تحل اليوم الذكرى السابعة والثلاثين على استشهاد الرئيس محمد أنور السادات ، ثالث رئيس جمهورية حكم مصر فى الفترة الممتدة ما بين عامى (١٩٧٠، ١٩٨١ ) ، وذلك أثناء حضوره العرض العسكرى للذكرى الثامنة لانتصارات حرب أكتوبر وليلحق السادات بأبنائه من شهداء حرب أكتوبر البررة ، ويتوارى جسدة أمام نصب تذكارى نقشت عليه الحروف الأولى لأسماء جميع شهداء الحرب.
عاش أنور السادات عمره من أجل مصر ومات من أجلها ، ولم يبخل عليها يوما بلحظة من عمره ، ولا قطرة من دمه وهبها حياته وفكره فقد كانت تعيش فى وجدانه، ورحلة كفاحه صورة نابضة بالحب لشعبه ولوطنه ، كما سطرها التاريخ منذ مولده بميت أبو الكوم، وتدرجه فى التعليم حتى تخرج ضابطا فى الكلية الحربية واعتقاله فى حادث اغتيال أمين عثمان، ثم دوره البارز فى ثورة يوليو، وتقلده للعديد من المناصب إلى أن تولى رئاسة الجمهورية ليحقق لبلاده أروع الإنجازات.
استمرت فترة ولاية الرئيس السادات لمصر 11 عاما ، اتخذ خلالها العديد من القرارات التاريخية الخطيرة التى هزت العالم ، وأثبتت الأحداث صلابة السادات في مواجهتها ومرونته الفائقة على العمل على تفادى مصر المخاطر الجسيمة، حيث بنى استراتيجيته في اتخاذ القرارات على قاعدة تاريخية منسوبة إليه وهى 'لا يصح إلا الصحيح' ..اهتز العالم كله لموت رئيس دفع حياته ثمنا لوطنيته ، ووضعت رصاصات الغدر التى استهدفته نقطة النهاية لحكم قائد جرىء محنك بدأ حكمه بالحرب وأنهاه بالسلام.
ويذكر التاريخ أن السادات تمتع بالذكاء والفطنة وسرعة البديهة ، وإجادة قراءة الواقع والاطلاع عليه ، وكثرة قراءة التاريخ واستشراف المستقبل ، وكثرة الأسفار والاختلاط بالساسة وقراءة مذكراتهم ، وتأمل تاريخ الحروب والصراعات السياسية على مر العصور ، وكثرة التأمل والتفكير .
وفى عام 1971 اتخذ الرئيس السادات قرارا حاسما بالقضاء على مراكز القوى فى مصر وهو ما عرف بثورة التصحيح ، وفى ذات العام أصدر قرار بإعداد دستور جديد لمصر، وقام بالاستغناء عن 17000 خبير روسى فى أسبوع واحد حتى إذا ما كسب المصريون المعركة ضد إسرائيل لا ينسب الفضل إلى غيرهم٠
وفى عام 1973 أقدم السادات على اتخاذ واحد من أخطر القرارات المصيرية التى اتخذها، وهو قرار الحرب ضد إسرائيل ، حيث كان يعد لها منذ اليوم الأول لتوليه الحكم فى أكتوبر عام 1970 ، مصمما على استرجاع شبه جزيرة سيناء من قبضة إسرائيل التى احتلتها بعد هزيمة حرب 1967 ، وتمكن بخطة محكمة وشاملة للخداع الاستراتيجى من هزيمة إسرائيل فى حرب أكتوبر ١٩٧٣ بعد ثلاث سنوات فقط من بداية حكمه ، وبهذا قاد السادات مصر إلى أول انتصار عسكرى فى العصر الحديث ٠
واستطاع السادات التفاوض مع إسرائيل من موقع المنتصر، فأجبرها على إعادة الأرض المصرية المحتلة فى سيناء ، حيث رسم انتصار القوات المسلحة المصرية فى ٦ أكتوبر خط النهاية فى حرب دامت لأكثر من ربع قرن ٠
وفي عام ١٩٧٥ قرر السادات رسم معالم جديدة لنهضة مصر بعد الحرب بانفتاحها على العالم، فكان قرار الانفتاح الاقتصادي، وفي عام ٧٦ أعاد السادات الحياة إلى الديمقراطية التى بشرت بها ثورة ٢٣ يوليو، ولم تتمكن من تطبيقها، فكان قراره بعودة الحياة الحزبية ، فظهرت المنابر السياسية، ومن رحم هذه التجربة ظهر أول حزب سياسى فى مصر ، وهو الحزب الوطنى الديمقراطى كأول مولود حزبى كامل النمو بعد الثورة ، ثم توالى بعد ذلك ظهور أحزاب أخرى كحزب الوفد الجديد وحزب التجمع الوحدوى التقدمى وغيرها.
وشهد عام 1977 اتخاذ الرئيس السادات قراره الحكيم والشجاع الذى اهتزت له أركان الدنيا بزيارة القدس ليمنح بذلك السلام هبة منه لشعبه وعدوه فى آن واحد ، ويدفع بيده عجلة السلام بين مصر وإسرائيل ، وذهب إلى إسرائيل وألقى خطابه الشهير في الكنيست الإسرائيلى باللغة العربية، ولهذا فقد استحق بجدارة لقب "رجل الحرب والسلام".
وفى عام ١٩٧٩قام السادات برحلته إلى الولايات المتحدة الأمريكية من أجل التفاوض لاسترداد الأرض وتحقيق السلام كمطلب شرعى لكل إنسان ، وخلال هذه الرحلة وقع اتفاقية السلام فى كامب ديفيد برعاية الرئيس الأمريكى جيمى كارتر، وبموجبها حصل على جائزة نوبل للسلام، مناصفة مع رئيس وزراء الإسرائيلى الراحل مناحم بيجن، تقديرا وتكريما لتوقيعهما على معاهدة السلام.