تحقيق: محمود أيـوب
عندما تتحدث لغة الأرقام، التى يخصصها تنظيم «داعش» الإرهابى لتمويل روافده الإعلامية، نجد الرقم مُفزع وهو ٣ مليارات دولار.. هذا الرقم قد يكون ليس حقيقيًا لكنه يقترب من الحقيقي، إلا أنه يشير إلى أسطورة «داعش» الإعلامية المُفزعة التى ينشرها حول العالم لبث الذعر فى نفوس من يحاربونه.. وفى هذا التحقيق تكشف «المصور» بالأرقام عن ميزانية تنظيم «داعش» لتمويل نشاطه الإعلامي، مثل تخصيصه ٢٠٠ مليون دولار لتمويل قناة «الفرقان»، و٥٠٠ مليون دولار لـ»الاعتصام»، و٥٠٠ مليون دولار لقناة «الحياة»، و١٠٠ مليون دولار لقناة البيان.
ويعتمد «داعش» فى إستراتيجيته الإعلامية على إعداد جيل إعلامى جديد يتفانى فى أداء عمله ويفهم المطلوب منه، ويستدل «داعش» على أهمية الإعلام بأحاديث من السنة النبوية منها «جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم»، ولا يقتصر الجهاد باللسان لديهم بالقول، لكن بالكتابة والطباعة والتسجيل الصوتى وإعداد سنياريو الإصدارات.
ويشار إلى أن وسائل التواصل الاجتماعى تُعد أحد أذرع التنظيم الإعلامية التى يعتمد عليها بشكل كبير، فهناك جيش من المدوّنين والكتاب والمتفرغين لمتابعة الإعلام الاجتماعى والذين يعملون لصالح التنظيم، وأكثر من ١٢٠ ألف حساب تويتر مرتبطين ومساندين لتنظيم الدولة.
كما يعتمد إعلام «داعش» فى دعايته على اللامركزية، حيث وسّع التنظيم من التحكّم فى رسالته وخطاباته بالتخلى عن التحكّم فيمن يرسل له ويستقبل رسائله من خلال المتعاطفين معه، وهذا أمر جديد لم تشهده وسائل الإعلام التقليدية، بالإضافة إلى استخدام ما يسمى بقنابل تويتر «الهاشتاجات»، عبر متابعة أكثر الهاشتاجات رواجًا على تويتر، مثل هاشتاج كأس العالم ٢٠١٤، ويرسلون رسائل باستخدامها حتى يراها كل متابع لذلك الهاشتاج، حتى ولو لم يكن مهتمًا بما يقوله التنظيم.
بالإضافة إلى أن هناك الملايين من البشر حول العالم ممن يلتقطون رسائل «داعش»، ولدى التنظيم أسطول مُذِهل، وهم يطمحون فقط لاستهداف ١ أو ٢٪ ممن تصلهم الرسالة، يستخدمون تويتر فى الخليج، ولكن فى سوريا والعراق يستخدمون الفيسبوك، كما أنهم يرسلون رسائلهم بكافة اللغات، حتى الهولندية.. وفى ٣٠ يناير ٢٠١٦، صمم التنظيم تطبيقًا مخصصًا لمنصات الأندرويد ييث من خلاله البرامج الإذاعية لمحطة البيان الإذاعية التابعة له، حيث وفّر التطبيق تحديثات إخبارية يومية عن فرق داعش الإقليمية، جنبًا إلى جنب مع القراءات والأناشيد الدينية.
«غُرف خاصة»
من جهته، قال الكاتب الصحفى مصطفى حمزة، مدير مركز دراسات الإسلام السياسي، إن السياسة الإعلامية لتنظيم «داعش» فى العراق وسوريا وليبيا تعتمد على التهويل والتضخيم من حجم العمليات التى تقوم بها عناصره، لبث الرعب فى نفوس الدول والحكومات، وإظهار حجم أكبر من الحجم الحقيقى للتنظيم، وإحراج الأنظمة أمام شعوبها، واستقطاب الفئات المترددة التى غالبًا ما تميل للطرف الأقوى، مشيرًا إلى أن التنظيم يتعمد إصدار بيانات إعلامية تبريرية لعملياته الإرهابية لإقناع العالم بأهمية هذه الجرائم والمكاسب التى يمكن الحصول عليها من وراءها، مستخدمًا فى ذلك عددًا من «شرعيى التنظيم» الذين تقتصر مهمتهم على حشد الأدلة من القرآن والسنة وبترها من سياقها وتأويلها على غير مرادها لتبرير هذه الجرائم.
