غريب هو عالم الفن الذي يعتبر نموذجاً
مصغراً للعالم الذي نعيشه، كلٌ يعيش في دائرة لا يعلم الآخر عنها شيئا، فهناك من لا
يجد رغيف الخبز وهناك من يعيش ببذخ وترف، فهناك من ينفق الآلاف وهناك من لا يجد
أكثر من عشرة جنيهات يعيش بها شهرياً.
نعم.. ذلك هو العالم المرير الذي
رصدته مجلة "الكواكب" في تغطيتها لأحوال نجوم الفن في 23 مايو 1961 .. ودعونا أولاً
نلقي الضوء على صاحب الذكرى الفنان الذي أحبه عشاق السينما وهو رياض القصبجي أو
"الشاويش عطية"، ذلك الرجل الذي تحمل الآلام والمقالب طوال 30 عاماً
في السينما كي يدخل البهجة في قلوب المصريين والعرب، فلم ينسَ قط أي منا أدواره
مع إسماعيل يس ومناوشاتهما التي تنتهي بأن يتعرض "عطية" لمقلب يثير ضحك
الجماهير.
شارك رياض القصبجي في 159 فيلماً
بدأها عام 1936 في فيلم "الأبيض والأسود" وانتهى مشواره الفني بمشاركة
بسيطة في فيلم "انسى الدنيا" عام 1962 بعد أن تمكن منه المرض، فقد أصيب
القصبجي بالشلل في شهر مايو 1959 وابتعدت عنه الأضواء ولم يطلبه أي من المخرجين
نظراً لعدم تمكنه من العمل.. ومن المعروف أن القصبجي كان من السنيدة ونجوم الصف
الثاني وأحيانا الثالث، أي لم يتقاضَ الرجل أجراً مرتفعاً كي يدخر منه شيئاً يعينه على
البطالة أو المرض.
نشرت الكواكب في شهر مايو 1961
تقريراً بعنوان "بطاقة دعوة لإنقاذ رياض القصبجي" .. وصدر العدد يوم
وقفة عيد الأضحى من نفس العام، وأوضح التقرير أن فرحة العيد ستعم كل أجواء مصر
إلا بيتاً واحداً وهو بيت رياض القصبجي، فهو يتمدد يائساً من المرض ولا تملك
زوجته غير الدموع بسبب مأساة زوجها الذي لم تمتد إليه أي يد حانية بالعلاج أو حتى التمنيات بالشفاء، وعدد القصبجي للمحرر أسماء نجوم الفن الذين شملتهم رحمة
الدولة آنذاك وأوفدتهم للعلاج في الخارج.. ولم يطلب الرجل فقط غير الشفاء كي يعود
ليعول زوجته وابنه ويعيد إليهما السعادة.
عاش رياض القصبجي سنواته الخمس في
محنة مرضه على عشرة جنيهات شهرياً، وكانت كل ما تدفعه له نقابة الممثلين، تسعة
منها يدفعها إيجاراً لمسكنه والجنيه اليتيم الباقي يفترض أن يشتري منه الدواء
ويعيش به هو وأسرته طوال الشهر، لذا توجهت الكواكب بمناشدة وزارة الثقافة والإرشاد
ومؤسسة دعم السينما ونقابة الممثلين وأصدقاء رياض القصبجي إلى إنقاذه من مأساة
المرض.
وبقي أن نشير إلى أن نفس عدد الكواكب حمل
موضوعات أخرى منها أن عبد الحليم حافظ تماثل للشفاء بعد إجراء عملية إزالة حصوة من
المرارة وسيعود من سويسرا بعد قضاء فترة النقاهة بعد العيد، وقد طلب حليم من شقيقه
إسماعيل شبانة أن يذبح عشرة خراف لتوزيعها على الفقراء في العيد .. وموضوع آخر نشر
في نفس العدد يوضح رفض فاتن حمامة خمسة آلاف جنيه نظير أن يقوم وليدها طارق عمر
الشريف ببطولة فيلم " سر الرسالة " من إنتاج جمال الليثي وإخراج كمال
الشيخ .. ولم يبقَ أي تعليق.