الإثنين 24 يونيو 2024

وزيـر الصحــة الـــذى .....

22-3-2017 | 13:28

بقلم: يوسف القعيد

لم يسبق أن ذكر الدكتور أحمد عماد الدين، وزير الصحة اسمه كاملاً. وهو حر فى ذلك. لكن من حقى أن أقول إنه معروف فى الناحية عندنا بأنه من عائلة راضى. فهو من كُنَيِّسة الضهرية، مركز إيتاى البارود، محافظة البحيرة. والذى نبهنى لهذه المعلومة عمه الصيدلى الكبير، الدكتور محمود عبد المقصود. عرفت محمود عبد المقصود فى رحاب الدكتور أحمد العزبى، الذى عرفت وجوهاً مصرية كثيرة فى صالونه الثقافى، ولقاءاته الإنسانية. سواء فى بيته القديم فى أرض الجولف، أو بيته الجديد فى التجمع الخامس.

وعندما قابلت أحمد عماد الدين، فى مؤتمرات شرم الشيخ. كان السلام عابراً صنعته الصدفة، لم يسع أى منا إليه. لذلك لا أنا كلمته عن كُنَيِّسة الضهرية، ولا هو تحدث معى عن الضهرية، القرية الأم لكل العزب والكفور والقرى الصغير المحيطة بها. ولولا ما ذكره لى محمود عبد المقصود، ما كنت قد اهتديت لحكاية كُنَيِّسة الضهرية. وكونها المكان الذى خرج منه وزير الصحة الحالى.

وكُنَيِّسة الضهرية خرج منها عبد المنعم الصاوى، الذى كان وزيراً للثقافة والإعلام، ونقيباً للصحفيين، ورئيساً للتحرير لدار التحرير، التى تصدر جريدة الجمهورية فى سنوات سابقة. لكن الدنيا كلها عرفته بعد نشره خماسيته الروائية: الساقية. خصوصاً بعد أن تم تحويل الجزء الأول منها لمسلسل تلفزيونى كان من المسلسلات المبكرة جداً، التى عرضها تلفزيوننا عندما بدأ الإنتاج الدرامى.

تم إنتاج هذا المسلسل الذى ما زال محفوراً فى وجدانى سنة ١٩٦٥، وكان عن رواية عبد المنعم الصاوى، كتب له السيناريو والحوار: فيصل ندا، وأخرجه نور الدمرداش، وقام ببطولته: صلاح السعدنى، ملك الجمل، زيزى مصطفى، عبد الغنى قمر، يحيى إبراهيم، شفيق نور الدين، وكنا ننتظر موعد عرضه كأنه عيد من الأعياد. كنت مجنداً فى القوات المسلحة، وكنا نتحلق حول التلفزيون لكى نشاهد حلقات المسلسل.

أخذنى عبد المنعم الصاوى من أحمد عماد الدين، لأن البلدة واحدة، أعود لما فعله أحمد عماد الدين مؤخراً. سألنى كثير من الصحفيين: هل كنت حاضراً اجتماع لجنة الصحة؟ وهل استمعت لما قاله الوزير عن عبد الناصر؟ وكيف استمعت ولم ترد فى الحال؟ قلت إننى لم أكن موجودا فى اجتماع اللجنة. ليس لأنى لست عضواً فيها. فمن حقى حضور أى اجتماع فى لجان البرلمان، وحتى الاجتماعات التى لا تخص لجنة بعينها. من حقى حضور هذه الاجتماعات.

لكنى ذهلت أمام ما قاله الوزير. فقد هاجم عبد الناصر بلا مبرر. وخلط بين عبارة قالها طه حسين ولم يقلها عبد الناصر، الخاصة بالتعليم. لن أفعل مثلما فعل غيرى وأتهمه بالجهل. لكن هذه الواقعة جعلتنى أتوقف طويلاً أمام معايير اختيار الوزراء فى مصر. ليس معنى هذا أننى أطالب بأن يتم امتحانهم فى المعلومات العامة. ولكن ما أتصوره وأرجو أن يكون صحيحاً أنه لابد من معايير لكى يصبح هذا الإنسان المصرى وزيراً أم لا؟.

ما أتخيله – والخيال ليس عليه حرج – أن المهندس شريف إسماعيل، رئيس مجلس الوزراء، عندما يلتقى بمرشح لوزارة من الوزارات، من المفترض أن يسأله عن رؤيته لأعمال الوزارة التى سيتولاها، وتقييمه لسير العمل فيها، ورؤيته الخاصة لتطوير هذا العمل، ونقله نقلة للأمام.

حتى لو قال إنه ليس فى الإمكان أبدع مما كان، وأن الأمور جيدة، فهذا لا يعطيه الحق لأن يصبح وزيراً. لأن جودة الأمور تعنى أن الوزير السابق يستحق منحه فرصة أخرى لاستكمال ما يقوم به. لكن لابد أن يكون لدى الوزير إضافة حقيقية للعمل حتى يستحق الاستوزار.

