاظ على المبنى بصورة طويلة الأجل، ورفع مستوى الانتماء والإحساس بالأهمية الاقتصادية للمبنى التراثى.
وللحفاظ على الهوية الثقافية الكامنة فى تراثنا المصري.. طالب بدري بإنشاء كيان موحد يضم كافة الوزارات والجهات المعنية التى لها السلطة على صيانة وإعادة استخدام المبانى التراثية والحفاظ عليها لضمان إصدار كافة القرارات والتشريعات الخاصة بالتراث الثقافي مدركة كل الأبعاد الإدارية والاقتصادية والاجتماعية مما يقلل من عواقب تضارب القرارات ومتطلبات تطبيقها.
وأوصى إلى جانب وضع قوانين صارمة للحفاظ على التراث ، بوضع منظومة ومعايير تقييم ومراقبة صارمة واضحة بدون ثغرات تحدد مدى جودة تطبيق تلك القوانين، وإعداد خطة إدارية لكل عنصر تراثي لتعظيم الاستفادة من القيم الثقافية والجمالية والاجتماعية والمعمارية الفريدة التي تكمن في كل مبنى والقدرة على استغلال التلاقي الثقافي بين كل مبنى وآخر من خلال خلق أنشطة تتناسب مع الهوية الثقافية لكل مبنى.