الأحد 16 يونيو 2024

انا مصر أيها الصغار

22-3-2017 | 12:49

فى الفترات الأخيرة أخذت بعض الصيحات تتعالى فى سماء مصر، وكانت هذه الصيحات تطرح سؤالا جدليا هو: هل من سبيل للتصالح مع جماعة الإخوان؟ والغريب أن هذه الصيحات لم تخرج من جماعة الإخوان، بل إن الإخوان فى ردود أفعالهم يظهرون حرصهم الدائم على عدم الصلح.

نعلم أنه صدر قرار رئاسى منذ فترة بالعفو عن العقوبة المقضى بها لعدد من الشباب كان منهم بعض الإخوان، ثم صدر مؤخرا قرار آخر بالعفو عن أكثر من مائتى شاب معظمهم من الإخوان، وقد اعتقد البعض أن هذا الإفراج مؤشر لصلح ما! فى حين أنه كان إعادة تأهيل لبعض الشباب الذى كان حديث عهد بالإخوان، وكانت جرائمهم عبارة عن تظاهرات وإتلاف لواجهة بعض المحال التجارية، وكانت التقارير عنهم تشير إلى أن العقوبة أحدثت أثرها فيهم، ورُئى أن استمرار تنفيذ العقوبة عليهم من شأنه أن يجعلهم فريسة فى يد الإخوان، ولذلك فإن أى عفو رئاسى قد تكون له منطلقاته الأخلاقية، والإصلاحية، ولا يدل أبدا على أى مؤشرات لصلح ما.

 

إلا أنه ما بين هذين العفوين خرج منتصر الزيات المحسوب على الإخوان ببرنامج فى إحدى القنوات التركية استمر لعدة حلقات، أخذ ينظِّر فيه للصلح ومستوياته على مستوى العالم، وحالاته، وتطبيقاته المختلفة، ثم أدخل هذا فى إمكانية صلح الدولة مع الإخوان، وأخيرا خرج صهر خيرت الشاطر فى قناة تركية إخوانية، ليتحدث عن وجوب أن يحدث صلح بين الإخوان والدولة، مشيرا إلى أن الجيش المصرى جيش وطنى وأن الشرطة المصرية لها تاريخها الوطنى المشرف، وأن فكرة الشرعية وعودة مرسى هى من الأفكار التى يجب أن يهجرها الإخوان والنظر بواقعية للحالة السياسية والاجتماعية والاقتصادية لمصر، وأن الإخوان يجب أن يعملوا لمصلحة مصر قبل أن يفكروا فى مصلحة التنظيم، وهذا كلام لم يقله أحد من الإخوان من قبل، ومن بعد كلام صهر الشاطر قام فريق بعينه من الإخوان بتسريب حوار مع محمد بديع من داخل محبسه ـ ثبت أنه مزور وأن مدحت الحداد الهارب فى تركيا هو الذى قام بتزويره ـ نسب له فيه أنه لا يقبل أى صلح مع الدولة المصرية بأى شكل من الأشكال، وكأن من زوّر هذا الحوار المجهول يحاول أن يقطع الخطوط مع فريق من الإخوان يتمنى أن يحدث صلح مع الدولة!.

وبعد ذلك قرأنا تصريحات قاطعة من القيادى الإخوانى الدولى راشد الغنوشى التونسى عضو مكتب الإرشاد الدولى للإخوان، أقر فيه بأن الإخوان فى مصر وقعوا فى أخطاء كبيرة، وأن العنف الذى مارسوه سبب ضررا كبيرا للحركة الإسلامية، وشوه سمعتها، وأفقدها شعبيتها لدى الجماهير، وأن الجميع يجب أن يعلم أن الوطن مقدم على كل شيء، وأنه فى تونس سيدافع عن وطنه ضد أى إرهاب ولو كان من الإخوان، وأن إخوان مصر قدموا مصلحة التنظيم على مصلحة الوطن ثم على مصلحة الإسلام نفسه، وبسبب هذه التصريحات تعرض راشد الغنوشى لهجوم إخوانى كبير من عدد منهم على كافة المستويات، سواء على مستويات القيادة العليا، أو القيادات الوسيطة، أو الأعضاء العاديين، إلا أن هذه التصريحات ألمحت أن هناك عددا من الإخوان يقومون بمراجعة التجربة وتقييمها، ومن ثم تقويمها، إلا أنها أشارت أيضا أن هناك عددا لا بأس به من الإخوان يرفضون هذه المراجعات تماما، ويتهمون أصحابها بالعمالة للأنظمة، ويقولون إنه لا تصالح ولا استسلام، وأن الطريق الوحيد لحركة الإخوان فى مصر هو طريق الحراك الثورى المسلح، حتى يعود مرسى مرة أخرى كما يقولون، ومن ثم محاكمة كل قيادات مصر وإعدامهم!.

