بعد أن ودع الرؤساء والملوك العرب في
اليوم التالي من توقيع اتفاقية حقن الدماء في 27 سبتمبر 1970 بين الجانبين الفلسطيني
والأردني في ما سمي بـ "مذبحة أيلول الأسود" ، لم تقو قدما الرئيس جمال
عبد الناصر على حمله في أرض المطار، فطلب أن تأتي إليه سيارة لتنقله إلى بيته
لشعوره بإعياء شديد، وكان الأطباء قد نصحوه بقضاء راحة لمدة شهر يبتعد فيها عن
العمل، لكن عند نشوب القتال بين الفلسطينيين والأردنيين هب ناصر لحل أزمتهم رغم مرضه
وآلامه.
عاد الرئيس إلى منزله في الثانية
ظهراً وبدا عليه الإعياء الشديد والتف حوله أولاده وقرينته ليلقى عليهم نظرته
الأخيرة، ثم ارتدى بيجامته واستلقى على سريره واستدعت قرينته الأطباء الذين حاولوا
إسعافه ووجدوه يتصبب عرقاَ وقد سرت البرودة في أطرافه فعلموا أنها الساعات الأخيرة
في حياة الرئيس.
شكل الأطباء فريقاً لإسعاف الرئيس
جمال وتناوبوا في عمل الصدمات الكهربائية لإنقاذه .. ومع انسداد الشريان التاجي
أثر جلطة في القلب .. صعدت روح الزعيم جمال عبد الناصر في السادسة والربع قبل غروب
شمس 28 سبتمبر 1970 إلى جوار ربه وسط ذهول كبار رجال الدولة وأسرته والعالم بأسره.
وأوصى الأطباء بنقل الجثمان في نفس
الليلة إلى ثلاجة عيادة قصر القبة، وبالفعل تم ذلك وبقيت هناك حتى تم الاتفاق على مراسم
الجنازة في أول أكتوبر .. وفي التاسعة صباحاً من نفس اليوم تم نقل الجثمان من قصر
القبة بعد تغسيله إلى مجلس قيادة الثورة بالجزيرة في طائرة هليكوبتر وكان معه حسين
الشافعي لتلاوة القرآن في الطائرة.
وصلت الطائرة في العاشرة والثلث إلى
مقر مجلس القيادة لبدء مراسم الجنازة، التي تقرر عبورها كوبري قصر النيل للوصول
إلى مسجد جمال عبد الناصر بالعباسية .. واحتشدت الجموع التي أتت من كل أرجاء
مصر لوادع حبيب الشعب، وحاولوا الوصول إلى نعش الرئيس وحمله على أعناقهم بدلاً من
عربة المدفع التي تجرها الخيول .
لم يسمح للجماهير بحمل النعش وطلب
الفريق فوزي من جندي طويل القامة أن يفرد جسمه على النعش بعد أن طالته أيادي
الجماهير التي تغلبت بحبها على القوات المؤمنة للجنازة .
وفي الثانية ظهراً وصل الجثمان إلى مسجد ناصر بالعباسية حيث أقيمت صلاة الجنازة التي شارك فيها العديد من الملوك والرؤساء .. وفي الثانية والثلث وضع الجثمان في مثواه الأخير بضريح ناصر في
أول أكتوبر 1970.
الهلال اليوم تنشر بعض الصور
النادرة لنقل الجثمان من قصر القبة إلى مجلس قيادة الثورة حيث أقيمت مراسم جنازة الرئيس
جمال عبد الناصر.