وأشار «حمزة» فى تصريحات خاصة لـ»المصور» إلى أن الإعلام لدى «داعش» هو نوع من الجهاد الذى يمثل أهمية قصوى، لا تقل عن أهمية الجهاد بالسلاح، بل ربما تزيد خطورة الجهاد الإعلامى عند التنظيم عن الجهاد العسكري، لما يحققه الإعلام من مكاسب يصعب تحقيقها بالعمليات على الأرض، مؤكدًا أن التنظيم يستعين بخبراء ومتخصصين دوليين فى مجال الإعلام لصياغة بياناته المكتوبة والصوتية والمرئية، لإخراجها بصورة لا تقل مهنية من الناحية الفنية عن أفلام هوليود.
موضحا أن برنامج «البال توك» من أهم البرامج التى يعتمدها التنظيم، حيث يستغل الغرف الخاصة به فى بث أفكاره وإجراء المناقشات الحوارية مع أنصاره ومخالفيه على حد سواء، يليه فى الأهمية برنامجى التليجرام والانستغرام، ثم موقع التغريدات القصيرة «تويتر»، لافتًا إلى النظر أن عناصر التنظيم يسجلون دخولهم على هذه المواقع بأرقام هواتف وهمية، خوفًا من الملاحقات الأمنية، ويستبعدون التواجد عبر موقع «فيس بوك» لسهولة اختراقه –حسب زعمهم.
واستطرد «حمزة» قائلًا: أن «خطورة السياسة الإعلامية لتنظيم «داعش» الإرهابى تكمن فى العمل على تجنيد الشباب المتحمس عن بعد، ودفعه لتنفيذ عمليات إرهابية فى بلاده بطريقة الذئاب المنفردة»، مطالبًا بضرورة وجود استراتيجية إعلامية مضادة، تفند مزاعم هذا التنظيم وتحصن الشباب فكريًا منه، وتجفف الإرهاب من منابعه.
«قنوات داعش»
أما صبرة القاسمى، مؤسس الجبهة الوسطية لمواجهة العنف والتطرف، فقال إن «التنظيم الإرهابى يمتلك أذرعًا إعلامية يبث من خلالها مضامين العنف والإرهاب بلغات مختلفة، بحيث تصل إلى جميع دول العالم، هى «أجناد، الفرقان، الاعتصام، الحياة، مكاتب الولايات، إذاعة البيان، مجلة وموقع دابق.. وكل قناة منهم تؤدى مهمة محددة وضعها قادة «داعش» فى ضوء توجيهات دولة تركيا التى توفر لهم الدعم الكامل، لكن المسئول الأول عن هذه القنوات كان محمد العدنانى المتحدث الرسمى فى ذات الوقت، وتم تعيين أبو الحسن المهاجر أحد مقاتلى تنظيم الدولة الإسلامية، متحدثًا بدلًا منه.
وتابع «القاسمي» فى تصريحات خاصة لـ»المصور» أن هدف هذه القنوات الإرهابية، التسويق لأفكارهم لتجنيد أكبر عدد من الشباب المتشدد فى أفكاره داخل هذه الدول، والتأكيد على مفهوم الخلافة وغزو أمريكا وأوربا، وقد ظهر ذلك صراحة فى عدة فيديوهات منسوبة لهم والتى عادة ما تبدأ بجملة «نحن على مقربة منكم لتحقيق وعد الله بفتح جميع الدول الكافرة».
«القاسمي» قال إن التنظيم الإرهابى رصد من ميزانية تقدر بنحو ٣ مليارات دولار بما يعادل ٢٤ مليار جنيه مصرى لتمويل قنواته، والإذاعات والمواقع الإلكترونية والمجلات التى تروج لفكر التنظيم فى جميع دول العالم بأكثر من ١٢ لغة، خاصةً أن التنظيم تمكن من تكوين ثروة هائلة، بسبب سيطرته على معظم الآبار البترولية بالعراق، واستيلائه على ٤٨٠ مليون دولار من بنك الموصل بالعراق بعد اقتحامه، بخلاف ٢٥٠ كيلو ذهبًا من البنك ذاته، فداعش تنفق المليارات على استيراد أحدث الأجهزة والكاميرات من تركيا التى تدعم التنظيم فى توريد ما تملكه من أجهزة إعلامية حديثة للغاية تمكن التنظيم من التصوير فى المناطق الجبلية بتقنية متقدمة للغاية، تكاد تصل جودتها إلى جودة الأفلام الأمريكية.
