الأربعاء 8 مايو 2024

بعد «الملاك».. هل تنتج إسرائيل فيلما عن رأفت الهجان؟

فن5-9-2018 | 18:31

فيلم "الملاك" المقرر عرضه منتصف الشهر، الذي أنتجته جهة إسرائيلية حول أشرف مروان تحت عنوان "الجاسوس المصري الذي أنقذ إسرائيل، جعلنا نتذكر محاولات التسوية العديدة التى طالت رفعت الجمال الشهير برأفت الهجان.


محاولات عديدة جاءت من الجانب الإسرائيلي لتشويه رفعت الجمال الشهير برأفت الهجان، وتناولت عدد كبير من التقارير الصحفية المنقولة عن إسرائيل أوجه هذه المحاولات، فبعد مرور أكثر من ٣٦ عامًا على وفاة رفعت الجمال، بطل أحد أكبر الملاحم التي خدعت من خلالها مصر إسرائيل وأجهزة استخباراتها، وبالرغم من مرور كل هذه السنوات فإن تل أبيب لم تتمكن حتى الآن من تجرع الهزيمة -ربما لشدة مرارتها- في صمت ومداراة، واستمرت خيبتها التي استمرت لـ20 عاما تغلغل فيها رفعت أو جاك بيتون أو رأفت الهجان -كما عرف فنيًا وتليفزيونيًا- في المجتمع الإسرائيلي، بل إن تل أبيب ما زالت وبين كل حين وحين "تفبرك" تقريرًا وتؤلف قصة كاذبة تحاول من خلالها إقناع العالم بأن رفعت الجمال كان يعمل لصالحها.



 قالت الصحافة الإسرائيلية الكثير عن الهجان، ففي أبريل 2014 ..نشرت مجلة "يسرائيل ديفينس" العسكرية الإسرائيلية مقالًا للعميد (احتياط) افرايم لابيد، وهو باحث في تاريخ الاستخبارات بجامعة بار إيلان الإسرائيلية، وشغل في الماضي عدة مناصب بارزة بجهاز الاستخبارات الحربية العسكرية بإسرائيل، كما عمل متحدثًا للجيش الإسرائيلي والوكالة اليهودية، ويقول لابيد في مقال بمجلة "يسرائيل ديفينس" المتخصصة في الشئون العسكرية والاستخباراتية، إن "المواطن المصري رفعت علي الجمال كان لديه مشاكل قانونية في بلاده، واقترح عليه رجال المخابرات المصرية بعد اكتشافه لقدراته البارعة أن يتحول إلى عميل له مقابل عدم تقديمه للمحاكمة". 


وأضاف أنه "وافق على العرض وقام باختراق إسرائيل كيهودي في إطار موجة الهجرة اليهودية التي جاءت من مصر بعد حرب 1956، وعندما وصل إلى تل أبيب أثار سلوكه الشكوك وتم اعتقاله من قبل جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (الشاباك)، واكتشف رجال الأمن في منزله وسائل تجسس". وأضاف أن "الشاباك عرض على الجمال أن يكون عميلاً مزدوجًا مقابل عدم تقديمه للمحاكمة بتهمة التجسس لصالح دولة معادية، ومن أجل تعزيز مركزه في إسرائيل أمام أعين المصريين ساعده "الشاباك" على فتح مكتب سفريات في شارع برنر في تل أبيب، واندهش المصريون من سرعة استيعابه داخل إسرائيل على الرغم من كونه مجرد وكيل للسفريات".


 وذكر أن "المعلومات التي قام الجمال بنقلها لمصر كانت في جزء كبير منها حقيقية وغير مزيفة، وذلك لتعزيز مصداقيته عند مرسليه في القاهرة، وعلى مدار السنوات كان هناك فترات صعود وهبوط في أدائه مع جهازي الاستخبارات، المصري والإسرائيلي". وأشار إلى أنه "مع اقتراب حرب 67 بعث الجمال بمعلومات مضللة للقاهرة حول سلاح الجو الإسرائيلي، ونجح في إقناع المصريين بضعف سلاح الجو أمام نظيره المصري، وأن جيش إسرائيل لا يمكنه المساس بالقواعد الجوية المصرية طالما أن الأخيرة محمية جيدًا ببطاريات مضادة للطائرات". 