ولكن ما هو واقع أخبار هذا الصلح المزعوم فى المجتمع المصرى بطبقاته ونخبه وجماهيره وأحزابه؟ مما لا شك فيه أن مسألة الصلح قد أثارت حالة من الجدل النخبوى داخل مصر، لدرجة أن بعض النخب التى لم تدرس الواقع تفكر أنه لكى نتخلص من كابوس العنف يجب أن نتصالح مع الإخوان، وقد تسربت تلك الأفكار لبعض الوزراء وكبار المسئولين حتى أن الوزير السابق مجدى العجاتى حاول أن يمرر فكرة الصلح هذه عن طريق الزعم بأن الدستور هو الذى اشترطها فى حين أن الدستور لم يتطرق لهذا الأمر على الإطلاق، ومن بعده مسئول مجموعة دعم مصر النائب سعد الجمال، مما أعطى انطباعا بأن هناك توجها رسميا من الدولة بالصلح مع الإخوان وأن مقولات هؤلاء ما هى إلا جس نبض للجماهير وردود أفعالهم على تلك الدعوات، والحقيقة أن هذا الأمر غير صحيح، وأظن أن مقولات هؤلاء كانت مجرد اجتهادات شخصية ظنوا منها أنهم يحسنون صنعا، إلا أنها دلت أيضا على أنهم لا يعرفون ألف باء السياسة، وليست لديهم أى قدرة على دراسة الواقع وقياس توجهات الجماهير المصرية! إذ إن الجماهير تعيش فى حالة أخرى بعيدة عن ذلك الذى تفكر فيه النخب المسيسة، فالجماهير فى غالبيتها ترفض الإخوان بعد أن كانت تتعاطف معهم فى أزمنة مختلفة، ورفضها للإخوان هو رفض للجماعة وقر فى يقين الشعب أنها جماعة تعادى مصر، وتسعى إلى خرابهاِ.

أما على عموم النخب فإن الحديث والاشتباك السياسى بينهم يدور بين من ينادى بالتصالح وعدم الإقصاء، ومن يطالب بإقصاء الجماعة وأفرادها، وقبل أن نحرر المسألة، كما يقول علماء أصول الفقه، يجب أن نقرر أولا أننا لا ينبغى أبدا أن نعمم أو نشخصن ونحن فى مجال التشخيص والعلاج، فمن المقطوع به أن من لم يشارك فى أى عنف أو إرهاب من أفراد جماعة الإخوان فله أن ينخرط فى الحياة السياسية كما يشاء، كفرد من الأفراد، ينتمى لمصر، ولا علاقة له بتلك الجماعة، بمعنى أنه يجب أن يتحرر أولا من انتمائه لذلك التنظيم، ثم له أن يفعل بعد ذلك ما يشاء لخدمة مصر فقط، ولكن ما الأمر بالنسبة للكيانات؟ كيان جماعة الإخوان؟ ليس الأمر ملغزا أو ملتبسا، ولكنه يحتاج فقط إلى معرفة «الركائز المنهجية» لجماعة الإخوان حتى نصل إلى الإجابة، وأول ركيزة ينبغى أن نسبر غورها هى موقف الإخوان من الوطن، ثم رؤية الإخوان للفصائل السياسية المختلفة، ومدى إيمانهم بالديمقراطية وتداول السلطة، ويأتى من بعد ذلك البحث عن دين الإخوان، هذه هى الركائز المنهجية التى أعنيها، والتى من خلالها نستطيع الإجابة على سؤال الصلح والإدماج أو الإقصاء والعلاج.