وعن كيفية تمويل كل هذه المنابر الإعلامية لـ»دعش» قال «القاسمي» إن استديو «أجناد» يتم بداخله وبداخله يتم إنتاج الأناشيد الدينية والجهادية، وهو مجهز على أعلى مستوى بأحدث الأجهزة والتقنيات المتقدمة فى مجال الصوت، بالإضافة إلى وجود كاميرات وسيارات متنقلة للتصوير الخارجى، يتم استخدمها لتصوير أى عملية ينفذونها، مشيرًا إلى أن التنظيم رصد نحو مليون دولار لدعم هذا الاستوديو، كما رصد التنظيم ما يقرب من ٢٠٠ مليون دولار لتمويل قناة «الفرقان» الذراع الثانى للتنظيم، كما تم تخصيص ٥٠٠ مليون دولار لقناة الاعتصام ولديها العديد من المراسلين داخل العراق وسوريا، ومهمتهم نقل جميع المعارك التى تدور داخل الدولتين بالصوت والصورة، كى يتم بثها عبر هذه القناة.
«القاسمي» قال: رصد التنظيم ٥٠٠ مليون دولار لقناة الحياة، وهى مخصصة لإجراء الحوارات التليفزيونية مع قيادات التنظيم، كما أنها النافذة الإعلامية المعنية بعمل مونتاج للفيديوهات الإجرامية للتنظيم، حيث يذاع الفيديو بأعلى جودة ممكنة مصحوبًا بالأناشيد الجهادية ومؤثرات صوتية، وهى القناة التى أعادت إنتاج فيديو ذبح الأقباط المصريين فى ليبيا بهدف مخاطبة الفيديو للاشعور لدى فئة معينة من المتلقين، وذلك عن طريق قيام أطباء نفسيين بالإشراف على الفيديو وعدد آخر من علماء الاجتماع وعلماء الفقه والشريعة بالتنظيم، بحيث يصاحب الفيديو أحاديث نبوية وقرآنية مغلوطة تبرر أفعالهم الإجرامية، كما تم تخصيص ١٠٠ مليون دولار لقناة «البيان» التى يتم بثها فى الموصل والأنبار والرقة وعلى الإنترنت، وهى قناة تبث القرآن الكريم والأناشيد الجهادية ويفصل بينهما بعض الأخبار التى تستهدف إثارة حماس المقاتلين، وهى موجهة بشكل مباشر للمقاتلين فى الميادين بالعراق والشام»، كما أن هناك مجلة «دابق» كل أسبوع، ولها موقع إلكتروني، ورصد لها التنظيم ٥٠٠ مليون دولار، بالإضافة إلى أن المجلة يتم توزيعها بـ٤ لغات فى جميع الدول الأوربية والأمريكية، كما تتم ترجمة كل إصدار منها إلى ١٢ لغة أخرى.
وأشار مؤسس الجبهة الوسطية إلى أن التنظيم يقوم بتدريب المجاهدين على الإعلام يتم تخريج دفعة كل تسعة أشهر من معسكرات عمر بن الخطاب وعمرو بن العاص بالعراق، كل دفعة تشمل ما يزيد على ٢٠٠٠ مقاتل، بعد دراستهم لأسس ومبادئ الشريعة، والعلوم العسكرية، كل شخص من هؤلاء المتطوعين يجلس أمام جهاز الكمبيوتر حوالى ١٢ ساعة، وأغلب المتطوعين فى تلك الصفحات من تونس والسودان وبريطانيا وألمانيا والجزائر ونيجيريا والصومال وتشاد، بخلاف وجود ٢٠٠ ألف مقاتل فى العراق والشام مهمتهم فقط القتال، بالإضافة إلى وجود ٥٠٠ قيادة من القيادات المركزية بالتنظيم متواجدين أغلبهم فى العراق والباقى فى سوريا.
«مُنتديات داعش الإعلامية»
فى غضون ذلك، قال عمرو عبدالمنعم، الباحث فى شئون الجماعات الإسلامية، عن بداية الإعلام الجهادي، إن القصة بدأت منذ أفغانستان عام ١٩٨٨، فبعد أن كانت الجماعات الجهادية تأخذ التوجيهات من قيادات متمرسة تم اختطاف بعضهم من مجهولى الحال أو مجهولى السيرة إلى قادة جدد، فقد تشرد قيادات هؤلاء فى الأرض بعد الضربات المتتالية فى أفغانستان والعراق حتى عام ٢٠٠٩، وبدأت مراكز الأبحاث الغربية من المتابعة والتحليل لظاهرة التيار الجهادى منها مؤسسة «راند الأمريكية» التى تفرغت لعدة سنوات لمتابعة التيار الجهادى وخاصة عقلية شباب المنتديات الجهادية، واستطاعت المخابرات الغربية أن تصنع نموذجا جاذبا لهؤلاء الشباب المتحمس للنفير للجهاد من وراء الشاشات وشبكات التواصل الاجتماعية.