ويواصل لابيد "تكونت لدى المصريين وجهة نظر تتعلق بإسرائيل، وهي أن الأخيرة لن تقوم بضربة استباقية بواسطة سلاحها الجوي، وبعد استيعاب تلك الرسالة المضللة في القاهرة، قامت إسرائيل بضربة مفاجئة لطائرات الجيش المصري وهي ما زالت على الأرض في قواعدها".


و في مارس 2011 نشرت صحيفة "هآرتس" العبرية قصة أخرى زعمت فيها أن تل أبيب كانت قد ألقت القبض على عميل أُدخل إلى اسرائيل في الخمسينيات أرسلته الاستخبارات المصرية، ووافق على التعاون مع إسرائيل، أي أصبح عميلًا مزدوجًا، ونُقلت بواسطته إلى المصريين معلومات كاذبة. 


وادعت الصحيفة أن دافيد رونين نائب رئيس الشاباك لاحقًا، عمل مع رفعت الجمال لمدة 6 سنوات، مضيفة أن السلطات المصرية عرضت على الجمال العمل مقابل عدم محاكمته وذلك بأن يكون جاسوسًا ووافق وجرت عليه سلسلة تدريبات اشتملت على زيارات لمعابد من أجل معرفة الدين اليهودي، وبعد سفره إلى إسرائيل كان يزور أوروبا كثيرا للقاء المخابرات المصرية، وأثارت هذه الرحلات شك شريكه في مجال السياحة، الذي تساءل: "كيف لمهاجر جديد  أن يكون معه أموال بكثرة في حين أن عملنا غير مربح بالمرة"، وأبلغ عنه الأمن الإسرائيلي. 



وأضافت "هآرتس": أنه تم وضع الجمال تحت مراقبة الموساد والذي رصد لقاءه بالمخابرات المصرية، وألقي عليه القبض فور عودته بالمطار ليعمل بعد ذلك لصالح تل أبيب، لافتة إلى أن الجمال بعث "معلومات خاطئة للقاهرة قبل حرب 1967، ساعدت في ضرب الطائرات المصرية. 


حقائق تحطم أكاذيب إسرائيل بقلب الحقائق ومحاولة تحويل البطولات المصرية إلى "هزائم" هو أمر تنتهجه تل أبيب دائما، من منطلق رفضها الاعتراف بالهزيمة والاختراق لصفوفها وصفوف المجتمع الإسرائيلي، خاصة حينما تستمر لـ20 عامًا، ولهذا تلجأ المنظومة الاستخباراتية الإسرائيلية دائما إلى صحفيين وكتاب متخصصين لتقديم قصص وروايات مليئة بالأوهام لتصوير الموساد أو الشاباك أو شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية "أمان" وكأنهم أفضل الأجهزة الأمنية على الإطلاق. 



والمتتبع لردود الفعل الإسرائيلية منذ إعلان القاهرة عن ملحمة "رفعت الجمال" أو "رأفت الهجان" يجد أن تل أبيب اتبعت أسلوب واستراتيجية الإنكار ثم بعدها بفترة بدأت في نسج قصص واهية كخيوط العنكبوت التي لا تصمد أمام المنطق والحقائق؛ ففي البداية قالت تل أبيب إن "هذه المعلومات التي أعلنت عنها المخابرات المصرية ما هي إلا نسج خيال ورواية بالغة التعقيد وإن على المصريين أن يفخروا بنجاحهم في خلق هذه الرواية". لكن بعد فترة، أعلن أحد رؤساء الموساد السابقين وهو إيسر هاريل أن "تل أبيب كانت تشعر باختراق قوي في قمة جهاز الأمن الإسرائيلي ولكنها لم تشك مطلقا في رفعت الجمال".