أما عن موقف الإخوان من الوطن فليس خافيا علينا أن مخاوفنا قد تصاعدت إلى عنان السماء عندما اصطدمنا بعبارة المرشد السابق للجماعة مهدى عاكف القبيحة، حينما تحدث منذ سنوات بصوته الفظ المبحوح قائلا: طظ فى مصر، لا شك أن العبارة كانت صادمة لنا، ولكنها فى ذات الوقت لم تكن مستغربة من الجماعة، فلم تستنكرها أو تبررها، وكأن مصر لا تعنيها من قريب أو بعيد، وبعد أن قال «عاكف» ممثل الجماعة وصوتها الرسمى المعبر عن أفكارها عبارته هذه، أردفها بعبارة أخرى هى «نحن كإخوان نقبل أن يحكمنا مسلم من أى بلد فى العالم ولو كان من ماليزيا»، كانت هذه العبارة متعددة المعاني، فمنها ومن سياقها نعرف أن الجماعة لا تمانع من أن تحتل دولة أخرى مصر طالما كانت دولة مسلمة متفقة مع الإخوان فى المنهج والمرجعية، فلا قيمة للوطن، ولا أهمية للمواطنة، وليس لدى الجماعة وفقا لعبارة مرشدها ما يمنعها من التخلى عن أجزاء من الوطن؛ لكى يتم ضمها لدولة أخرى، ولو تتبعنا ما حدث أثناء حكم الإخوان لمصر وأمعنا النظر فى علاقة الإخوان بالبشير رئيس السودان لعرفنا قدر أرض مصر عند إخوان مصر، وسأعود بكم لتوضيح الصورة إلى أكثر من عشرين سنة مضت، فذات يوم عندما جاء البشير زائرا لمصر فى بداية التسعينيات كان من حظى أن قابلته مع مجموعة من الإخوان، حيث أتى لنا زائرا فى نقابة المحامين ثم خرج منها إلى مقر جماعة الإخوان، وفى مقر الجماعة لقى احتفاءً كبيرا، واحتضنه المرشد حامد أبو النصر وقال له: الحمد لله أن جعلنا نصل للحكم فى السودان فهذه بشرى يا بشير الخير بالنسبة لنا فى مصر.

وفى شهر إبريل من عام ٢٠١٣ جلس رئيسان ينتميان لجماعة الإخوان يقرآن القرآن فى أحد مساجد الخرطوم، كان أحدهما عمر البشير، وكان الثانى هو محمد مرسي، وبعد أن قرآ ورد الرابطة، خرج محمد مرسى ليعد السودان بمنحها الأرض المصرية «حلايب وشلاتين».

وحين قال القيادى الإخوانى صفوت حجازى فى حضور محمد مرسى إبان الدعاية لانتخابات الرئاسة «سننشئ دولة الولايات العربية وستكون عاصمتها القدس»، ساعتئذ لم يدر فى خيال حجازى أى اسم أو رسم لمصر، فما مصر لديه ولدى جماعته إلا إقليم من أقاليم دولة أكبر، لذلك لم يكن من المستغرب أن تكشف الأحداث بعد ذلك أن مرسى كان قد اتفق مع أمريكا وإسرائيل على التخلى من جزء من سيناء، يتم ضمها لغزة حتى يتم ترحيل غزة بضعة كيلو مترات؛ كى يتم إفساح الطريق لإسرائيل كى تتنفس براحتها، وليس لدى الإخوان أى حرج من هذا الأمر، فهو فى تقديرهم لا يفت فى عضد وطنيتهم لأنه لا وطن لهم، وطنهم الذى يتوهمونه يعيش فى سماء تنظيمهم الدولي، يتحدثون عن الخلافة وهم لا يدركون معانيها ومقاصدها، ويصنعون منها كعبة أو على الأصح هرما يعادى الانتماء للوطن، وما كانت كعبة ولا وهرما ولكنها هى «الوعاء الإنسانى والمجتمعي»، الذى من شأنه إقامة معانى الإسلام ومقاصده، بدِّلوا الوعاء وغيروا شكله كما شاء لكم الاجتهاد، ولكن لا تهدموا المقاصد من أجل الأوعية، فما قيمة الوعاء إذا كان خاليا إلا أن تتزين به الموائد، وما قيمة الوعاء إذا هدموا به معانى الانتماء للوطن، هذا هو الوطن فى عيونهم، ما هو إلا مجرد قطعة أرض يجوز الاستغناء عنها لمقصد يحسبونه أكبر، ويظنونه أولى.

