الإثنين 17 يونيو 2024

مجانية عبدالناصر.. دروس للتعلم والاستلهام

22-3-2017 | 13:15

بقلم: محمد الشافعى

موجة عاتية ومستحقة من الغضب والانتقاد.. استهدفت وزير الصحة أحمد عماد.. بعد تصريحاته المستفزة.. والتى حاول من خلالها أن يجعل من (مجانية) الزعيم الخالد جمال عبدالناصر (شماعة).. يعلق عليها فشل السياسات الصحية والتعليمية فى مصر خلال السنوات الماضية وحتى الآن.. ورغم تراجع الوزير عن تصريحاته (الخايبة).. إلا أن الأمر يحتاج منا إلى الوقوف بالرصد والتحليل أمام تلك الحملات المسعورة التى تتوالى مستهدفة إنجازات وسياسات عبدالناصر.. فكل الفاشلين والعاجزين جعلوا من الرجل (لوحة تنشين) يستهدفونها بسيوفهم الخشبية.. فى محاولة لإقناع أنفسهم بأنهم يفعلون أى شئ.. وأنهم أصحاب رؤى مغايرة.. وهم فى الحقيقة لا يفعلون شيئاً إلا الدوران حول محور فشلهم.. وفى أحسن الحالات (المشى فى المكان).. ويمكن التوقف أمام بعض النقاط التى تؤكد إنجاز الزعيم وفشل منتقديه :

أولاً: ينسى مهاجمو الزعيم أو يتناسون أن الرجل قد رحل عن دنيانا منذ سبع وأربعين سنة.. وأن كل رؤاه وأفكاره (اجتهاد بشري).. حقق إنجازات عظيمة صبت فى صالح الغالبية العظمى من الغلابة والبسطاء.. فلماذا لم تحقق أفكار ورؤى المهاجمين أى إنجازات للمصريين؟ ولماذا تحولت أفكار هؤلاء العباقرة.. إلى (مفرخة) تتوالد من رحمها الأزمات والنكبات على رأى المواطن الغلبان.

ثانياً: قامت سياسات عبدالناصر على فكرة العطاء للوطن والمواطن.. فالتعليم والثقافة والصحة.. إلخ حقوق للمواطن يجب أن يأخذها كاملة وغير منقوصة.. كما قامت تلك السياسات على خلق الفرص وتكافؤها بين كل المصريين.. ليصبح كل مواطن رقماً صحيحاً.. ورصيداً مضافاً للدولة المصرية.. ولكن العباقرة المنتقدين يتعاملون مع المواطن المصرى بمنطق الأخذ والسلب.. فلابد وأن يدفع.. وأن يعانى من سياسات الجباية.. وطوال الوقت تتم مهاجمته على اعتبار أنه (عبء ثقيل) على كاهل الحكومات.

ثالثاً: مجانية التعليم والصحة التى قدمها عبدالناصر للمصريين.. أدت إلى وجود أجيال من المتميزين فى كافة مجالات المعرفة والعلوم - الفنون - الآداب).. ومن السهل على أى إنسان مراجعة القوائم الكبيرة للمتميزين فى كل هذه المجالات.. والذين تخرجوا فى المدارس الحكومية المجانية فى المدن والقري.. وتم علاجهم فى الوحدات الصحية.. أما الذين يرفعون شعارات الدفع أو الجهل.. والدفع أو الموت.. فهم يسعون إلى إنشاء مجتمع من الجهلة والمرضي.. بما يعنى رغبتهم فى القضاء على الرصيد الحقيقى لأى مجتمع وهو الإنسان.. فما الذى يمكن أن يضيفه الجاهل أو المريض.

رابعاً: إذا كانت أفكار عبدالناصر (اشتراكية عفى عليها الزمن) كما يردد العباقرة المنتقدون.. فلماذا تتمسك كل الدول الرأسمالية باشتراكية العلاج والتعليم.. فالتأمين الصحى فى أمريكا وأوربا يتبع للدولة.. والأثرياء مع الفقراء يتلقون نفس الخدمة الصحية.. وتتاح أمامهم نفس فرص التعليم.. بل إن بعض الدولة شديدة التقدم مثل اليابان.. ليس لديها أى مورد طبيعي.. ومساحتها ثلث مساحة مصر.. وعدد سكانها أكثر من ١٣٠ مليون نسمة.. ودائماً ما تتعرض للزلازل المدمرة.. ورغم ذلك فرأس مالها الحقيقى يكمن فى (الإنسان).. الذى حرصوا على تعليمه وعلاجه.. ولم يروا فيه عبئاً على كاهلهم.. ولذلك أبدع هذا الإنسان.. وحجز لدولته مكاناً فى الصدارة.