وعلى طريقة شهد شاهد من أهلها يعتبر تصريح رئيس الموساد هذا، أحد أكبر الأدلة على مدى الجرح والألم الغائر والعميق الذي سببته القاهرة لتل أبيب عبر رجلها الهجان لعقدين من الزمان ظلت فيهم وبعدهم إسرائيل عمياء حتى أعلنت مصر عن إحدى قصصها المشرفة. ايتان هابر ويوسي ميلمان.. اسمان لبعض الصحفيين والكتاب الذين تستخدمهم الاستخبارات الإسرائيلية للوي الحقائق وتزييفها ومحاولة إصباغ البطولة على أجهزة تل أبيب الأمنية، كان لهم دورهما في محاولة تشويه سيرة الهجان العظيمة، ومنذ سنوات أصدر كتابا باسم "الجواسيس" زعما فيه أن "العديد من التفاصيل التي نشرت في مصر عن شخصية الهجان صحيحة ودقيقة لكن ما ينقصها هو الحديث عن الجانب الآخر في شخصيته، ألا وهو خدمته لإسرائيل".


 إنجازاته ترد على محاولات إخفاء بطولاته الهجان الذي تردد إسرائيل كاذبة أنه كان عميلًا لها زود القاهرة بميعاد العدوان الثلاثي عليها كما زودها بموعد الهجوم عليها عام 1967، وكان من بين ما قام به إبلاغ مصر باعتزام إسرائيل إجراء تجارب نووية واختبار بعض الأسلحة التكنولوجية الحديثة، وكان هذا الرجل أحد العناصر الأساسية للمعلومات التي ساعدت على الانتصار في حرب أكتوبر المجيدة، بالإضافة إلى مساهمته في الكشف عن أخطر وأكبر جاسوس إسرائيلي وهو إيلي كوهين، الذي تسميه تل أبيب (الجاسوس رقم 1 في إسرائيل) والذي كان قد تم تجنيده للتجسس على سوريا، هذا علاوة على العديد من النقاط المضيئة التي سجلها في مسيرة ملحمته كجندي مجهول داخل قدس أقداس العدو. وصيته ويكفي نظرة واحدة على وصيته لإدراك كم الوطنية التي تتقاطر من كلماته وإيمانه بعدالة قضية حيث يقول:


 "هذه وصيتي، أضعها أمانة في أيديكم الكريمة، السلام على من اتبع الهدى. بسم الله الرحمن الرحيم إنّا لله وإنّا إليه راجعون لقد سبق وتركت معكم ما يشبه وصية، وأرجو التكرم باعتبارها لاغية، وها أنذا أقدم لسيادتكم وصيتي بعد تعديلها إلى ما هو آت: في حالة عدم عودتي حيا أرزق إلى أرض الوطن الحبيب مصر أي أن تكتشف حقيقة أمري في إسرائيل، وينتهي بي الأمر إلى المصير المحتوم الوحيد في هذه الحال، وهو الإعدام شنقًا، فإنني أرجو صرف المبالغ الآتية: لأخي من أبي سالم علي الجمال، القاطن.. برقم.. شارع الإمام علي مبلغ.. جنيه. أعتقد أنه يساوى إن لم يكن يزيد على المبالغ التي صرفها على منذ وفاة المرحوم والدي عام 1935، وبذلك أصبح غير مدين له بشيء. لأخي حبيب علي الهجان، ومكتبه بشارع عماد الدين رقم...، مبلغ... كان يدّعي أني مدين له به، وليترحم عليّ إن أراد. مبلغ... لشقيقتي العزيزة ... حرم الصاغ ... والمقيمة بشارع الفيوم رقم... بمصر الجديدة بصفة هدية رمزية متواضعة مني لها، وأسألها الدعاء لي دائما بالرحمة. المبلغ المتبقي من مستحقاتي يقسم كالآتي: نصف المبلغ لـ... نجل الصاغ ... وشقيقتي ...، وليعلم أنني كنت أكن له محبة كبيرة. النصف الثاني يصرف لملاجئ الأيتام بذلك أكون قد أبرأت ذمتي أمام الله، بعد أن بذلت كل ما في وسعى لخدمة الوطن العزيز، والله أكبر والعزة لمصر الحبيبة إنا لله وإنا إليه راجعون رأفت الهجان أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله." 


وفي النهاية يبقي سؤال هل تخرج علينا إسرائيل قريبا بفيلم عن رأفت الهجان من واقع الروايات المثير التى حاولت ترويجها علي مدار سنوات؟...

    Egypt Air