أما عن نظرتهم للفصائل السياسية الأخرى المختلفة معهم ورؤيتهم للديمقراطية فمن خلال أدبياتهم أحكى لكم، فحسن البنا الذى أقام بناء هذه الجماعة لا يرى خيرا فى أى فصيل أو حزب، كلهم أعداء الله، وتفرق الأمة فى العمل السياسى من خلال أحزاب يحمل كل حزب فكرة هى الشر نفسه، أما الخير فهو أن تتوحد الأمة كلها تحت راية الإخوان، كتب البنا هذا الكلام فى إحدى رسائله التى تمثل الراية الفكرية والعقائدية للجماعة، وفيها قال: ( إن الإخوان يعتقدون من قرارة نفوسهم أن مصر لا يصلحها ولا ينقذها إلا أن تنحل هذه الأحزاب كلها، وتتألف هيئة وطنية عامة تقود الأمة إلى الفوز وفق تعاليم القرآن الكريم، أن الإخوان المسلمين يعتقدون عقم فكرة الائتلاف بين الأحزاب، ويعتقدون أنها مسكن لا علاج، وسرعان ما ينقض المؤتلفون بعضهم على بعض، فتعود الحرب بينهم جذعة على أشد ما كانت عليه قبل الائتلاف، والعلاج الحاسم الناجح أن تزول هذه الأحزاب، وبعد هذا كله أعتقد أيها السادة أن الإسلام وهو دين الوحدة فى كل شيء، وهو دين سلامة الصدور ونقاء القلوب، والإخاء الصحيح، والتعاون الصادق بين بنى الإنسان جميعًا فضلًا عن الأمة الواحدة والشعب الواحد، لا يقر نظام الحزبية ولا يرضاه ولا يوافق عليه! فلا ندرى ما الذى يفرض على هذا الشعب الطيب المجاهد المناضل الكريم هذه الشيع والطوائف من الناس التى تسمى نفسها الأحزاب السياسية؟ ولم يعد الأمر يحتمل أنصاف الحلول، ولا مناص بعد الآن من أن تحل هذه الأحزاب جميعًا وتجتمع قوى الأمة فى حزب واحد يعمل لاستكمال استقلالها وحريتها ).

هنا فى هذه الرسالة من رسائل حسن البنا يرى الرجل أن طريق الحزب الواحد هو الذى يتفق مع الإسلام، أما تعدد الأحزاب فيراه مخالفا للإسلام لأنه يعتقد أنه يؤدى إلى التفرق، ورسائل حسن البنا هى دستور الإخوان يؤمنون بكل ما جاء فيها وكتبوا العديد من الكتب فى شرحها ويقومون بتدريسها فى لقاءاتهم الإخوانية.

أما سيد قطب فى كتابه الشهير معالم فى الطريق فقد اتخذ موقفًا حازمًا ضد أى محاولة للتوفيق بين الإسلام والديمقراطية، وعارض بشدة وصف الإسلام بأنه ديمقراطي، ودعا إلى دكتاتورية عادلة تضمن الحريات السياسية للصالحين فقط.

ويضع سيد قطب جزءًا من نظريته عن الديمقراطية بأنها نظام أرضى من صنع البشر يرد عليه الخطأ، فى حين أن الإسلام وضع نظاما ربانيا لا يمكن أن يرد عليه الخطأ وهو الشورى وهو نظام يختلف عن الديمقراطية، هذا هو المنهج الرئيسى الذى تقوم عليه الفكرة الإخوانية، الإخوان فقط ولا أحد غيرهم، ولو استطردت فى هذا لما كفتنى صفحات المجلة كلها، فما بين التنظير الذى وضعوه لأنفسهم وبين التاريخ الذى مر بهم وعليهم، نصل إلى يقين أن هذه الجماعة لا تؤمن بحرية غيرهم فى التعبير عن رأيه أو ممارسة الحكم إذا ما اختارهم الشعب، ويبدو هذا واضحا أشد ما يكون الوضوح من خلال موقفهم من الديمقراطية وتداول السلطة، والذى لخصه المرشد الخامس مصطفى مشهور؛ إذ كتب فى أحد كتيباته التى تعد كـ «مانفستو» تسير الجماعة على أفكاره أن الديمقراطية: «ما هى إلا لغو وعبث وما هى إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم لا علاقة لها بالدين بل هى تخالفه»، وفى موضع آخر يقول: «كيف لهؤلاء أن يفكروا فى مصطلح تداول السلطة إذا ما وصل الإخوان للحكم، فهل يمكن أن يفكر أحدكم فى أن يترك الإسلام حكم العباد ويتنازل عن التكليف الذى كلفه الله به؛ لكى يترك الأمر لفرقة تدين بمنهج غير منهج الإسلام، كالرأسمالية أو الاشتراكية أو غيرهما !»، وفى ندوة وثقها الكاتب الإخوانى فهمى هويدى فى كتاب تحت عنوان «الإسلام والديمقراطية» نقل كلمات مصطفى مشهور مرشد الإخوان الأسبق عن الديمقراطية بأن الإخوان «من الممكن أن يقبلوا بالأحزاب العلمانية وقت الدعوة أى قبل أن تصل الجماعة للحكم، فإذا وصلت فإننا لا يمكن أن نسمح بوجود أحزاب علمانية لأنها تخالف الإسلام».