خامساً: مجانية عبدالناصر كانت جزءا من مشروعه الأنبل والأكبر (العدالة الاجتماعية).. تلك العدالة التى حققت للمصريين (المساواة).. التى تنادى بها الشرائع السماوية والنظم الديمقراطية.. وقد تعرضت عدالة عبدالناصر إلى ثلاث ضربات موجعة بعد رحيله.. كانت الأول من خلال سياسة الانفتاح (السداح مداح) التى ابتكرها السادات.. والتى دفعت ببعض النماذج (الطفيلية) إلى سطح المجتمع.. وخلقت اقتصاداً أشبه بلعبة (الثلاث ورقات). والضربة الثانية لعدالة عبدالناصر تمثلت فى سياسة (الخصخصة) التى بدأها مبارك للقضاء على (القطاع العام).. ذلك القطاع الذى يمثل وجعاً حقيقيا للغرب والصهاينة.. لأنه منع انهيار مصر بعد نكسة يونيه ١٩٦٧.. وكان لابد من التخلص منه لتسهل السيطرة اقتصادياً وسياسياً على مصر.. أما الضربة الثالثة التى تلقتها عدالة عبدالناصر فتمثلت فى ذلك (الزواج الحرام) ما بين السلطة والثروة.. والذى تحول لواقع كارثى فى سنوات مبارك الأخيرة.. وبعد كل ذلك نجد من يخلعون (برقع الحيا).. ويهاجمون سياسات عبدالناصر التى ترسخ لكرامة الوطن والمواطن.

سادساً: مجانية عبدالناصر فى التعليم والصحة.. أفرزت عقولاً جبارة انطلقت لتبنى نهضة مصرية حقيقية.. من خلال مشروعات قومية - عملاقة شملت كل مناحى الحياة.. وتهدف كلها إلى إنشاء (المجتمع المنتجع) فى الزراعة والصناعة والعلم والأدب والفن.. إلخ، فحققت مصر الاكتفاء الذاتى فى غالبية احتياجاتها.. وانطلقت لتصدر الفائض إلى الخارج.. مما أدى إلى تحقيق أعلى معدل تنمية بين كل الدول النامية على مستوى العالم .. بل إن كثيرا من الدول الناشئة كانت تحج إلى مصر للتعرف على تجربتها الرائدة .. وقد قامت نهضة كوريا الجنوبية على أكتاف الخطة الخمسية الأولى التى وضعها عبدالناصر (١٩٦٠ - ١٩٦٥) - فهل يشعر عباقرة المنتقدين بالخجل ونحن نستورد أكثر من ٧٠٪ من احتياجاتنا الغذائية.. جراء سياساتهم (الجرادية) التى تأكل الأخضر واليابس .

سابعا : ربط زبانية الانفتاح والخصخصة والزواج الحرام بين السلطة والثروة بين مجانية عبدالناصر .. وما أسموه (اشتراكية الفقر) .. ونسوا أو تناسوا أن تلك الاشتراكية المصرية.. قد خلقت لكل المصريين فرصاً حقيقية فى التعليم والعلاج والعمل والسكن.. فهل يستطيع وزير الصحة مثلا أن يعلن على الرأى العام (خريطة الأمراض) فى مصر.. ونسبة المصابين بكل مرض.. وخاصة أمراض الكبد والكلى والسكر والسرطان والغدة الدرقية والأنيميا وسوء التغذية .. أعتقد لو أنه امتلك الشجاعة .. وأعلن تلك الخريطة لهتفنا على طريقة الفنان العظيم يوسف وهبى (وما مصر إلا مستشفى كبير) ..

ثامناً : مجانية التعليم فى عصر عبدالناصر .. جعلت من الجامعة الأمريكية مكاناً للفشلة يتعلمون فيه بمصروفات .. فماذا حدث بعد أن تآكلت تلك المجانية حتى كادت تتلاشى .. أصبح لدينا العديد من أنواع التعليم من الأجنبى إلى الخاص إلى التجريبى إلى الحكومى إلى الدينى .. وكل واحد منها له درجات .. وكل هذا (البزرميط التعليمى) لابد وأن يرسخ للجهل والتعذيب ورفع راية (اللى مامعهوش مايلزموش) .. بما يعنى أن فكرة (المساواة) والتى تمثل العمود الفقرى لكل الدول المحترمة .. تذبح منذ سنوات على قارعة الطريق فى مصر .. وهل يعلم وزير التعليم أن عبدالناصر قد استلم مصر ونسبة الأمية فيها ٩٠٪ من المصربين .. ورحل عنا بعد أن أصبحت النسبة ٤٠٪ فقط وهذا من خلال المجانية التى لا تعجبهم .. وللأسف فإن الأمية الآن مازالت تدور حول رقم ٣٠٪ .. أى أن كل الذين جاءوا بعد مجانية عبدالناصر لم يفعلوا شيئاً تقريباً .

تاسعا : يذهب بعض المتنطعين إلى أبعد من انتقاد (مجانية عبدالناصر) ليصفوه بـ (الدكتاتور) .. والحقيقة أننا لم نقرأ ولم نسمع عن ديكتاتور يناضل من أجل تعليم وتثقيف شعبه .. فالجهل أكبر سلاح فى يد الديكتاتور .. ولم نقرأ عن ديكتاتور يكافح من أجل خلق مجتمع (الكفاية والعدل) .. لأن الاحتياج والظلم أهم أدوات الديكتاتور لقهر شعبه .

وفى النهاية فإن تجربة عبدالناصر مجرد (اجتهاد وبشرى) لايحمل أى قداسة.. ولكن هذا الاجتهاد مازال حتى الآن يمتلك (شرعية الإنجاز) .. ولذلك لابد من السعى إلى (استلهامه) .. وليس استنساخه أو مهاجمته .. خاصة أن كل الذين (نطحوا) صخرة إنجاز عبدالناصر .. عادوا بالدماء تملأ وجوههم .. وبالخيبة تملأ قلوبهم .. وبالحسرة تملأ نفوسهم .