السبت 18 مايو 2024

لماذا اقترح الرئيس السادات إلغاء موكب جنازة الرئيس عبد الناصر؟

1-10-2018 | 18:52

في الثامن والعشرين من سبتمبر 1970 وبعد ساعات من رحيل الرئيس جمال عبد الناصر، اجتمع كبار رجال الدولة لبحث كيفية تسيير أمور الدولة، وطلب السادات نائب رئيس الجمهورية رأي محمد حسنين هيكل الذي حضر الاجتماع، ورد هيكل بأنه في هذه الحالة يجب العمل بنصوص الدستور، وهي أن يتولى السادات الحكم لمدة ستين يوماً حتى يتم استفتاء لاختيار رئيس للبلاد.

بدأ الرئيس السادات في استقبال الملوك والرؤساء العرب الذين وفدوا لحضور مراسم الجنازة ولتقديم واجب العزاء في فقيد الأمة العربية، وتم الترتيب لإقامة الضيوف بفندق شهير، وعلى الجانب الآخر تم التخطيط لسير جنازة الرئيس جمال، وكان الجثمان قد أودع في ثلاجة عيادة قصر القبة، وتم الاتفاق على أن ينقل الجثمان من القبة إلى مجلس قيادة الثورة لتبدأ مراسم الجنازة من هناك إلى مثواه الأخير.

تباحث كبار رجال الدولة لتحديد خط سير الجنازة، واضعين في الاعتبار ما قد يحدث من انفعالات الجماهير الحاشدة التي قد تتدافع لحمل الجثمان والتغلب على قوات تأمين الجنازة، لذا اتصل السادات بهيكل في التاسع والعشرين من سبتمبر يقترح عليه أن يتم إلغاء موكب الجنازة لأنه يتوقع ما لا يحمد عقباه من الجموع المٌحبّة للرئيس عبد الناصر، وقد يقومون من فرط حزنهم بإشعال النار في القاهرة.

أكد هيكل للسادات أن إلغاء موكب الجنازة سيثير التساؤل والشكوك في نفوس الجماهير وأن شيئاً غريباً قد حدث، ويجب أن تسير الجنازة حسب ما رسم لها، وخشى كبار رجال الدولة أن تتخاطف الجماهير النعش، لذا اقترح فرد منهم أن يسير النعش خالياً بدون جثمان الرئيس خوفاً عليه من تزاحم الجماهير، إلا أن هيكل أكد لهم أن تلك الفكرة غير سديدة، فلو تمكنت الجماهير من حمل النعش ووجدوه خفيفاً وخالياً سيعتقدون أن في الأمر خدعة فلن يقتصر الأمر على حرق القاهرة وحدها بل ستعم الفوضى أرجاء البلاد.

في أول أكتوبر 1970 زحفت جموع الشعب من كل أرجاء مصر إلى القاهرة، وتوقفت الحياة تماماً وأغلقت المصانع والمحال التجارية واتشحت المنازل والميادين بالسواد، وأذاعت المساجد القرآن الكريم بمكبرات الصوت طوال اليوم، وقد قضت جموع الشعب ليلتين في الشارع دون نوم وهم مستمرون في البكاء والنحيب.

أمضى الرئيس السادات وحسين الشافعي وعلي صبري ليلة 30 سبتمبر في قصر القبة حيث وضع جثمان الرئيس في ثلاجة العيادة، وفي السادسة والربع من صباح أول أكتوبر حضر وزير الصحة برفقة ثلاثة أطباء إلى قصر القبة، وفي السادسة والنصف بدأت مراسم تغسيل الجثمان، وأصر السادات والشافعي على حضور الغسل وانهار السادات بالبكاء بينما وقف الشافعي يتلو القرآن، ووضع الجثمان في نعش التف بعلم الجمهورية وحمله ثمانية ضباط إلى خارج القصر لنقله بطائرة حربية إلى مجلس قيادة الثورة.

احتشدت الملايين من الجماهير في ذلك الوقت من قصر القبة حتى كوبري قصر النيل وامتلأت بهم الشوارع والميادين، وعلم السادات بالأمر فطلب من الفريق فوزي إخلاء طريق سير الجنازة ولو بالقوة، وفي الثامنة والنصف طمأنه فوزي بأنه أمكن إخلاء طريق الجنازة الرسمية، بعدها بدقائق استقل السادات وعلي صبري طائرة حربية للوصول إلى مجلس قيادة الثورة، تاركين حسين الشافعي ليأتي في طائرة أخرى مع جثمان الرئيس جمال.

بدأ موكب الجنازة من التاسعة والربع صباحاً من مجلس القيادة، حيث يتواجد رؤساء وملوك الدول الذين قدموا واجب العزاء وسار الموكب تعوقه محاولات استيلاء الجماهير على النعش لحمله على أعناقهم، حتى وصل الموكب إلى مسجد جمال عبد الناصر بالعباسية بعد 5 ساعات مضنية، وكادت الأمور أن يفلت زمامها فقد تغلبت جموع الجماهير على قوات تأمين الموكب ووصلت أياديهم إلى النعش وكادت أن تنزع العلم لولا أن ارتمى أحد الجنود فوق النعش لمنع الجماهير من نزع العلم وحمل النعش، وعند انتهاء الموكب كان قميص الجندي قد تمزق وأصيب ببعض الجروح في ظهره من جذب الجماهير له.

    الاكثر قراءة