وتابع «عبدالمنعم» حديثه قائلًا: «كل الجهاديين الذين نفروا إلى أفغانستان قبل أحداث سبتمبر تمكنوا من الالتقاء بقادة المجاهدين كأسامة بن لادن وأيمن الظواهرى وأبو عطية وأبو يحيى الليبي، مما جعل معظم هذا الجيل من هؤلاء الشباب يتشربون الفكر الجهادى من هؤلاء القادة ويتعلمون الفكر والممارسة على يد شيوخ التيار الجهادي، وبعد أحداث ١١ سبتمبر اضطر هؤلاء القادة إلى التخفى وعدم الظهور بشكل علنى للكافة حتى لبعض قواعدهم التنظيمية واكتفوا بما يسمح به أمنهم فقط فى مناطق الحدود الأفغانية أو بعض الدول التى تقبلهم، وفى نفس الوقت تم التضييق على الراغبين فى السفر للالتحاق بهؤلاء فكان الشاب المتحمس للجهاد لا يجد طريقا إلى الجهاد البدنى فلجأ إلى الجهاد الإلكترونى ومن هنا جاءت فكرة المنتديات الجهادية والشبكات المغلقة، ومن هنا كانت الحاجة ملحة لإيجاد منتديات جهادية تجمع الشباب ليتعرفوا على رؤية المجاهدين فى الأحداث السياسية المعاصرة والموقف الصحيح منها.
وقال «عبدالمنعم» لـ»المصور» إن أول منتدى جهادى يجمع التيار الجهادى فى ذلك الوقت «شبكة الفجر» وقد حقق انتشارا واسعا بعد أحداث الحادى عشر من سبتمبر، وصنع هؤلاء الجهاديون بدائل له فى حالة اختراقه منتديين منتدى «أنا المسلم» و»الساحات العربية»، لم تستمر شبكة الفجر كثيرا وبدأت تظهر منتديات جهادية يشرف عليها مجاهدون وأنصار للمجاهدين مثل منتدى «الصافنات» ومنتدى «الأنصار»، بالإضافة إلى ظهور منتديات تتعاطف مع المجاهدين وتنشر إصداراتهم وإن لم يكن أصحابها يتبنون الفكر الجهادى بشكل كامل مثل منتديات «القلعة والإصلاح والتجديد».
مضيفا: أن أخطر المجاهدين الإلكترونيين فى ذلك والذى تم القبض عليه من قبل المخابرات الغربية فى فرنسا هو «إرهابى ٧» وهو أخطر المجاهدين الإلكترونيين، كما تعرض منتدى «الأنصار» للإغلاق والتدمير أكثر من مرة وتعرض مشرفوه للاعتقال والمطاردة فاضطر أنصار المجاهدين للبحث عن منتديات أخرى آمنة.
وتابع حديثه قائلًا: «مع بدء الضربات فى العراق بعد خروج الجهاديين من أفغانستان وضرب طالبان اجتمع إعلاميون جهاديون، وأنشأوا منتدى «الإخلاص» ومنتدى «الفردوس» وبعد أن وقع القتال بين دولة العراق الإسلامية والجيش الإسلامى انضم منتدى «البراق» لمركز «الفجر» أصبحت هناك ثلاثة منتديات رسمية تابعة للجهاديين هى الفجر والإخلاص والفردوس والبراق وشبكة الحسبة، فهى متعاونة مع الفجر واستمر العمل فيها لسنوات، لكن الأجهزة الأمنية الغربية لم تقف مكتوفة الأيدى أمام التطور التقنى للجهاديين، وقامت باختراق منتدياتهم الإعلامية عن طريق إنشاء منتديات جهادية باللغة العربية وغيرها من قبل المخابرات الألمانية والفرنسية، وقامت بنشر إصدارات المجاهدين، بحيث تكون صيدا لبقية الجهاديين فى العالم وتتبعهم عن طريق أجهزة الكمبيوتر، لكنها لم تجد إقبالا من أنصار المجاهدين لاكتشافها سريعا لعدم ثقتهم بغير المعتمدة من مركز الفجر».
واختتم عمرو عبدالمنعم حديثه عن اختراق المخابرات قائلًا: «اضطر مركز الفجر أن يوقف جميع منتدياته الرسمية بعد الحرب الإلكترونية للمخابرات الغربية، ولجأ الجهاديون إلى منتديات لها ثقة لديهم مثل المنتدى الأول «الفلوجة» و»الشموخ» وقاموا باعتماد نشر الإصدارات الجهادية فى المنتديين.