ما قاله وزير الصحة يؤكد لى أنه لا يعرف أن قائل عبارة: التعليم حق لكل مواطن مثل الماء والهواء، هو الدكتور طه حسين، عميد الأدب العربى. وابن عزبة الكيلو فى محافظة المنيا فى صعيد مصر، وأن هناك فارقا بين نظام العلاج الذى نفذ فى زمن عبد الناصر، وكان أحد أحلامه من أجل فقراء المصريين، وبين مطالبة طه حسين بمجانية التعليم.

عندما أكتب هذا الكلام فأنا متأكد أن وزير الصحة تعلم بسبب مجانية التعليم. وعولج فى طفولته وصباه وشبابه بسبب مجانية العلاج. وعندنا فى قرية الضهرية وحدة مجمعة كانت من أوائل الوحدات التى بناها عبد الناصر، وكانت عبارة عن مستشفى ومركز اجتماعى ومدرسة. يحيطها سور فى مدخل القرية. أضيفت إليها بعد الانتهاء من بنائها مبانٍ جديدة مثل: منحل لإنتاج عسل النحل، ومركز رياضى لشباب القرية يمارسون فيه الرياضات التى يمارسها الشباب عادة.

هذا المبنى الذى كانت له شنة ورنة عند تشييده وافتتاحه فى خمسينيات القرن الماضى مازال موجوداً حتى الآن. ولولاه لما عولج كل الشباب من أبناء جيلى من البلهارسيا التى كانت تأكل وجودهم وإنسانيتهم، ولما اهتدوا إلى عظمة الحرف المكتوب وتعلموا وخرجوا من ظلام الأمية وعتمة الجهل إلى دنيا العلم والتعليم بكل ما تحمله للإنسان. فكيف لم يهتد الوزير لكل هذه المعانى، وقال ما قاله حول العلاج المجانى، وتطرق أيضاً لمجانية التعليم التى لا علاقة له بها على الإطلاق. والمفترض أن يتكلم عنها الدكتور طارق شوقى، وزير التربية والتعليم. الذى لم أسمع منه فى لقاءات عابرة قبل أن يصبح وزيراً ما يفيد أنه هو أيضاً ضد مجانية التعليم؛ بل فهمت منه أنه مع هذه المجانية قلباً وقالباً.

هل أتعامل مع ما قاله وزير الصحة على أنها غفوة لسان؟ وهل أعتبر أن التصويب الذى حصل، أو الاعتذار الذى تم عما قاله ينهى المسألة؟، أم أن نظرية المؤامرة تجعلنى أتصور أن ما قاله الوزير فى اجتماع لجنة الصحة فى مجلس النواب اختبار لردود الأفعال قبل أن يقدموا على ما تنوى الحكومة الإقدام عليه، سواء بالنسبة لما تبقى من مجانية التعليم، ولأطلال العلاج المجانى فى مصر.

لا أعطى نظرية المؤامرة حجماً أكبر من حجمها. وإن كانت تجارب الأيام وتواريخ الليالى تجعلنا نحتكم إليها ولا نقلل من شأنها. لأن كثيراً من المآسى التى نعانى منها بدأت هكذا. بعبارة تقال عفو الخاطر، ثم يتم رصد ردود الأفعال الناتجة عليها حتى تقرر الدولة المضى قدماً فيما قيل بشكل يبدو أنه عارض. فيصبح قاعدة من قواعد الحياة.

كتبت من قبل عن الخبز. وها أنا ذا أكتب عن التعليم، الذى إن قلنا إنه مجانى فهو كلام افتراضى، لا يساوى الحبر الذى يكتب به. وعن العلاج الذى إذا رددنا أنه مجانى، فهو أيضاً لا يساوى الحبر الذى يكتب به. لكن حتى الوضع الموجود برغم كل عيوبه أفضل ألف مرة مما يراد بنا الآن. وأخشى ما أخشاه أن يكون وراء الأكمة ما وراءها.

وهذا يدفعنى لما لم أكن أريد أن أتطرق إليه. فهل فى الاتفاق مع الصندوق، صندوق النقد الدولى ما يمكن أن يمس هذه الأمور. أقصد ما بقى من العلاج المجانى، والتعليم المجانى، مع تسليمى المطلق بأنه لم يبقَ فى حياتنا أى شيء مجانى على الإطلاق؛ لكن حتى الأمور الشكلية الموجودة يريدون حرمان فقراء المصريين منها.

إن كان لكل أمر من الأمور مهما كانت مأساويته جانب إيجابى. فالإيجابية الوحيدة فيما قاله وزير الصحة، كم ردود الأفعال الذى تم مصرياً وعربياً، التى أكدت أن حلم جمال عبد الناصر مازال مشروعاً صالحاً لبناء مصر الراهنة، وللحلم بمصر المستقبل. مما جعل بعض القوى التى تخاصم عبد الناصر العظيم، تصرخ وتولول وتقول إن عبد الناصر مازال يحكم مصر حتى الآن.

ردود الأفعال الجماهيرية والشعبية والحزبية، والتى أقدمت عليها القوى المصرية الوطنية، تؤكد من جديد وللمرة المليون أن مشروع عبدالناصر ربما كان الصواب الذى كان علينا أن نهتدى به، وأن نعاود تجربته، وأن نلجأ إليه، وأن نعتبره خلاصنا مما نعانيه الآن، ربما الوحيد.