ولعل كلام محمد مرسى الذى قاله إن الإخوان سيحكمون أكثر من خمسمائة عام يوضح أن أمر الاستمرار على كرسى الحكم بلا انتهاء هو عقيدة لهم لا تتغير، لذلك لم يكن عنف الإخوان فى مواجهة الشعب عندما خلعهم هو موقف الفريق الوطنى الذى يجب أن يراجع أخطاءه ويخضع لغضب شعبه، ولكنه كان موقف من يعتقد أنه يحمل الحل الإلهى الذى يجب أن يواجه الطواغيت التى خرجت لكى تحارب الإسلام فيه، فلا بصناديق الانتخابات سيرضى بل سيعمل على جعلها خاضعة لقراره هو لا لقرار الشعب، ولا بخروج الملايين ضده سيرضى، إذ كيف يرضى الإيمان ـ فى ظنه ـ بالكفر الذى يتوهمه فينا وإن تدثر بملايين البشر !.

إذن فما هو دين الإخوان، أظن أنه لم يغب عنا من خلال الأحداث الأخيرة تلك التعبيرات والمصطلحات التى استخدمها أفراد جماعة الإخوان من فوق منصة رابعة ومن خلال قناة الجزيرة، والتى تدل على أن التكفير قد تغلغل فى قلوبهم، وسيطر عليهم، وأذكر أننى تقابلت قدرا أيام حكم مرسى مع أحد قيادات الإخوان الذى باغتنى بعبارات التكفير والتخوين، وكان مما قاله: إنك بمعارضتك لنا قد فارقت الإسلام! وكان أن تجاهلته ولم أرد عليه وقلبى يقطر شفقة عليه وعلى طريقة تفكيره، وقلت فى نفسى إن قوله يدل على غلواء التطرف وضيق الأفق، وانصرفت إلى حال سبيلي، ومع مرور الأيام إذا بهذا العبارة عينها تواجهنى كلما تحدثت مع أفراد من الجماعة، وكان هذا الرأى هو ماتوافقوا عليه فى مواجهة كل الذين خالفوهم، أو ثاروا عليهم، ويبدو أن هذا الأمر تكرر كثيرا عبر تاريخ الجماعة، فالشيخ الغزالى فى كتابه من معالم الحق يقول: (كنت أسير مع زميلى الأستاذ سيد سابق قريبًا من شعبة المنيل بعد أن تركنا الجماعة، فمرّ بنا اثنان من أولئك الشبان المفتونين وأبيا إلا إسماعنا رأيهما فينا وهو أننا من أهل جهنم!).

ولا يغيب عنك أننى أنقل لكم من خلال أدبياتهم وشهادة من خالطهم، كما أن المشاهد التى رأيناها فى العام المنصرم لا تدع لنا مجالا للتخمين أو الشك، إذ ظهر للأعمى أن تلك الجماعة تنظر لمن يختلف معهم على أنه يختلف مع الإسلام، نحن فى عيونهم ومخيلتهم ضد الدين، فكيف إذن يصطلح الإيمان مع الكفر؟ !.

ولعله قد بات معروفا للكافة أن الإخوان جماعة زئبقية، فى فترات الاستضعاف تمارس المسكنة والخنوع والطيبة، وعندما تقوى تظهر عليها أعراضها الحقيقية المتمثلة فى الغرور والاستعلاء والسيطرة والهيمنة وإقصاء الجميع وممارسة كل أنواع الاستبداد والديكتاتورية بدم بارد بعد أن ترفع القرآن وكأنه هو الذى أمرها بالفساد!

وأخيرا ليس لى أن أصل فى نهاية المقال إلى نتيجة، فالتاريخ هو الذى سيحدد هذه النتيجة، ولكننى فقط أطرح للجميع قضية منطقية هى: الجماعة لم تطلب أصلا أن تصطلح أو تنخرط فى المجتمع سياسيا، وهى المعتدية وترى العكس، فهل لمصر المجنى عليها أن تتذلف للجانى كى يصطلح معها؟ مصر أكبر من أن تقف هذا الموقف المهين، يجب أن يعرف الجميع أننا نتحدث عن مصر، فى مواجهة جماعة خارجة عن القانون وخائنة للوطن، ولا نتحدث عن مصر فى مواجهة دولة أخرى، فمن أنتم حتى نصالحكم، ألم تسمعوا بلدنا وهى تقول يوم ثورة يونيه: أنا مصر أيها الصغار؟!.